في نقض “تثنية الدين”

هوية بريس – د.ميمون نكاز
لا “حقيقة” للدين أو فيه خارج “الشريعة” أو فوقها، والتفريق بينهما فَرْقٌ وَفَكٌّ للشريعة في ذاتها، ومن جعل رجاء “الحقيقة” أشف من طلب “الشريعة” فقد أزرى بصاحب الشريعة صلوات ربي وسلامه عليه، إذ قال له ربه:{ثُمَّ جَعَلۡنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِیعَة مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ، إِنَّهُمۡ لَن یُغۡنُوا۟ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَیۡـٔاۚ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡض وَٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلۡمُتَّقِینَ، هَـٰذَا بَصَـٰۤائرُ لِلنَّاسِ وَهُدى وَرَحۡمَة لِّقَوۡم یُوقِنُونَ﴾ [الجاثية18-20]، إذ كيف يُكتَفى بجعل النبي صلى الله عليه وسلم “على شريعة من الأمر الكلي الجامع العام”، ويؤمر باتباع ما هو أدنى من “الحقيقة”؟
إني أرى في ذلك حطا من مقام النبي وإنقاصا من قدره الشريف، ورفعا لأقدار أدعياء الحقيقة فوق قدره العَلِيِّ الزكي…
أما ماورد في بعض الآثار من الإشارة إلى “الحقيقة” فلا دلالة فيه على هذه المفاصلة والتفرقة، كالأثر الوارد -بسند فيه ضعف- عن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: (كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مؤمنا حقا، قال: انظر ما تقول، فإن لكل قول حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ قال: عَزَفْتُ نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظرُ عرشَ ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، قال: “يا حارثة، عرفت فالزم)، أو كالأثر الذي خرّجه الإمام أحمد من حديث أبي الدرداء عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه)… فإن هذه الآثار وأمثالها -لو صحت- لا تزيد على تقرير أن لكل شيء “صورة ظاهرة” و”حقيقة باطنة”، ولكن هذه “الحقيقة الباطنة” هي من الشيء في نفسه وذاته، لا تطلب من غيره، ولا ترتجى وتلتمس خارجه…
لا ريب أن كل “طالبٍ للحقيقة” راجٍ لها من غير وقوف منه عند حدود “الشريعة”، ومن غير امتثال وخضوع لأحكامها المعلومة الظاهرة هو عندي من “المُستَهْوينَ المتحيرين” يوشك أن يضل، إن لم يكن قد ضل ضلالا مبينا بميزان “حقائق الشريعة”…
أذكر هذا لأني سمعت أحد المتصدرين في مجلس من مجالس إحياء ليلة المولد كما يزعمون، يتحدث عن “الشريعة” و”الحقيقة” معظما من شأن “الحقيقة” على “الشريعة”، في لخبطة مستعجِمة مستثقلة ظَهَّرَتْ “جهلَه المكعب”، وكشفت عن اختلال ميزان النظر عنده، وعند من هم على شاكلته…



