قراءة في المجموعة القصصية «أحلامنا التي تزهر..» للأستاذة وصال تقة
هوية بريس – د. البشير عصام المراكشي
السبت 23 أبريل 2016
ما كنتُ أحسب أن الأحلام يمكن أن تكون بهذه الكآبة، في صراعها السيزيفي مع جحافل الآلام الزاحفة..
“أحلامنا التي تزهر”* هو حديث منسوج بخيوط الآمال المنبعثة من طين الأوجاع الإنسانية، والتي تصارع سطوة الحزن لترسم بأكمامها المتفتحة بسمة حانية على ثغر الروح الجريحة..
هي أحلام ولكنها ليست خيالا خالصا.. بل هي لوحات من الواقع، تضجّ بألوان هذه المجتمعات التي نكابد الانتماء إليها، وتنبعث منها صور الأحاسيس الإنسانية (الأنثوية قبل غيرها!) في خصوصياتها الثقافية والحضارية.
وتبلغ الواقعية مداها في لوحة “مات الوطن”، حيث تتراقص الإشارات الباكية من ضفاف النيل الدامية، من أرض “مهند” و”حسام”..
“أحلامنا التي تزهر” صفحات كئيبة حزينة، تستدرّ الدمع، وتعتصر القلب، ولكنها مع ذلك تمتع الروح.. “حزينة ممتعة” بتعبير المؤلفة في قصة “سفاح”!
***
عشت مع هذه الأحلام في جلسة صباحية منعزلة عن ضجيج الحياة الصارف عن رُواء الكلمة..
قرأت بعضها فوجدت شعرا في سربال قصة! لكنه شعر منفك عن الأوزان، مستغن بألفاظه الراقصة عنها..
فكنت أقرأ الجملة -أو قل: البيت الشعري!- ثم أعيد قراءتها، متدبرا متغنيا، متلمظا بحلاوتها، لعل متعتي بها تدوم أكثر، قبل أن أنتقل إلى التي بعدها..
وكنت أطالع بصوت مرتفع، ليلتذ لساني بمثل ما يلتذ به جَناني..
وفي بعضها الآخر، وجدتُ السرد يتحرر من قيود الشعر، فينطلق محلقا مرفرفا، وأنطلقُ وراءه ألتهم الألفاظ مسرعا لأصل إلى المرفأ الذي تريد المؤلفة الفاضلة أن تسوقني إليه..
وفي نوع ثالث: تختبئ المعاني حيية متسترة وراء حجاب كثيف من الرموز المستعصية على الفض، تحوج ذهن القارئ إلى إنعام التأمل لعله يقتحم ذاك الحمى المرتَج..
وبين سطور كثير من هذه الأحلام، تلمستُ أثر خيطٍ ناظم رفيع من وصف مشاعر الأنثى التي تقاسي مرارة تفلّت الأيام كخرزات السبحة التي انبتّ عقدها، وتكابد قسوةَ انقضاء العمر في سرعة الطيف العابر، الذي يترك خلفه أخاديد من الآلام في النفس والجسم..
مشاعر الأنثى الجريحة التي أهينت كرامتها، وسُلبت منها سعادتها، وهُجرت لتبقى وحيدة تعاني مرارة الحياة.. ولم تكن تطلب سوى قليل من الحنان والاحترام يرضي أنوثتها..
ولذلك أقول: أهذه أحلام تستشرف المستقبل.. أم تُرى هي ذكريات من الماضي، تورق الآمالُ من عود حَكيِها المزهر؟
وفي سائر الأحلام: وصفٌ رشيق لمشاعر إنسانية حزينة في أغلبها، لكنها تصارع للخروج من ضيق رحم المعاناة إلى فضاء رحب من سعادة الحياة..
وقبل ذلك وبعده، وفي الأحلام كلها: لغةٌ أدبية عالية، ارتفعت عن ابتذال الأساليب الحداثية الرخيصة، وتيامنت عن الألفاظ الحوشية الخشنة، وتياسرت عن التراكيب العصرية الممجوجة!
***
أشكرك أيتها الأستاذة الفاضلة وصال:
لقد اصطلحتُ بحرفك الرشيق مع السرد القصصي المعاصر الذي كنت أحتقر كثيرا من جنونه وفجوره وعبثيته، ونهلتُ -بعد مفازة موحشة من الصرامة العلمية- سلسبيلَ الأدب العذب النمير من واحة أحلامك التي تزهر..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (المجموعة في طور النشر).