فيلم “الملحد”… إعادة تدوير الكراهية القديمة بواجهة سينمائية جديدة

فيلم “الملحد”… إعادة تدوير الكراهية القديمة بواجهة سينمائية جديدة
هوية بريس – متابعات
من خلال تدوينة نقدية، تناول الكاتب والروائي المغربي، الدكتور إدريس الكنبوري، دخول الإعلامي المصري إبراهيم عيسى إلى مجال السينما من خلال فيلم كتب له السيناريو بعنوان “الملحد”، معتبرا أن العمل لا يعدو أن يكون تقليدا مطورا لأفلام عادل إمام التي سادت في التسعينات، من قبيل “الإرهاب والكباب” و”الإرهابـ.ي” و”طيور الظلام”، حيث تعاد الصورة النمطية نفسها للشخصية المتدينة والعنيفة دون أي اجتهاد فني أو فكري جديد.
وأوضح الكنبوري أن الاختلاف الوحيد بين تلك الأعمال القديمة وفيلم «الملحد» يكمن في السياق الزمني والسياسي؛ فأفلام عادل إمام ظهرت في فترة صراع بين الإسلاميين والنظام المصري، بينما يأتي فيلم إبراهيم عيسى في ظل مواجهة أشمل بين المسلمين والصهيونية، غير أن الرسالة تظل واحدة ولم تتغير.
وسجل الكنبوري أن الفيلم يمنح صورة إيجابية للإلحاد عبر بطله، حيث ينتهي العمل بانتصار الإلحاد على الإيمان، في مشهد رمزي يتمثل في نزع والدة البطل لحجابها، ليكون الختام إعلانا عن “فوز الملحد”. واعتبر ذات المتحدث أن هذا السيناريو مضحك وسخيف، ولا يختلف عن عشرات الأفلام المصرية التي صنعت صورة نمطية عن المتدين منذ الثمانينات والتسعينات، دون مراعاة التحولات الفكرية والاجتماعية الكبرى التي عرفها العالم بعد 2001.
وأشار الكنبوري إلى أن تلك الصورة النمطية صُنعت في الماضي لتشويه الجماعات الإسلامية، غير أن إبراهيم عيسى اختطفها وأسقطها على كل مسلم يؤمن ويصلي، بمن فيهم ضباط الشرطة، وموظفو الدولة، ورجال الأزهر، وسائقو الحافلات، وباعة الفول المدمّس، وحتى أفواج المصلين في صلاة التراويح، معتبرا أن الفيلم “غبي” كتب قصته رجل حاقد على كل شخص يتحرك.
وشدد الكاتب المغربي على أن أكثر من ثلاثين سنة تفصل بين تسعينات القرن الماضي واليوم، وهي فترة شهدت بروز جيل جديد من الشباب الواعي والمتعلم، الحاصل على شهادات عليا في مختلف التخصصات، إلى جانب وجود عشرات الملايين من المسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا ممن يجمعون بين الالتزام الديني والاندماج المجتمعي، ويرخون اللحية ويرتدين الحجاب دون عقد أو صدام. كما ذكّر بوجود مسلمين يخوضون مناظرات فكرية علنية مع الملاحدة وينتصرون عليهم بالحجة.
وختم الكنبوري تدوينته بالتأكيد على أن إبراهيم عيسى، رغم ذلاقة لسانه، لم يخض إلى اليوم أي مواجهة فكرية حقيقية مع متديّن، حتى يُعرف إن كانت المواجهة ستنتهي بانتصار الإلحاد أم لا، كما لم يدخل في مناظرة مع امرأة محجبة ليتبين هل تنتهي بنزع حجابها، أم بهروب الملحد.
هذا وقد أثار فيلم “الملحد” موجة واسعة من ردود الفعل الغاضبة في الأوساط المصرية والعربية، بين مثقفين وباحثين ونشطاء رأوا فيه عملا استفزازيا يعيد إنتاج خطاب الإقصاء والكراهية تجاه المتدينين، ويكرّس صورة نمطية متجاوزة لا تعكس واقع المجتمعات العربية ولا تحولات أجيالها الجديدة. وقد اعتبر كثيرون أن الجدل المثار حول الفيلم لا يتعلق بحرية الإبداع بقدر ما يرتبط بتوظيف السينما في صراع أيديولوجي قديم، يعمّق الاستقطاب بدل أن يفتح نقاشا فكريا رصينا، ويكشف من جديد عن الفجوة المتزايدة بين خطاب بعض النخب الإعلامية ووعي الشارع العربي وتطلعاته.



