في ترشيد خطاب التربية الإسلامية (5-6-7)
هوية بريس – د.خالد الصمدي
الحرص على الأصول والابتعاد ما أمكن بالتلاميذ عن الفروع (5)
حرص الإسلام على الوحدة في الاصول والمبادئ والقيم فأسس الايمان والاسلام وأصول المعاملات الأسرية والاجتماعية والمالية على قواعد دقيقة وواضحة لا شية فيها، ودعا إلى الاجتماع عليها وإقامة الدين فيها وعدم التفرق فيها، “أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه” وسيجها بحدود من خلال نصوص واضحة غير قابلة للتأويل وحذر من تجاوزها، فقال تعالى “تلك حدود الله فلا تعتدوها“، وفي موضع آخر قال “فلا تقربوا” واعتبر أن الإجماع حولها هو ضمان لحمة الأمة وقوتها، وأن ما حولها من فروع تركها الشارع موضع تأويل واجتهاد على سبيل التيسير.
فإن تم اللجوء الى إثارتها بسبب الهوى فهو أمر ممقوت ومذموم ينبغي التحذير منه عوض إثارته لانه قد يذهب ريح الامة ويضعف كلمتها.
وإن كان بسبب علمي فمرده إلى الله والرسول والى اولي الأمر لعلمه واستنباطه وإرشاد الناس فيه الى أوفق السبل فيه في سياقه وظروفه المناسبة، ففيه خيارات مذهبية لكل بلد ينبغي التعريف بها والإشارة إليها عند الاقتضاء.
وعليه فإن الخطاب التعليمي في مادة التربية الإسلامية ينبغي أن يركز على بناء الاصول التي يقوم عليها دين المتعلمين معرفة وقيما، والنأي بهم ما أمكن عن الجزئيات والفرعيات والخلافيات التي لا يتأسس عليها إيمان او كفر، وتؤدي إلى التفريق في الدين أكثر مما تشعر بالوحدة فيه؟
وقد تكون سببا في النفور من الأصول في حد ذاتها من خلال وسم الدين كله بالاختلاف والمسلمين كلهم بالتفرقة، وذلك لصعوبة إلمامهم بأسباب الاختلاف وقواعده.
وهو واقع الحال اليوم الذي يكرسه الخطاب حول الدين من تمثلات سلبية في أذهان الناس عموما والشباب على وجه الخصوص من خلال وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.
ووحده الفضاء التعليمي هو الذي يمكن أن يقوم بتصحيح هذه التمثلات وتقويمها عوض تكريسها والترويج لها.
والله المستعان.
خطاب الميزان بين التزكية والعمران (6)
قال الله تعالى في الذكر الحكيم “والسماء رفعها ووضع الميزان” وللميزان هنا كفتان التزكية والعمران، ولا يمكن لمناهج التربية الإسلامية أن تسير على رجل واحدة، ولا على خط واحد من خطي السكة.
تزكية الإنسان تركز على توجيه الجوارح نحو الصلاح، من أجل الحصول على محبة الله يلخصها قول اللَّهَ تعالى في الحديث القدسي “فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ” رواه البخاري، وبذلك تكون التوجيهات الإسلامية في الأخلاق الفردية في التعامل مع الذات وفي التعامل مع أخيه الإنسان في المحيط.
أما العمران فهو ربط المتعلمين بموقف الإسلام وقيمه من قضايا الواقع والإجابة عن سؤالاته، مثل قضايا الأسرة والمجتمع وحقوق الإنسان والاتصال وقضايا حماية البيئة وغيرها من قضايا التنمية من منظار الهوية، ليدرك أن دينه دين حي متفاعل مع قضايا الواقع وتحدياته.
بهذا المنظور يمكن أن تكون المنظومة التربوية شخصية متعلم يجمع في حياته بين الهوية والتنمية في نفس الآن، إن جمع في تكوينه بالمدرسة في مرحلة الطلب بين التزكية والعمران.
من المادة العلمية إلى المادة التعليمية (7)
كل مادة دراسية هي في الاصل مادة علمية يتم تحويلها عبر مراحل إلى مادة تعليمية بدءا من بناء المنهاج إلى تأليف الكتاب المدرسي فبناء الجذاذة التعليمية الى الخطاب التربوي الممارس داخل الفصل الدراسي إلى نظام التقويم، وكل هذه المحطات تتداخل فيها جهود أطراف مختلفة كما تتداخل فيها قناعات ومفاهيم وتصورات وخلفيات علمية متعددة، وإن كان كل ذلك مؤطرا بمرجعيات تربوية ناظمة، لكن هذه المرجعيات المؤطرة إما تقتصر على التوجهات العامة وهذا لا يفي بالعرض، أو تدخل في تفاصيل ما هو ديداكتيكي فني وهذا ليس مطلوبا بحال لأنه يقيد حرية المدرس في التعامل مع المواقف التعليمية والتربوية المختلفة.
وتظل منطقة علمية وسطى يمتزج فيها العلمي والتربوي (أصول الفقه بأصول التربية) وهي المنطقة التي تمكن المدرس من امتلاك قواعد تحويل المادة العلمية إلى مادة تعليمية، ومن هذه القواعد قواعد تفكيك دلالة النص الشرعي العبارة والإشارة والاقتضاء، واعتبار السياق في صياغة الخطاب، ومراعاة حال المخاطب، ومراعاة مآل الخطاب والقصد منه، وسد الذرائع عما لا يناسب من القول، واستخدام المثال المناسب في المكان المناسب، والطريقة المناسبة في الموقف التعليمي المناسب وغير ذلك من القواعد العلمية الأصولية التي تضبط التعامل مع النصوص الشرعية وفهمها وتؤطر تدريسيتها قبل القواعدالديداكتيكية.
وهذه المنطقة الوسطى تقتضي تكوينا يجمع بين علم قواعد علم أصول الفقه باعتباره علما منهجيا، وأصول التربية لأن الشريعة في الأصل إنما وضعت للإفهام وهو نفس هدف أصول التربية وعلومها وطرائق التدريس فيها.
وهذه الزاوية من التكوين النظري غالبا ما لا يلتفت إليها، بقد ما يتم التركيز في التكوين الاساس والمستمر للمدرسين على المضمون العلمي، أو على الإجراءات الديداكتيكية التي وإن تملكها المدرس بمختلف تجلياتها وتجاربها فينبغي أن تترك له الفرصة ليستخدم الأسلوب المناسب منها للموقف التعليمي المناسب ليخاطب المتعلمين على قدر عقولهم وحاجتهم، فيصل الى المقصود في أقصر وقت بأقل مجهود.
إنها المنطقة الوسطى التي تمكن حقا من تحويل المادة العلمية إلى مادة تعليمية بقواعد علمية قبل الاشتغال بنقلها الديداكتيكي، غير أنها لا تزال في منطقة الظل.