في ذكرى استشهاد “أسد تادلة”.. أين قبر أحمد أحنصال؟!
هوية بريس- محمد زاوي
حلت يوم أمس، 26 نونبر، ذكرى إعدام الشهيد أحمد الحنصالي، “أسد تادلة” كما لقبه بذلك عيسى العربي في كتابه “الرواية الكاملة لثورة أسد تادلة الشهيد أحمد الحنصالي ضد الاحتلال الفرنسي”.
أعدمته السلطات الفرنسية، عام 1953، بعد سلسلة عمليات فدائية نفذها في وجه الاستعمار الفرنسي بالمغرب، ودفنته (رفقة رفيق له بعد إعدامه أيضا) في مقبرة المسيحيين بالبيضاء.
ولم تكن الحركة الوطنية لتسمح بهذا المنكر، طمس حقيقة مقاوم في مقابرَ ليست للمسلمين وإلى جانب عدد كبير من المعمرين الفرنسيين. فنقله الوطنيون من هذه المقابر إلى مقبرة ابن مسيك، ولا ندري إلى اليوم أين قبر الرجل؟ أَلَقي مصير قبر المقاوم “الجّْبلي” أحريرو (عبد الصمد بلكبير، العبقرية العسكرية والهشاشة السياسية، الملتقى، العدد 42)، رفيق زعيم مقاومة الشمال -الريف وجبالة-محمد بن عبد الكريم الخطابي وقائد الكفاح بعد اعتقاله؟ أوقع لقبره ما وقع لذاكرتنا من طمس، تهجين وتشويه؟
قيل إن طريق ولاد زيان قد وُسِّعت على حساب قبر الشهيد الحنصالي ورفيقه (محمد ولد سميحة)، ولا ندري إلى أي حد يمكن اعتبار هذا الذي يقال صحيحا. ولكن، أين قبر الحنصالي؟ وما الجهود المبذولة لإيجاده حفظا للذاكرة مشخصة في الشواهد؟
وإذا كان ما قيل صحيحا فإننا سنكون أمام واقعة بدلالات، فلا الذاكرة حفظناها في الوجدان الجماعي، ولا الشواهد أبقيناها لعلها توقظنا مستقبلا من شبه سبات هوياتي نغرق فيه! سنكون أمام بنيات يتم تحديثها على أنقاض التاريخ، استقلال يتم استكماله بنسيان الذين أنجزوه، تسامٍ في البنيان على حساب ذاكرة الإنسان!
تلتقي عند أحمد الحنصالي معاني عديدة، إذا ما أضعنا ذاكرته أضعناها. تلتقي عند قبره: تادلة المجال المغربي القديم، المقاومة القبلية للاستعمار الفرنسي، المقاومة الحديثة، تادلة في مغرب الاستقلال. عليها جميعا يدلنا المقاوم أحنصال، يحضر فيها جميعا مهما تناسيناه ونحن بصددها.
– تادلة: المجال المغربي القديم
“فتح معاقلها وحصونها” الأدارسة/ إدريس الأول (كما ورد في “الاستقصا” للناصري)، و”خضعت خضوعا كاملا وتاما ونهائيا للمرابطين”، و”كانت أول ما استولى عليه الموحدون” (عبد المومن الموحدي)، وغزاها المرينيون في 1268 م (يعقوب المربني)، ثم انتشر في إقليمها نفوذ السعديين ابتداء من عام 943 هجرية، وانتقلت للعلويبن على يد المولى الرشيد في 1079 هجرية. (مصطفى عربوش، من تاريخ منطقة إقليم تادلة وبني ملال، مكتبة الطالب، الطبعة الأولى، 1989، من ص 152 إلى ص 160)
اهتمت بإقليم تادلة كل الدول المتعاقبة على حكم المغرب، ومهما ظهرت فيه من قلاقل وحركات تمرد بين الفينة والأخرى إلا أنه بقي جزءا من الدولة، لا يتمرد على دولة سابقة إلا ليصبح جزءا من أخرى لاحقة.
– تادلة: في تاريخ المقاومة القبلية
اختارت مقاومة الاستعمار الفرنسي منذ عام 1912، مدافعة بذلك عن أرضها ووجودها. يقودها في ذلك شيوخ قبائلها، مستثمرين زعاماتهم السياسية والدينية (كما هو حال شيخ الزاوية الحنصالية موحى الحنصالي) لتوحيد الناس وتوجيههم ضد المستعمر.
وكانوا في ذلك خصوما شرسين للاستعمار الفرنسي، حتى وصفهم الجنرال كيوم (مع غيرهم من مقاومي جبال الأطلس) بقوله: “إن خصمنا هو أحسن محارب في شمال إفريقيا، بطبعه شديد الكراهية للأجنبي، شجاع إلى حد المجازفة، يضحي بكل ما يملك، بعائلته وأيضا بكل سهولة بحياته في سبيل الدفاع عن حريته، يجد في طبيعة بلاده أحسن حليف له، يعرف تمام المعرفة كل خبايا مسقط رأسه الذي لا يرضى بديلا عنه، يعرف بالفطرة كيف يستفيد من أدنى ميزاته (…)”. (عيسى العربي، مقاومة سكان إقليم أزيلال للاحتلال الفرنسي في مرحلة غزو المغرب ما بين 1912-1933، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الطبعة الأولى، 2008، ص 27-28)
– تادلة: حركة التحرير
يمكننا إدخال العمليات الفدائية التي قام بها أحمد الحنصالي في دائرة حركة التحرير الحديثة، ما بعد القبلية. أولا، بحكم تزامنها مع انتشار الحركة الوطنية وإعلان مطلب الاستقلال؛ وثانيا، بحكم أن الذي قام بها فدائي متأثر بخطاب الاستقلال لا قبيلة تدافع عن أرضها ووجودها؛ ورابعا؛ لأن أحمد الحنصالي تقاسم مع الحركة الوطنية بعض معاناتها، فقد حبس في نفس الزنزانة بسجن “اغبيلة” بالقنيطرة رفقة عبد الرحيم بوعبيد وعبد الواحد الشرقاوي وأبي بكر القادري إلخ، وكان بوعبيد يصفه ب”الثائر الهادئ”.
– تادلة: في مغرب الاستقلال
يجب استدعاء تادلة برموزها، كما يجب استدعاء باقي الحواضر والبوادي، لتحديات الوطن واستهداف الأجنبي الإمبريالي في نسخته الجديدة (الاستعمار الجديد). لا يجوز بأي وجه كان أن تموت فينا “أوراد الزاوية الحنصالية”، “تراحم أفراد قبائل تادلة”، “روح المقاومة القبلية واستماتتها في التمسك بأرضها ووجودها”، الخ.