قرآن برغواطة: كذبٌ لا حقيقة (2)

قرآن برغواطة: كذبٌ لا حقيقة (2)
هوية بريس – د. محمد أبوالفتح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛ فقد تقدّم معنا في المقال السابق أنّ المسمّى (عبد الخالق كلاب) وضيفَه (محمد الْمْسيّح) قد استعملا أساليب ماكرة في تضليل المشاهدين، وصدِّهم عن سبيل الله، وقد ذكرت منها أسلوبين في المقال السابق وهما:
1-أُسْلُوبُ التَّهْوِيلِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْإِطْرَاءِ الْمُتَبَادَلِ:
2-التَّظَاهُرُ بِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْوَثِيقَةِ وَالْبَاحِثُونَ عَنِ الْحَقِيقَةِ:
وسأتطرّق في هذا المقال إلى أساليب أخرى لا تقلّ مكرا ودهاء عن سابقيها، فأقول مُسْتَمِدًّا من الله العَوْنَ والْمَدَد:
3-التَّظَاهُرُ بِالْمُحَافَظَةِ وَالتَّدَيُّنِ لِخِدَاعِ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَمَسِّكِينَ بِدِينِهِمْ:
يظهر هذا الأسلوب الماكر جليّا في صنيع (كلاب) حين ذكر للمشاهدين أنّه التقى ب (الْمْسيّح) فأهداه كتابه “مخطوطات القرآن”، وذلك في لقاء جمعهما مع (أحمد عصيد) و(رشيد أيلال)، فزعم (كلاب) أنه توجس من هذا الكتاب خِيفَةً؛ نظرا لِتَدَيُّنِه، وذلك حتّى يُغَرِّر بالمسلمين المحافظين والمحبّين لدينهم، فهو يريد أن يقولَ لهم: “أنا واحد منكم” ليطمئنوا إليه، ثم يَسُوقَهُم بعد ذلك إلى ما يريد…
وهذا الأسلوب الماكر حكاه الله تعالى عن اليهود في قوله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنَ اَهْلِ اِ۬لْكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِالذِےٓ أُنزِلَ عَلَي اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَجْهَ اَ۬لنَّه۪ارِ وَاكْفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: 71]
-قال (كلاب) مُقَدِّماً فَاصِلاَ إشهاريا لكتابِ ضَيْفِه (د29: 45): “… فَاشْ خْدِيتْ هَادْ الْكْتَابْ دِيَالْ “مَخْطُوطَاتُ الْقُرْآنِ”، أَنَا تْوَجَّسْتْ، أُو خْفْتْ، عَرَفْتِي عَلَاشْ؟ أَنَا وَاحْدْ الْإِنْسَانِ مُتَدَيّن، أُوخْفْتْ، تَانْكُولْ: هَادْ السِّي الْمْسيّح آشْ غَادِي يْكُونْ كَايْلْ هْنَا. لَا مَا نَقْرَاشْ. وَانَا نْكُولْ: أَنَا رَاهْ بَاحِثْ، خَاصْنِي نَقْرَا، خَاصْنِي نَبْحَثْ عَنِ الْحَقِيقَة”.
-قلت : أمَّا علامات التديّن فهي ظاهرة عليك من خلال عصابة الأولياء والصالحين الذين كنت مجتمعا معهم في هذا اللقاء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ » ، وفي رواية: « مَنْ يُخَالِطُ » (رواه أحمد 8028 وغيره)، ورضي الله عن عبد الله بن مسعود إذ قال: “اعْتَبِرُوا النَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ ، فَإِنَّ الْمَرْءَ لَا يُخَادِنُ إِلَّا مَنْ يُعْجِبُهُ” (الإبانة لابن بطة 2/439).
وقد ضرب (كلاب) في كلامه السابق ثلاثةَ عصافيرَ بحجر واحد:
-اَلتَّبَرُّعُ بإشهار مجاني لكتاب صاحبه، والمبالغة في إطرائه، ووصفه بالموضوعية.
-تَقَمُّصُ شخصيةِِ المتديّن الخائف على دينه، على طريقة الثعلب الذي خرج يوما في لباس الخاشعين…
-دَعْوَةُ المشاهدين إلى سماع شُبُهاتهم واستقبالها بصدور رحبة.
وهذا العصفور الأخير هو الأسلوب الرابع من أساليب القوم في التلبيس على الخلق.
4-التَّظَاهُرُ بِالْبَحْثِ عَنِ الْحَقِيقَةِ وَدَعْوَةُ الْمُشَاهِدِينَ إِلَى سَمَاعِ شُبُهَاتِهِمْ:
وهذا ظاهر في قول كلاب السابق: “وَانَا نْكُولْ: أَنَا رَاهْ بَاحِثْ، خَاصْنِي نَقْرَا، خَاصْنِي نَبْحَثْ عَنِ الْحَقِيقَة”.
وقبل ذلك بقليل قال [ د 28: 50]: “…لِأَنَّ النَّاسْ خَصّْهُمْ غِير مَا يْكُونْشْ عْنْدْهُمْ هَدَاكْ الرَّفْضْ، اللِّي هُوَ غَيْرْ مُبَّررْ، نَتْصَنَّتْ، لِّي تَوَافْقَاتْ مَعَ الْقَنَاعَاتْ دْيَالِي مْزْيَانِ. وَلَّا حَرْكَاتْ فِيَّ شِي حَاجَة؛ نْقُول: عْلَاشْ تْحَرْكَاتْ فِيَّ شِي حَاجَة ، مَعْنَاهْ كَايْنَة شِي حَاجَة، أومَا بَايْنَاشْ عْنْدِي .خَاصّْنِي نْعَاوُدْ فِيهَا النَّظَرْ”.
*قلت: هذه دعوة ظاهرة إلى استقبال شبهات الطاعنين في ثوابت الأمة، الذين يتتبعون المتشابه ليفتنوا به عوام المسلمين، وقد ذكر الله تعالى هذا النوع من البشر في قوله تعالى:
﴿هُوَ اَ۬لذِےٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ اَ۬لْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٞ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ اُ۬لْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا اَ۬لذِينَ فِے قُلُوبِهِمْ زَيْغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ اُ۪بْتِغَآءَ اَ۬لْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَاوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُۥٓ إِلَّا اَ۬للَّهُۖ وَالرَّٰسِخُونَ فِے اِ۬لْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنْ عِندِ رَبِّنَاۖ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ اُ۬لَالْبَٰبِۖ﴾ [آل عمران: 7] .
وقد حَذَّرَنَا منهم نبيُّنا صلى الله عليه وسلم فقال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ؛ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ، فَاحْذَرُوهُمْ» (البخاري 4273، ومسلم 2665).
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ (أي: فَلْيَبْتِعِدْ) عَنْهُ [ثَلَاثاً] ، فَوَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ» (رواه أحمد 19968وأبو داود 4319).
-قلت: في هذا الحديث تحذير للمسلم من التعرض للشبهات، ومن الثقة الزائدة بالنفس. وما يقال في الدجال الأكبر يقال في الدجاجلة الصغار؛ ولهذا كان السلف الصالح ينهون عن سماع كلام أهل البدع، وعن التعرُّض للشُّبهات، ويقولون: “القُلُوْبُ ضَعِيْفَةٌ، وَالشُّبَهُ خَطَّافَةٌ” (سير أعلام النبلاء 6/641).
بينما (كلاب) -المتديّن بزعمه- يدعو المسلمين إلى سماع شبهات الملحدين، مع علمه بقصور أكثر الناس عن الإجابة عليها، لِيُفْسِدَ عليهم دينهم، ويُزَعْزِعَ عقيدتَهم، وَأَمْنَهُم الرُّوحي، وهو ما عبر عنه بقوله : “…إلا حَرْكَاتْ فِيَّ شِي حَاجَة (يعني الشبهات)؛ نْقُول عْلَاشْ تْحَرْكَاتْ فِيَّ شِي حَاجَة. مَعْنَاهْ: كَايْنَة شِي حَاجَة وَمَا بَايْنَاشْ عْنْدِي . خَاصّْنِي نْعَاوُدْ فِيهَا النَّظَرْ”. فهو يدعو المسلمين بكل وقاحة إلى إعادة النظر في إيمانهم وعقيدتهم.
5-التَّظَاهُرُ بِالتَّمَكُّنِ فِي الْعِلْمِ، وإِبْهَارُ الْمُشَاهِدِينَ بِأَسْمَاءٍ وَمُصْطَلَحَاتٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ:
ومن ذلك: ذِكْرُ (المْسيّح) لِلْقِدِّيسِ جِينَادْيُوسْ المَاسِيلِي (ق 5)، الذي تهجّى اسمه بصعوبة (ذكره بالياء بدل الجيم)، وادعى بكلام لا يكاد يُبِينُ (د 11: 40)، أنه أول من جاء ب”هذه القرائن الموجودة”، ولا أحد يدري ماذا يعني (المْسيّح) “بهذه القرائن الموجودة”؟ وإلى أي شيء من كلامه السّابق يشير اسم الإشارة “هذه”؟! وأين توجد هذه “الموجودة”؟
حتى ضيفُه (كلاب) ظهر في لقطة بعد ذلك ينظر إليه نَظَرَ الذي لم يفهم شيئا… وذلك لأنّه يسأله عن قرآن صالح بن طريف، الذي يزعم أنه كان شائعا في القرن الخامس الهجري، و(المْسيّح) يكلّمه عن القرن الخامس الميلادي، وعن “القرائن التي كانت موجودة”…
ثم قفز (المْسيّح) للكلام عن الكتاب المقدّس عند النصارى وما يتضمنّه…
ثم انتقل [د13: 55] للكلام عن “هذه القرائن” التي كانت تسمى باللغة اليونانية “ليكسيناريوس”، فلم يصبر مُضِيفُه حتى سأله فَاغِراً فَاهُ: “لِّي هِيَ؟” ، فكان الجواب: “معناه الكتاب اللّيترجي للصلوات” (يعني: الكتب الطقسية التي تحتوي على النصوص والترتيبات اللازمة لإقامة الصلوات والقداسات الكنسية)…. ثم ذكر أن هذا النوع من كتب الصلوات ظهر بلغات مختلفة، وترجم له كلمة “ليكسيناريوس” إلى اللغة اللاتينية، واللغة السريانية، والحبشية ليُمعن في إبهار المشاهد…
ولست أدري ما علاقة كتب الصّلوات والقدّاسات عند النّصارى بموضوع قرآن برغواطة؟!… فلعلها معلومات حَضَّرَهَا (الْمْسيّح) ليقولها فحشرها في أثناء الكلام بغير مناسبة، على طريقة “الطائرة التي سقطت في الحديقة”.
-والمقصود عندي هنا: أنه حين يتكلم هذا المتخصص المزعوم بمصطلحات وكلام كالألغاز؛ فإنّه يوهم غير المتخصص أنّه راسخ في علمه، لدرجة جعلته لا يفهم ما يتفوه به، فلا يملك إذ لم يفهم كلامه إلا أن يُسَلِّمَ له ويُذْعِن له، كما لو شرح طبيب للمريض مرضه بلغة عِلْمِيَّةٍ لا يفهمها، لا يملك بعد ذلك إلا أن يسلّم له النتيجة، ويتابعه على ما يتخذه من قرار، ويصفه من علاج…
6-التَّظَاهُرُ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ اللُّغَاتِ الْقَدِيمَةِ كَالْعِبْرِيَّةِ وَالآرَامِيَّةِ:
أَعْتَرِفُ أنني لا أمتلك الأدوات لانتقاد معرفة (المْسيّح) باللغات الأعجمية القديمة، ولكنْ خوضُه في اللغة العربية، وكلامُه مثلا عن أصل كلمة “القرآن” يدلّ على مستواه المتدنّي جدّا في التّعبير باللّسان العربي، وعلى جهل مُرَكَّبٍ فَظِيعٍ باللغة العربية، إلى درجة تجعل المشهد هزليّا عند أهل الاختصاص… فالرّجل لا يفرّق بين “اسم المصدر” وبين “الصفة المشبهة”، ولا يفرّق بين وزن فَعلان (بفتح الفاء) في “الصفة المشبهة” الذي يدل على “الامتلاء”، مثل: غَضبان وفَرحان، وبين وزن فُعلان (بضم الفاء) في “أسماء المصادر “والذي يدل على “كثرة المعنى”، مثل: غُفران، وقُرْآن… بل جاء بما لم يأت به الأوائل فزعم أنّ كلمة قرآن مجزأة إلى كلمتين هما: “قْرَا” و”آن”، وما علم أن الألف والنون مزيدتان عن أصل الكلمة، فزعم أن (آن) تكون إما صفة في حال التنكير (قرآن)، أو تحقيق في حال التعريف (القرآن)!!!
قال (المْسيّح) [ د24: 54] : “كَلِمَةْ قُرْآنْ بْرَاسْهَا مُجَزَّءَةٌ لْجُوجْ دْيَالْ الْكَلْمَاتْ، أَوْ جُوجْ دْيَالْ الطّْرَافْ: “قُرْ”، أو “قْرَا” (هكذا بالدارجة)، أو: ” آن”. “قْرَا” فْ اللُّغَة الآرَامِيَة، وَلَّا فْ الْعِبْرِيَة، مَعْنَاهَا “تَعَلَّمْ”… أُو “آن” كَتْكُونْ يَا إِمَّا صِفَة أَوْ تَحْقِيقْ. لَمَّا مَاكَايْكُونْشْ عْنْدْنَا التَّعْرِيفْ. مَا كَايْكُونْشْ الْأَلِفْ وَاللَّام كَيْكُونْ صِفَة. كَنْقُولُو: فَرْحَانْ، عَطْشَانْ، سَكْرَانْ، قُرْآنْ رَحْمَانْ إِلَى آخِرِه. هَادِي كَتْكُونْ صِفَة … أَمَّا ملِّي كَتْكُونْ بِالأَلِفْ وَاللَّامْ كَتْكُونْ لِلتَّحْقِيقْ ملِّي كَانْقُولُو الحَيَوَانْ… “، إلى آخر ما تَفَوَّهَ به من الهذيان، والخبط، والخلط… فلا لغة سليمة، ولا أسلوب علمي، ولا معلومات صحيحة…
وإذا كانت هذه هي بضاعة الرجل في اللغة العربية التي يتكلم بها، فما بالكم بغيرها؟! فَلْيُقَسْ الغائبُ على الشاهد، وَلْيُسْتَدَلّ بما عُلِمَ على ما لم يُعْلَم… وحفظه لبعض المصطلحات باللغات القديمة لا يدل على تمكنه منها.
7-اَلتَّظَاهُرُ بِالتَّمَكُّنِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ:
يتجاسر (الْمْسيّح) على القرآن، ويتقمّص شخصيّة المفسّر دون حياء…
فزعم [ د15: 40] في قوله تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ اَ۬لْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: 1]: أنّ “الكتاب” الذي أشير إليه باسم إشارة البعيد “ذلك”، تُقْصد به الكتب المقدّسة والتي على رأسها التوراة والإنجيل. وهذا ما لا أعلم قائلا به من الإنس والجن.
وقال في موطن آخر [ د36 فما بعدها] أنّ “الكتاب” هنا هو كتاب خرجت منه جميع الكتب المقدسة. وأنّ جميعها – ومنها قرآن برغواطة بزعمه- خرجت من مشكاة واحدة…
وأمّا عند علماء التّفسير فالكتاب هنا هو القرآن بالإجماع. وأشير إليه بالبعيد للدلالة على علو منزلته، وإظهار رفعة شأنه (التحرير والتنوير 1/220).
ومن جرأة الرجل على القرآن استدلاله [ د36: 29 ] بقوله تعالى ﴿وَمَا كَانَ هَٰذَا اَ۬لْقُرْءَانُ أَنْ يُّفْتَر۪يٰ مِن دُونِ اِ۬للَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ اَ۬لذِے بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [يونس: 37]، ليوهم المشاهد أن “بين يديه” تعني كتابا بعد القرآن، فالقرآن على هذا مصدّق للكتب التي ستأتي بعده، والتي منها بزعمه قرآن برغواطة… ولست أدري كيف يمكن أن يخرج الحق والباطل من مشكاة واحدة؟!
وأما عند العلماء ف”بين يديه” تعني قبله، أي: تقدّمت بين يديه وسبقته، كما قال تعالى في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام : ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَي اَ۪بْنُ مَرْيَمَ يَٰبَنِےٓ إِسْرَآءِيلَ إِنِّے رَسُولُ اُ۬للَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاٗ لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ اَ۬لتَّوْر۪يٰةِ ﴾ [الصف: 6] . أي: أنّ عيسى r جاء مصدقا لما أُنزل قبله من التوراة على موسى r.
وكذلك زعم (المْسيّح) [ د54 ] أنّ يوم الجمعة في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِنْ يَّوْمِ اِ۬لْجُمُعَةِ﴾ [الجمعة: 9] هو يوم الاجتماع، وليس يوم الجمعة المعروف، ولهذا كان البرغواطيون يصلون الجمعة يوم الخميس؛ لأنهم أدركوا هذه الحقيقة بزعمه.
فهل رأيتم صفاقة وجه وجرأة على القرآن مثل هذه؟!
وصدق ربّنا تعالى إذ قال: ﴿وَمِنَ اَ۬لنَّاسِ مَنْ يُّجَٰدِلُ فِے اِ۬للَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٖ وَلَا هُديٗ وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ﴾ [الحج: 8].



