قاسم سليماني.. سفاح مبير.. أم بطل شهيد؟!
عبد الله مخلص – هوية بريس
خلف مقتل قاسم سليماني يوم الجمعة 3 يناير 2020 ردود أفعال متباينة، بين من أظهر فرحا بمقتله، باعتباره مجرم حرب، أباد أهل السنة في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وبين من رفض تصفيته من طرف “مارينز ترامب”، كما رفض تدخل أمريكا في العراق وإعمالها القتل في من تشاء على طريقة “الكاوْبُوي” الهمجية.
معلوم أن أمريكا لم تقتل سليماني غيرة منها على الدماء التي أهدرها في سوريا أو العراق أو اليمن أو لبنان، ولا دفاعا على دول النفط التي تغدق الأموال بسخاء مقابل الحماية من العدو الصفوي، لا أبدا، وإنما اغتالته لما بات يشكل خطرا على مصالحها وأمنها، ولترسم حدود اللعب مع شريكها في الهيمنة على دول السنة، فأمريكا أكبر المتورطين في زعزعة استقرار الدول التي تعاني من التطرف والتوتر والإرهاب.
كما أن التصريحات التي أثارت حفيظة بعض المتابعين من أهل السنة، والتي أدلى بها بعض زعماء الدول والحركات الإسلامية، وتقديمهم التعزية في سليماني وإعلانهم التضامن مع إيران، لا يمكن عزلها عن السياق السياسي، فهذا الأمر يشمل جل قادة دول العالم، وبما فيهم الدول السنية، لأن العلاقات الدبلوماسية بين الأنظمة تحكمها المصالح، وتطغى فيها السياسة على الدين، وحتى إن أعلنت دولة ما تبنيها موقفا عقديا معينا، فمن أجل ما تراه مصلحة ويخدم وطنها، فهي مستعدة أن تتحالف مع أي كان.
وعلى سبيل المثال فالنظام السعودي الذي يلعن العداء لإيران استقبل في 2017 “مقتدى الصدر”، قائد ميليشيا “جيش المهدي” و”سرايا السلام” التي دربها الحرس الثوري الإيراني، ودمرت بخلفية شيعية إرهابية أكثر من 200 مسجد في بغداد، واغتالت عددا كبيرا من العلماء، وسرقت أموال الشعب، وارتكبت مجازر وجرائم ضد الإنسانية بكل من العراق وسوريا ومخيمات الفلسطينيين بالعراق.
فعملت الرياض على التنسيق مع شيعة مقتدى الصدر العرب الذين حارب بهم صدام حسين إيران، إبان حكم الخميني، من أجل التصدي للمشروع الإيراني في المنطقة. فالتحالفات خلال الحروب في واقعنا المعاصر تكون على حسب المصالح لا المواقف العقدية. هذا ما أثبتته الوقائع والأحداث.
ولئن كان هذا هو موقف عدد من الأنظمة العربية، فإن الشعوب لها مواقف أخرى، حيث لم تنس أبدا الجرائم والفظائع التي ارتكبها قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، بخلفية شيعية رافضية، ترى استباحة دماء أهل السنة، فخرج عدد من المواطنين العراقيين والسوريين ليعبروا عن فرحهم بـ”مهلك سفاح إيران” و”المبير” الذي يتَّم الأطفال، ورمل النساء، وخرب الأوطان.
فلسيماني تاريخ دموي في عدد من الدول السنية، فقد عمل على إجهاض الثورة السورية، وشارك في 2012 في “إدارة تدخل الحرس الثوري وحزب الله اللبناني وميليشيات عراقية في معارك سوريا خاصة معركة القصير في محافظة حمص بسوريا، وأشرف عليها بنفسه وتمكن من استردادها من المعارضة في مايو 2013″.
و”جلب إلى سوريا حوالي 70 ألفا من الميليشيات الطائفية العراقية والأفغانية والباكستانية واللبنانية والتي لعبت دورا أساسيا في تحويل ثورة الشعب السوري إلى صراع طائفي لصالح توسيع النفوذ الإيراني”.
كما عمل على تهجير قسري لمئات الآلاف من السوريين. وتغيير ديمغرافي في حلب وسائر المحافظات السورية التي تدور فيها رحى الحرب.
وكان سليماني المسؤول قبل أشهر قليلة عن اغتيال مئات المدنيين العراقيين خلال الثورة العراقية الأخيرة، فبأوامره تم قصفهم من طرف قوات الأمن العراقية.
فلا يمكن لمن كابد هذه المجازر وعانى من هذه المآسي أن يتضامن مع الجلاد أو ينسى ظلمه واعتداءه، صحيح أن لكل من أمريكا وإيران مخططات في الخليج والشام وغيرها من الدول الإسلامية الأخرى، لكن السؤال: أين هي الدول السنية؟ وما هي مخططاتها لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد تواجدها وشعوبها؟
فحال هذه الدول اليوم هو الخلاف والتناحر والتدابر، ونصب العداء للمصلحين داخل أوطانهم وخارجها، مقابل التمكين للسفهاء والمفسدين، وفسح المجال واسعا أمامهم ليزوروا الحقائق، ويدنسوا المقدس، ويغرقوا الناس في الملذات والشهوات والشبهات.
فإيران دولة دينية، يحكمها الملالي، لها مخطط توسعي، تسعى لمحو السنة وتصدير الثورة، والتمكين لعقيدتها وأيديولوجيتها، بخلاف الدول ذات الأصول السنية، فهي متشتتة ضالعة في حرب بعضها بعضًا.
إن السياسة للأسف لا تعترف إلا بالقوة المادية، وتجعل الصادقين في موقف شديد الالتباس، فإذا أشاد الزعماء والصادقون بمقتل سليماني بالطريقة الأمريكية فهذا فيه تزكية للهيمنة الأمريكية وإقرار بأن لها الحق في أن تقتل من تشاء، وإن هم دافعوا عن سليماني واعتبروا قتله ظلما وعتوا، كان في ذلك إقرار بجرائمه وفظاعاته التي ارتكبها في البلدان السنية، وبهذا يزكون المشروع الصفوي المهدد للشعوب السنية وعقيدتها ووجودها.
لهذا كان على العقلاء أن يتريثوا في اتخاذ المواقف من الأحداث السياسية التي تخضع في النهاية للمصالح الاستراتيجية والمادية للفاعلين الكبار المؤثرين في حالتي السلم والحرب.
لكن مع كل هذا لا يمكن لمقتل سليماني بالسلاح الأمريكي، أن يشفع له في محو سجله الحافل بالإجرام والقتل والتواطئ مع المصالح الأمريكية، هذا التواطؤ غدا واضحا خصوصا بعد الرد الإيراني الباعث على الاستهزاء والذي أظهر أن الشراكة الاستراتيجية بين طهران وواشنطن تعلو على كل الاعتبارات.
{… وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} . (10) الحشر.