في التباس العلاقة بين السياسي والإعلام
هوية بريس – عادل بنحمزة
يلف العلاقة بين حقلي السياسة والإعلام، الكثير من الالتباس والخلط، بحيث في بعض اللحظات يصعب التمييز بين الإعلامي والسياسي، هذا التداخل أو التماهي يعبّر في حد ذاته عن الأزمة التي تعيشها الصحافة والسياسة في بلداننا والبلدان التي على شاكلتنا حول العالم، فالعلاقة في كثير من الأحيان يغلب عليها تبادل الأدوار، وتبادل الأدوار هذا يمكن اعتباره دليل أزمة، إذ عندما يتحول الفاعل السياسي إلى إعلامي ويتحول الإعلامي إلى ناشط سياسي فمعنى ذلك أن عملية الفرز الضرورية لم تتحقق بين الحقلين، وهذا الأمر له جوانب تاريخية، إذ لا يجب أن نغفل عن كون البدايات كان فيها نوع من التطابق بين الإعلامي والسياسي، بحيث مثلاً استمرت الصحافة الحزبية والقومية التابعة للدولة، مهيمنة على الحقل الإعلامي لمدة تفوق خمسة عقود بحيث كان يصعب التمييز بين الإعلامي والسياسي وبنظرة خاطفة على تاريخ النقابة الوطنية للصحافة المغربية مثلاً، سنجد أسماء كثيرة تحملت مسؤوليات إعلامية وسياسية في الوقت ذاته يمكن التذكير مثلاً بعبد الكريم غلاب، العربي المساري، علي يعتة، محمد اليازغي والآن مثلاً عبدالله البقالي وقبله يونس مجاهد…، وفي كل هذا التاريخ كان الإعلام أداة للسياسي سواء في مخاطبة الشعب أو في مواجهة إعلام السلطة.
الآن على المستوى العام يمكن النظر إلى العلاقة بين السياسي والإعلامي في سياق تبادل المنفعة، فالسياسي يعد مصدراً جيداً للأخبار كما أن الإعلامي يعتبر قناة مهمة لتصريف المواقف، غير أن السياسي لا يريد أن يقول كل شيء، بينما الإعلامي يرغب في الحصول على الحقيقة كلها، لذلك هناك دائماً نوع من الحذر في العلاقة بين الطرفين.
من زاوية أخرى شغلت العلاقة بين السلطة والصحافة مساحات مهمة من النقاش بخاصة في مراحل الانتقال السياسي، لأن نقاش العلاقة، لا يمكن أن يتم بصورة طبيعية وموضوعية سوى في إطار مجال سياسي مفتوح نسبياً أو على الأقل أقل سلطوية، ذلك أن المراحل الانتقالية تقتضي بصورة طبيعية، وجود توتر بين الإعلامي المتعطش للحرية (ليس كل من ينتمي للحقل الإعلامي يفعل ذلك بالضرورة)، وبين السياسي كممثل للسلطة، والذي يرى في أحسن الأحوال، أن ذلك يجب أن يتم بالتدرج، وفي أسوأها أن يكون شكلياً فقط…
العلاقة بين السلطة والصحافة من المفترض أن تحكمها القواعد التي تؤطر الممارسة الديمقراطية في أي بلد، وعلى هذا المستوى يمكن الحديث عن نماذج للسياسيين وفي المقابل نماذج للصحافيين، ففي بيئة ديموقراطية تحفظ الحقوق والحريات وتنتصر للقانون، تكون العلاقة، علاقة توازن بمنطق السلطة تحد السلطة، وهي ليست بالضرورة علاقة صراع دائم، بل علاقة تلعب فيها الصحافة دورها في الإخبار وكشف الحقائق وتقديم المعطيات بخاصة السيئة التي يجتهد السياسي بأبعاده المختلفة في إخفائها، سواء لدواعٍ سياسية أو فقط لأنها تضعف الصورة التي يحاول تقديمها للحفاظ على الوضع القائم، وهنا بالضبط تساهم الصحافة في شفافية الحياة العامة التي تعتبر أساسية في أي نظام ديموقراطي، لهذا نجد السياسيين الديموقراطيين لا ينزعجون عادة من عمل الصحافة، بل يقدرون ذلك العمل.
في المقابل فإن السياسي من واجبه أيضاً تأطير مجال الحرية المرتبطة بحرية التفكير؛ التي من دونها لا يمكن الحديث عن صحافة، وهذا التأطير يجب أن يتم من طريق القانون والقضاء في احترام تام للقواعد التي تنظم ممارسة حرية الرأي والتعبير، فالإعلام أيضاً سلطة، باعتباره سلطة رابعة إلى جانب السلطات الثلاث التقليدية، وحيث أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فإنه من الضروري وضع قواعد لهذه السلطة حتى لا تتحول عن أهدافها، وأن لا تصبح مجرد أداة في أيادي خارج صالات التحرير.
بالطبع في أي بنية سلطوية مغلقة، لا يمكن الحديث سوى عن نموذج ممثل السلطة الذي لا يرى في الصحافة سوى رجع صدى لمبادراته وخطاباته وقراراته… حيث تصبح الصحافة كما “شاشة الرصد” في رواية “1984” لجورج أورويل، ترصد أنفاس الناس وتوجه لهم التعليمات والأوامر، وتنظم لهم مجالات التفكير، والتفكير هنا فقط من باب الحشو، لأنه في الأنظمة الشمولية ليس هناك مجال للفكر، بل التفكير في ذلك يعتبر جريمة وخيانة لا تغتفر. هكذا في ظل أنظمة سلطوية يكاد يكون الحديث عن العلاقة بين السياسي والصحافي أمراً يدخل في دائرة العدم، لأن وجود الصحافي هو إفتراضي فقط… باختصار، ففي مثل تلك الأنظمة لا يمكن الحديث سوى عن نموذج “البرافدا” أو “الجمهورية” أو من على شاكلتهما.
مع ذلك يمكن القول إن العلاقة بين السياسي والإعلامي هي على نفس الطبيعة، بمستويات مختلفة طبعاً، في كل دول العالم التي تعيش في ظل أنظمة ديموقراطية أو تتوافر على هامش ديموقراطي، علاقة تتميز بالحذر والتوتر، ولو أن التحول الذي تعرفه وسائط الاتصال من خلال الشبكات الاجتماعية على الخصوص وبروز المواطن/الصحافي، أثر في طبيعة العلاقة؛ إذ في كثير من الأحيان أصبح السياسي يقوم بوظيفة الإخبار بشكل مباشر عبر تغريدة أو تدوينة وشريط فيديو ومن دون حتى الحاجة إلى وسائل الإعلام التقليدية التي مع ذلك لا يمكن القول إن دورها قد انتهى والتجربة الأميركية تبرز ذلك بخاصة مع ظاهرة ترامب، حيث دخل هذا الأخير في خصومات كبيرة مع وسائل الإعلام لكنه مع ذلك ظل حاضراً إعلامياً ما دام قادراً على صناعة الحدث.