قراءة أولية في الخطاب الملكي أمام البرلمان
هوية بريس-أحمد نورالدين
في المراحل السابقة، كانت الخارجية المغربية تكتفي بمقاربة تدبيرية لملف الصحراء، وكانت في موقع دفاعي بحت يحاول صدّ العدوان الجزائري على سيادة المغرب، كما أنها كانت تتبنى نهجا مسالما مع العدو، الى درجة جعلت حتى بعض الدول الصديقة للمغرب تلوذ بالصمت في المحافل الدولية أو تتبنى موقفا محايدا، لأنها كانت تشعر انها اصبحت “ملكية أكثر من الملك”، كما أنها كانت تتلقى هجوما لاذعا من الجزائر إذا عبرت عن موقف مساند لمغربية الصحراء، بينما كان المغرب لا يعاتب اي دولة تتخذ مواقف معادية، بل الادهى والأمر، أن أصدقاء المغرب كانوا يقولون في الكواليس “لماذا نعادي الجزائر ونجلب لأنفسنا مشاكل بسبب الصحراء، إذا كان المعني الأول وهو المغرب يغازل الجزائر ويتبادل معها الود والعلاقات التجارية إلى درجة أصبح فيها المغرب اول زبون تجاري للجزائر في إفريقيا كلها سنة 2018 على سبيل المثال، وبحجم مبادلات ناهز مليار دولار؟..”.
هذا الوضع كان غير سليم ويلقي بالضبابية على القضية الوطنية، على الساحة العربية والافريقية والدولية بصفة عامة. ولم يكن ممكنا تحقيق تمايز في المواقف إذا لم يتخذ المغرب المبادرة ويتحلى بالحزم اللازم.
وقد بدأ التحول بالفعل شيئا فشيئا في الخطاب والممارسة، وتذكرون مثلا أن جلالة الملك في إحدى خطبه منذ عشر سنوات قال بأنه “لا يمكن الوصول إلى حل دون تحميل المسؤولية للجزائر ” وأظن ان ذلك الخطاب شكل منعطفا دبلوماسيا حقيقيا إلى أن وصلنا إلى خطاب 2022 الذي قال فيه بكل وضوح “ان ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب الى العالم” وأضاف أنه ينتظر من كل حلفائه توضيح مواقفهم، وأن المغرب لن يبرم اي شراكة مع من لا يعترف بسيادته على الصحراء.
هذا الحزم جعل كل أصدقاء المغرب يتنفسون الصعداء، لأنه حررهم من الضبابية وجعل باقي الدول أمام خيارين إما أن تختار معسكر المغرب الذي يمثل الشرعية التاريخية والقانونية والاثنية والثقافية والجغرافية، وإما أن يختاروا معسكر الجزائر الذي يمثل التآمر الاستعماري لتفتيت الدول، ويمثل العدوان وخيانة العهود والمواثيق ويفتح الطريق أمام بعبع الانفصال ليخرج من قمقمه في كل الدول الافريقية والعربية وحتى في مناطق أخرى من العالم.
وأظن أن هذا الوضوح سيساعد الأمم المتحدة نفسها على ترجيح كفة الشرعية التاريخية والقانونية على الكفة الاستعمارية التي خلقت المشكل من أساسه، أقول هذا الكلام لأننا حين نقرأ مذكرات جيمس بيكر، وهو مبعوث سابق إلى الصحراء، نجده يقول بأنه حين كان يستمع إلى المسؤولين المغاربة كان لا يفهم ما يريده المغرب تحديدا.. وهذا كلام خطير جدا من مسؤول أممي ووزير خارجية أمريكي سابق.
لذلك رأينا بعد تغير المقاربة نحو الفعل بدل رد الفعل ونحو الحزم في الموقف تغير الوضع بشكل جذري إلى أن وصلنا إلى اعتراف دولتين عضوين دائمين في مجلس الأمن، ثم اعتراف إسبانيا ولو على استحياء كما اوضحنا في مقالاتنا سابقا، وهو لا يقل أهمية عن اعتراف الدولتين السابقتين لأن مدريد تملك من الارشيف والحجج التاريخية والوثائق ما يجعل كل الدول الأوربية وعبر العالم تقر بمغربية الصحراء، لأنها ببساطة هي من تآمر مع فرنسا كقوتين استعماريتين على تقسيم أراضي المملكة المغربية إلى مناطق نفوذ أدت بعد ذلك إلى بروز قضية الصحراء إلى الوجود، قبل أن تستلم الجزائر مشعل العدوان والغدر والخيانة ضد من دعمها لنيل استقلالها.
وإذا كان هناك من تعليق أخير اضيفه، فهو أن من الحزم والاستباقية في الفترة القادمة وفي إطار التعبئة التي دعا إليها جلالة الملك في خطابه، علينا المبادرة إلى اتخاذ ثلاث خطوات حاسمة يجب الاشتغال عليها بالموازاة ودون تأخير:
1. طرد جمهورية ابن بطوش من الاتحاد الافريقي: فكل الحجج والأسانيد القانونية والتاريخية متوفرة، والظرفية الدولية ولسياسية أكثر من مناسبة.
2. إنهاء مهام المنورسو، لأن وظيفتيها الوحيدتين انتهتا ولم يعد لهما وجود، وأعني بهما مهمة تنظيم الاستفتاء، ومهمة مراقبة وقف إطلاق النار. الأولى أعلنت الأمم المتحدة على لسان الأمين العام الأسبق كوفي عنان في تقريره للعام 2004، عن وأدها بسبب استحالة تنظيم الاستفتاء. أما الثانية فقد قبرتها الجزائر وجبهتها الانفصالية منذ اعلانهما العودة إلى حمل السلاح والتحلل من اتفاق وقف إطلاق النار سنة 2020.
3. اتخاذ مبادرة مغربية داخل اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار، والقطع مع المقاربة الحالية والقديمة التي تكتفي بإدخال تعديلات على التوصية التي تقدمها الجزائر. وهذا عيب في حق المغرب وأي عيب. فهل سمعتم بدولة في العالم تتوافق مع مشروع يقدمه بلد يجاهر بأنه عدوها الاستراتيجي والكلاسيكي، ويسلح الميليشيات التي تهاجمها انطلاقا من اراضيه، وحوّل كل المنظمات الدولية إلى ساحات للحرب الدبلوماسية المفتوحة والمكشوفة ضدها.!؟ لا أظن أن هناك بلدا يرضى بهذا الوضع. لذلك من باب الانسجام مع الخطاب الملكي يجب على الخارجية أن تغير مقاربتها في اللجنة الرابعة، وتطرح مشروع توصية مغربي مضاد للمشروع الذي يرعاه البلد العدو. طبعا يجب الاعداد بشكل جيد للمعركة، وهذا حديث آخر يحيلنا على ما تحدث عنه الخطاب الملكي مما يقتضي تضافر جهود كل المؤسسات والهيئات الوطنية، الرسمية والحزبية والمدنية، وتعزيز التنسيق بينها..
(*) خبير في العلاقات الدولية ومتخصص في ملف الصحراء