رمضان فرصة العمر من ضيعها ضاع عمره، ومحطة الوقود الروحي والإيماني من لم يتزود منها توقف سيره، ولم يصل إلى حيث ينبغي أن يصل؛ حيث جنة عرضها السموات والأرض.
وعما قريب سنودع رمضان، وسيغادر شهر الله المعظم والناس فريقان؛ فائز موفق فيا سعداه، وخاسر محروم فيا خيبتاه.
سنودع رمضان شهر النفحات والرحمات والخيرات والمكرمات والبركات.
سنودع رمضان شهر الصيام والقيام والقرآن والدعاء والقنوت.
سنودع رمضان شهر الإنفاق والجود والكرم.
سنودع شهر الإقبال على الطاعات والإدبار عن المعاصي.
سنودع شهر امتلاء المساجد والتصالح مع الصلاة والقرآن.
وداعا أيها المطهر.
سنودع خير الشهور؛ شهر السكينة والصبر والحلم والعفو والتسامح وضبط الأعصاب.
فكم من دموع تسكب طائفة من المؤمنين على فراقك، وأحزانها تتوقد لذهابك، وقلوبها تتلهف للقائك، وفي شوق لعودتك وهي في انتظارك، لا تدري أيكتب لها ملاقاتك.
وداعا فمن أين لها بلياليك وأيامك، أيام الخير وليالي البركات؟!
وداعا وكل المعاني في وداعك مقصرة، وعن الوفاء بمدحك والإبلاغ في التعبير عن ودك وحبك قاصرة.
ونحن نودعك نعتذر من طائفة أرادت أن تنغص علينا الفرح بقدومك، وتشوش على المقبلين عليك المتلهفين للقياك.
فعذرا يا رمضان عمن استقبلك بموازين العهر، عذرا ممن أساءوا إلى عظمتك وشرفك بمظاهر الخنا والانحلال، العري والسفور والشذوذ والعقوق.
عذرا عمن أخذوا على عواتقهم لإفساد صيام الصائمين وتلويث ليل القائمين، فتهيؤوا بكل ما قبح من المسلسلات والسكيتشات والسهرات والمسرحيات والحفلات…
عذرا رمضان ولا نملك إلا الاعتذار، فالقوم لا يميزون بين يوم الصيام وليل الإفطار، صفدت شياطين الجن فكانوا خير نائب ومستخلف فما آلوا جهدا في نشر الفساد والمنافحة عنه.
أي قلوب تلك التي ما قدرتك حق قدرك، ولا عرفت قيمتك، ولا أدركت مكانتك كتب عليها الحرمان، فكان له عليها ألف عنوان.
عذرا فما أشقى الذين سخروا منك؛ وسخروا من عمار بيوت الله، وعودة المذنبين وإقبال المنيبين، من رواد التراويح الذين ملئوا المساجد والجنبات.
عذرا حتى تعود والعود أحمد، فلعل الله يهيئ من أمره ما يجعلك تكون في أعز ما أنت فيه، لك من التقدير والإجلال ما يعجز عنه كل منافق فاسد مفسد أن يسيء إليك أو يكدر علينا صفوك أو ينغص علينا فرحنا بك.