قراءة في تاريخ الدبلوماسية المغربية

02 نوفمبر 2025 19:38

هوية بريس – د.وصفي بوعزاتي

قراءة في تاريخ الدبلوماسية المغربية.. حين يجني الملك محمد السادس ثمار السلطان محمد الثالث

يا لروعة القدر… وكأن التاريخ يعيد نفسه، بنفس الإيقاع المغربي الهادئ والواثق.

قبل قرون، كان سلطاننا سيدي محمد بن عبد الله -أو كما يسميه المؤرخون محمد الثالث- يكتب أولى صفحات الدبلوماسية المغربية الحديثة،

واليوم، حفيده جلالة الملك محمد السادس يجني ثمار تلك الصفحات بحكمة وهدوء، أمام أعين العالم.

في القرن الثامن عشر، كان المغرب في أوج سيادته واستقلاله عن كل إمبراطوريات الزمان. في الوقت الذي كانت فيه الدولة العثمانية تهيمن على شمال إفريقيا،

كان سلطان المغرب يسير في طريق آخر… طريق السيادة والاختيار الحر.

في عهده، بنى مدينة الصويرة لتكون بوابة المغرب نحو العالم، وفتح الموانئ للتجارة والدبلوماسية، دون أن يفتح القرار المغربي لأي وصاية خارجية.

ثم جاءت لحظة عظيمة في التاريخ، حين اعترف السلطان محمد الثالث باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777، ليكون أول قائد دولة في العالم يفعل ذلك.

كان ذلك الموقف إعلانًا مبكرًا بأن المغرب دولة تملك قرارها، وتعرف جيدًا من أين تُكسب الاحترام.

وفي نفس تلك الفترة، كانت الإمبراطورة كاثرين الثانية (كاثرين العظيمة) تحكم روسيا.

روسيا كانت في حرب مع العثمانيين، وسفنها كانت تبحث عن مأوى لدفن موتاها، لكن إسطنبول رفضت… لأنها كانت تعتبر الروس أعداءها. أما سلطان المغرب، فتصرف كما يتصرف الملوك الكبار.

سمح للسفن الروسية بالرسو في الموانئ المغربية، و دفن موتاها بكرامة، احترامًا لإنسانيتهم، مهما كانت ديانتهم.

فكتب بذلك سطرًا من أنبل فصول الإنسانية في تاريخنا.

ومنذ ذلك الوقت، ظل الروس -كما قال لي أحد الدبلوماسيين يومًا- لا ينسون ما فعله سلطان المغرب معهم.

واليوم… بعد أكثر من قرنين، يعود التاريخ ليبتسم للمغرب.

حين ناقش مجلس الأمن ملف الصحراء المغربية،

كانت الولايات المتحدة الأمريكية، حاملة القلم، تقود الموقف الداعم لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

تاريخٌ يكتمل:
البلد الذي اعترف به محمد الثالث سنة 1777،
هو نفسه الذي أعاد الاعتراف بالحق المغربي في عهد محمد السادس.

وفي الجهة الأخرى، روسيا لم تستعمل الفيتو، ولم تعارض القرار، بل اختارت الامتناع… في موقف يحمل من الوفاء أكثر مما يبدو على الورق. وكأن التاريخ همس في أذن الدبلوماسية الروسية قائلاً: “اذكروا من سمح لبحارتكم بدفن موتاهم بكرامة حين رفضتكم الإمبراطوريات”.

من محمد الثالث إلى محمد السادس… يمتد خيط واحد من الحكمة والسيادة والاتزان.

من سلطانٍ بنى مجد المغرب بالاحترام، إلى ملكٍ يواصل المسيرة بثباتٍ وهدوءٍ وثقةٍ في المستقبل.

اليوم، يجني محمد السادس ثمار محمد الثالث،

ويؤكد للعالم أن المغرب لا ينسى الخير، ولا يضيع الجميل، ولا يُهزم بالتقلبات.

إنه وطن يصنع تاريخه بيده، ويُدرّس العالم كيف تكون السيادة خلقًا، والكرامة موقفًا، والتاريخ ذاكرة وفاء.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
8°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة