قرآن برغواطة: كذبٌ لا حقيقة (3)

09 ديسمبر 2025 21:27

قرآن برغواطة: كذبٌ لا حقيقة (3)

هوية بريس – د. محمد أبوالفتح

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فقد تقدّم معنا في المقالين السابقين ذكرُ سبعةٍ من أساليب القوم في تضليل الخلق، وهي:

1-أُسْلُوبُ التَّهْوِيلِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْإِطْرَاءِ الْمُتَبَادَلِ.

2-التَّظَاهُرُ بِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْوَثِيقَةِ وَالْبَاحِثُونَ عَنِ الْحَقِيقَةِ.

3-التَّظَاهُرُ بِالْمُحَافَظَةِ وَالتَّدَيُّنِ لِخِدَاعِ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَمَسِّكِينَ بِدِينِهِمْ.

4-التَّظَاهُرُ بِالْبَحْثِ عَنِ الْحَقِيقَةِ وَدَعْوَةُ الْمُشَاهِدِينَ إِلَى سَمَاعِ شُبُهَاتِهِمْ.

5-التَّظَاهُرُ بِالتَّمَكُّنِ فِي الْعِلْمِ، وإِبْهَارُ الْمُشَاهِدِينَ بِأَسْمَاءٍ وَمُصْطَلَحَاتٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ.

6-التَّظَاهُرُ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ اللُّغَاتِ الْقَدِيمَةِ كَالْعِبْرِيَّةِ وَالآرَامِيَّةِ.

7-اَلتَّظَاهُرُ بِالتَّمَكُّنِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ.

ونواصل في هذا المقال ذكر سلسلة الأساليب الماكرة، ليكون منها المسلمون على بصيرة، فأقول معتمدا على الله ومتوكّلا عليه:

8-اِسْتِعْمَالُ مُغَالَطَةِ رَجُلِ الْقَشِّ (تشويه كلام الخصم وإبطاله عن طريق تحويل محل النزاع):

وذلك أنّهما أوهما المشاهدين أنّ محلّ النّزاع هو إرسال الله تعالى رسلا إلى أقوامهم بألسنتهم، فاستدل (الْمْسيّح) لذلك بقوله تعالى : ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ اِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُم﴾.

بينما محلّ النّزاع هو: هل كلّ من ادّعى النّبوّة نبيّ صادق؟ أم هناك أنبياء وهناك أدعياء؟

وهل كل من ادّعى النّبوّة يُسلَّم له بذلك أم لا بد من النظر في حاله ، وفي مضمون ما جاء به؟

ومما يفضح كذب هذا المتنبّي المسمى بصالح بن طريف أنّه يدّعي الإيمان بالنبيّ r وأنّه r صادق في دعوته ونبوته، غير أنّه يزعم أنّه نبيّ العرب خاصة، بينما هو نبيّ الأمازيغ، وصالح المومنين المذكور في القرآن، فإذا كان محمد r نبيا صادقا -وهو كذلك يقينا- فإنه قد جاء فيما أنزل عليه: ﴿قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ إِنِّے رَسُولُ اُ۬للَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ﴾ [الأعراف: 158]، ومما أنزل عليه أيضا: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيراٗ وَنَذِيراٗ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28]. فدلّ ذلك على أن رسالة النبي r رسالة عالمية، وليست رسالة خاصة بالعرب كما زعم صالح بن طريف.

وجاء فيما أنزل عليه:﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ اَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اَ۬للَّهِ وَخَاتِمَ اَ۬لنَّبِيٓـِٕۧنَۖ﴾ [الأحزاب: 40] .وصح عنه أنه قال : «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ ‌لَا ‌نَبِيَّ ‌بَعْدِي» [ البخاري 3455، ومسلم 1842] . فدل ذلك على أن رسالة النبي r رسالة خاتمة، وأنه لا نبي بعد محمد r بينما يزعم صالح بن طريف أن الله بعثه نبيا بعد محمد r.

وصح عن النبي r  أنه قال :« لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ ‌دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ.» [البخاري 3609 ومسلم 157]. فدل ذلك على أن صالح بن طريف واحد من هؤلاء الدجاجلة الذين ادعوا الرسالة بعده r .

فإذا كان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم صادقا -وهو كذلك يقينا- فصالح بن طريف كاذب يقينا، وما هو إلى حلقة من حلقات المدّعين للنّبوّة الذين يُلَبّسون على طائفة من الناس في زمانهم، ثم سرعان أن يندثروا وينقرضوا حتى لا يبقى لهم ذكر ولا أثر… كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسيّ، وسجاح التميمية… أين هم اليوم؟ … وأين أتباعهم؟ ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنَ اَحَدٍ اَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاٗ﴾ [مريم: 99]؟ وهذا شأن الكذب والباطل سرعان ما يكشفه التاريخ، فيزهق، وتطفو الحقيقة إلى السطح: ﴿وَقُلْ جَآءَ اَ۬لْحَقُّ وَزَهَقَ اَ۬لْبَٰطِلُۖ إِنَّ اَ۬لْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقاٗ﴾ [الإسراء: 81].

والذي يظهر من صنيع (كلاب) و(الْمْسيّح) أنّ باب ادعاء النبوة عندهما مفتوح على مصراعيه، وهو عندهما حقٌّ متاحٌ للجميع، ويظهر أنّهما مستعدّان للتّظاهر بتصديق كل مدّع للنّبوّة، ولو كان مجهولا، ودليل ذلك ما يلي:

-قال (كلاب) [ د39: 15] مُبَشِّراً صاحبه بوجود قرآن جديد ونبيّ جديد لم يسمع به من قبل: “كَايْنَ وَاحْدْ الْقُرْآنْ وَاحْدْ آخَرْ؛ لِأَنَّ رَاهْ مَا كَايْنْشْ هِي صَالِحْ بْنُ طَرِيفْ هُو لِّي نَبِي، كَانْتْ وَاحْدْ النُّبُوَّة وَحْدَة خْرَى دِيَالْ وَاحْدْ سْمِيتُو حَامِيمْ الْغْمَارِي”

-قَالَ (الْمسيّح) متسائلا: آهْ مْنْ الْمَغْرِبْ كَذَلِكْ؟

-قال (كلاب): تَّا هُوَ مِنْ الْمَغْرِبْ … مِنْ الرِّيفْ.

-قال (الْمْسيّح) فرحاً مستبشرا بهذا النبيّ الذي فاجأه به صاحبه : “تْفَضَّل”

-قال (كلاب): ” أُو هَدَا كَانْ فْ 315- 319 ه عَلَى وَجْهْ التَّقْرِيبْ هَدَا كَانْ تَنَبَّأْ فْ مِنْطَقَة نْتَاعْ الرِّيفْ … وَالْمَصَادِرْ تَاتْكَلَّمْ عْلَى حَتَّى هُوَ كَانْ عْنْدُو قُرْآنْ، وَحْتَّى هُوَ كَانْتْ عْنْدُو شَرِيعَة”.

-ثم نقل من كتاب “الاستبصار” لمؤلفه المجهول خبر هذا النبي المزعوم، الذي قال فيه المؤلف أنه: “ﻟُﻘِّﺐَ ﺑﺎﻟْﻤُﻔْﺘَﺮِي“.

-فعلق (كلاب): “هَادْ شِي الْأَحْكَامْ تْالْقِيمَة…

-وَوافقه (الْمسيّح) قائلا : الْأَحْكَامْ لِّي جَاتْ مْنْ بَعْدْ…”

-ثم واصل (كلاب) القراءة: ” وَأَﺟﺎَﺑَﻪُ ﺑﺸﺮٌ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ غمارة ، وأﻗَرّوا ﺑﻨﺒﻮّﺗﻪ، ووضع ﻟﻬﻢ ﻗرآﻧﺎ، ﺑﻞ ﺷﺮﻳﻌﺔ، اﺳﺘﻬﻮاﻫﻢ ﺑﺮﺧﺼﻬﺎ“.

-قال (كلاب) مستنكرا عبارة المؤلف الأخيرة (اﺳﺘﻬﻮاﻫﻢ ﺑﺮﺧﺼﻬﺎ) : ” هكذا”.

-قلت: فقبلا من المؤلف المجهول خبر نبي مجهول اسمه حاميم، ولم يقبلا منه تكذيبه له ووصفه بالمفتري.

-ثم قال (الْمسيّح) بعد تلقّيه بشارة النبيّ الجديد وقرآنه الجديد: “إذاً الْمَسْأَلَة كَانَتْ شَائِعَة، مَاشِي بْحَال لِّي النَّاسْ كَاتْفْكَّرْ بِأنَّ لَّا مَا كَايْنْشْ، كَايْنَ قُرْآنْ وَاحْدْ هُوَ لِّي تَانْعَارْفُوهْ صَافِي، هَادْ الْقُرْآنْ رَاهْ وَاحْدْ مْنْ مَجْمُوعَة كَثِيييرَة “.

-قلت: ظهر جليًّا أنً (الْمْسيّح) وصاحبَه يُسَوِّيان بين القرآن المنزل من عند الله، وبين (القرآنات) المكذوبة على الله، وهدفهما بذلك ليس أن يؤمن الناس بصالح البرغواطي ولا بحاميم الغماري، ولا ب(القرآنات) المكذوبة التي جاءا بها، وإنما هدفهما الحقيقي: أن يَكْفُرَ النّاس بمحمد r وبالقرآن الحقّ الذي جاء به، من خلال التسوية بين الجميع من خلال دعوى: “ظاهرة القرآنات” المزعومة، وذلك من غير تصريح بالدعوة إلى الكفر الصريح بالقرآن وبمن جاء به، نظرا لحساسية الأمر عند المغاربة المسلمين.  فعليهما من الله ما يستحقان.

  1. اِسْتِعْمَالُ مُغَالَطَةِ الثُّنَائِيَّةِ الْكَاذِبَةِ (حيث يقدم للمخاطب خياران وكأنهما الوحيدان المتاحان مع تجاهل الخيارات الأخرى).

ومن ذلك أنّ الثُّنائي المحتال (كلاب /الْمسيّح) أوهما المشاهدين أنّ محلّ النّزاع هو:  هل قرآن برغواطة قرآن صحيح مستقلّ، أو هو ترجمة للقرآن؟ فحصرا المشاهد في خيارين اثنين لا ثالث لهما، وأغفلا الخيار الثالث الصحيح: “أن قرآن برغواطة كتاب مكذوب على الله”، لم يذكرا هذا الخيار حتى على وجه الاحتمال، فأين هي المصداقية؟ وأين هي الموضوعية المزعومة؟

-قال (كلاب) في بداية الحلقة طارحا السؤال على ضيفه [ د7] : ( هَلْ بُرْغْوَاطَة فِعْلًا كَانَ عْنْدْهَا قُرْآنْ خَاصّ، مَعْنَاهْ أَنَّ عْنْدْهَا نَبِيّ وَضَعَ قُرْآنْ بْالتَّعَالِيمْ أَمْ إِنَّّ الْأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ الْمَعْرُوفْ وَالتَّرْجَمَة دْيَالُو؟)

-قلت: هكذا فليكن البحث العلمي! وهكذا فلتكن الشفافية والموضوعية!

 

  1. اِسْتِعْمَالُ مُغَالَطَةِ “تَجَاهُل الْمَطْلُوبِ” ( ومعناها: الحيدة عن المطلوب والبرهنة على شيء آخر) :

ومن ذلك زعم (المسيّح) أنّ قرآن برغواطة قد أجاب عن تحدّي القرآن حين جاء ب(80) سورة، بينما المطلوب ليس هو أن يأتي بسورة أو عشر سور، إنما المطلوب أن يأتي بسورة “مثله”،  فلا يكفي أن يأتي صالح بن طريف ب (80) سورة بل لا بد من مقارنة ما جاء به مع القرآن، والنظر فيه ليُعلم هل هو مثله أم لا، وكيف للمسيّح أن يفعل ذلك والقرآن المزعوم مفقود أصلا؟ وكيف استطاع هو وصاحبه مرة أخرى أن يتجاوزا مرحلة ادعاء احتواء هذا القرآن المزعوم على علم عظيم، إلى مرحلة كون سُوَرِه مثل سور القرآن، وأنه قد حصل بها الإجابة عن تحدّي القرآن؟!!

-قال (الْمْسيّح) [ د24: 34] : “… لِأَنَّ كَايْنْ تَحَدِّي تَيْقُولْ لِكْ فَاتُو بِمِثْلِهِ، فَاتُو وَلَوْ  بِسُورَه، هَدَا رَاهْ جَابْ لِكْ 80  سُورَه…”

  1. اِسْتِعْمَالُ مُغَالَطَةِ الِاشْتِرَاك(اِسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ نَفْسَهُ فِي سِيَاقِ وَاحِدٍ بِمَعْنِيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَوْ لَبْسُ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ لِوُجُودِ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا) :

من المعلوم أنّ أهل الباطل لا يتمكّنون من ترويج باطلهم إلا متستّرين ببعض الحقّ الذي يخدعون به ضعاف العقول، أو مُلَبِّسِين بالتّشابه الظاهريّ الذي قد يوجد أحيانا بين الحقّ والباطل، تماما كما فعل فرعون حين جاءه موسى بالآيات، قال: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٞ ﴾ [الشعراء: 33]، فالقدر المشترك هنا هو خرق العادة، فالآيات التي جاء بها موسى r خارقة للعادة، وكذلك السّحر هو أمر خارق للعادة، وموسى r جاء بِعِصاً تحولّت إلى حيّة، والسّحرة جاؤوا كذلك بعِصِيٍّ تحوّلت إلى حيّات ظاهراً، ولكنّ الفرق الذي لا يظهر للعوام هو أنّ عصى موسى r تحوّلت حقيقة إلى حيّة، بينما السّحرة سحروا أعين الناس وجعلوهم يرون العِصِيَّ حيّات،  فالصورة في الظاهر واحدة، مما جعل موسى r نفسه يتوجّس خيفة، فأوحى الله إليه أن يلقي عصاه، فإذا هي تُبطل سحرهم وتتلقّف عِصِيَّهم،  ﴿فَأُلْقِيَ اَ۬لسَّحَرَةُ سُجَّداٗ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوس۪يٰۖ﴾ [طه: 69]، من غير تأخّر ولا تشاور بينهم، وذلك لأنّهم أهل الميدان وأصحاب الاختصاص، ويُدركون الفرق جيدا بين ما جاؤوا به وبين ما جاء به موسى r…

وإذا عدنا إلى الثنائي: (كلاب) و(المسيّح)، فقد حاولا جاهدين أن يفعلا ما فعله فرعون،  ولبّسا على المشاهدين بالقدر المشترك بين النَّبِيِّ وَالدَّعِيِّ، والذي هو:  ادعاء النبوة، فالنّبيّ الصّادق:   يقول للنّاس: “إنّي رسول الله إليكم” ، والدَّعيُّ الكاذب يقول للنَّاس: “إنّي رسول الله إليكم”، والنّبيّ الصّادق جاء بقرآن، والدّعِيّ الكاذب جاء بقرآن، والنّبيّ الصّادق جاء بشريعة، والدّعيّ الكاذب جاء بشريعة،   والنّبي الصادق جاء بأمور خارقة للعادة (المعجزات)، والدَّعيّ الكاذب جاء بأمور خارقة للعادة (السحر والتنجيم)، كما زعم كلاب أن صالح بن طريف جاء بمعجزات اعتبرها خصومه من المؤرّخين من علم النجوم،   وذلك بزعمه كما اتُّهم النّبيّ  صلى الله عليه وسلم بالشّعر والجنون … والسّحر (زيادة من الْمسيّح تأكيدا لكلام كلاب).

فأوهما النّاس أنّ النّبيّ محمّدا صلى الله عليه وسلم من جنس الأدعياء الذين ظهروا بعده، مثل: صالح بن طريف البرغواطي، وحاميم الغماري ومثل مسيلمة الكذاب الحنفي… فَلَبَسُوا الحقّ بالباطل، وسوَّوْا بين الصّادق والكاذب…

وأوهم (الْمْسيّح) النّاس أنّ القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، من جنس كتب الصلوات التي كتبها قساوسة النّصارى لأداء طقوسهم وصلواتهم، وأنّه من جنس الكتب التي جاء بها مدّعو النّبوّة كمسيلمة الكذاب وغيره،  فكتاب مسيلمة الكذّاب والقرآن الكريم عند المسيّح من بَابَةٍ واحدة، فكلاهما يدخل عنده في ظاهرة (القرآنات) التي ظهرت بين القرن 5 والقرن 10 الميلادي .

ويدل على ذلك قوله [د14 : 25 ] :  “…. مِن الْقَرْنْ الْخَامِسْ مِيلَادِي إِلَى الْقَرْنْ الْعَاشْرْ مِيلَادِي أُوحْنَا عْنْدْنَا هَادْ الْقُرْآنَاتْ مَوْجُودِينْ…أُو حْتَّى فْ عَصْرْ الرَّسُولْ تَانْلْقَاوْ بِأَنَّ دِيكْ الشَّخْصِيَّة لِّي تَايْسْمِيوْهَا مُسَيْلِمَة الْكْذَّابْ كَانْ عْنْدُو قُرْآنْ، وَهَادَاكْ الْقُرْآنْ -بْطَبِيعَةْ الْحَالْ- بِمَا أَنَّهُ انْهَزْمْ وَقُتِلْ فْ حُرُوبْ الرِّدَّة بْالتَّالِي أَنَّهُ فْشْلْ أَنَّهُ تُوصَلْ هَادِيكْ الرِّسَالَة دْيَالُو…”.

ثم اتفقا جميعا على أن قرآن برغواطة لا يخرج عن هذا السياق…

-قلت: لما تكلّم (الْمْسيّح) عن القرآن جعله من جنس قرآن مسيلمة فأوهم أن قرآن كاذب، ولما تَكَلَّمَ عن قرآن برغواطة استدل له بقوله تعالى : ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ اِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُم﴾ [إبراهيم: 5] ، فأوهم أنه قرآن صادق أنزله الله على صالح بلسان قومه ليفهموا عنه !!! واستدل على صدقه بآية من القرآن الذي لا يؤمن به، ولا يصدّقه هو أصلا!! وإنما فعل (الْمْسيّح) كل ذلك مجاملة لمُضيفه (كلاب البرغواطي)، وإلا فإنّه لا يؤمن أن قرآن برغواطة من الله، ويعلم يقينا أنّه من اختراع صالح بن طريف،  بل إنّي أجزم أنّ (كلاب) أيضا يعلم أنّ قرآن برغواطة من صنع صالح بن طريف وليس كتابا منزّلا من عند الله، وذلك ما عَبَّرَ عنه بقوله في أول الحلقة طارحا السؤال على ضيفه [ د:7] : ( هَلْ بُرْغْوَاطَة فِعْلًا كَانَ عْنْدْهَا قُرْآنْ خَاصّ، مَعْنَاهْ أَنَّ عْنْدْهَا نَبِيّ وَضَعَ قُرْآنْ بْالتَّعَالِيمْ أَمْ إِنَّّ الْأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ الْمَعْرُوفْ وَالتَّرْجَمَة دْيَالُو؟)…

فكان جواب (المسيّح) بعد أن قرأ عليه صاحبه مقتطفات من قرآن صالح بن طريف [د : 11] : “هَادْ النَّصّْ مَا كَايْتُوجَدْشْ فْ النَّصّ الْقُرَآنِي، وَبِالتَّالِي هَداَ مْنْ عَنْدُو هُوَ“.

يعني: أن قرآن برغواطة من عند صالح بن طريف.

وفي آخر الحلقة قال (كلاب)  (د 56) : “…فْ سُورَةْ (غَرَائِبُ الدُّنْيَا) هُنَاكَ الْعِلْمُ الْعَظِيمُ عِنْدَهُمْ، مَعْنَى الْقُرْآنْ هُوَ كِتَابٌ فِيهِ عِلْم وَضَعَهُ صَالِحْ بْنُ طَرِيفْ).

-قلت: فهل نقول نحن المسلمين أنّ محمدا r وضع لنا قرآنا (كما عبّر المسيح عن قرآنه ونبيه) ؟! وهل نقول: أنّ القرآن الكريم من عند محمد r (كما عبّر المسيح عن قرآن برغواطة)؟!

ومما يؤكد أنّ (كلاب) لا يؤمن بنبوّة صالح بن طريف ولا بقرآنه؛ أنه لو كان يعتقده نبيا صادقا أرسله الله إلى الأمازيغ للزمه اتباع تعاليمه، مثل 10 صلوات، وصيام رجب أو شعبان بدل رمضان، وإباحة تعدد الزوجات بلا عدد… فهل حقاًّ يتّبع (كلاب) شيئا من شريعة صالح بن طريف ؟!  أم إنّه يريد فقط صدَّ المسلمين الأمازيغ وغيرهم  عن اتباع شريعة محمد r ؟

الجواب عن هذا السؤال نجده في آخر اللقاء، حيث صدرت من (كلاب) عبارة أخرى تدل على عدم إيمانه بصالح بن طريف ولا بقرآنه…

وهي قوله [ 1س: 05 د]  : “الإِشْكَاْل هُوَ مَا نْبْحْتُوشْ عَلَى هَادْ الْقُرْآنْ،  فَقَطْ بَاشْ نَعَارْفُو جْدُودْنَا كِيفَاشْ كَانُو تَايْفْكّرُو“.

-قال (الْمْسيّح) كعادته مع كل فكرة يطرحها صاحبه : بالضّبط.

-قلت: عليكما من الله ما تستحقان!  أكثر من ساعة كاملة من التدليس والتلبيس على العباد،  والطعن في ثوابت الأمة المغربية بالترويج لقرآن برغواطة ونبيّها المزعوم، وفي الختام يتبيّن أنّ الغرض من ترويجكما لهذا القرآن المزعوم ليس هو الإيمان به واتباعه، وإنما أن نعرف كيف كان أجدادكما يفكّرون؟!

قال الصّادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ ‌مِنْ ‌كَلَامِ ‌النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ.» [صحيح البخاري 3483 ].

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
12°
17°
الأربعاء
16°
الخميس
16°
الجمعة
19°
السبت

كاريكاتير

حديث الصورة