قصة تحالف يأبى السقوط
هوية بريس – امحمد الهلالي
التحالف بين العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية ليس مجرد تحالف انتخابي بين حزبين على أساس عددي بغرض تشكيل أغلبية برلمانية لتنصيب الحكومة وتأمين استمرارها؛ انه في الجوهر التقاء سياسي بين مكونين مختلفين بمعنى الكلمة، لكن ذلك لم يمنع من التوصل الى أطروحة سياسية مؤطرة لمرحلة بكاملها . اهمية هاته الاطروحة نابعة بالاساس من كونها صادرة من توحهين مختلفين اختلافا حقيقيا وليس مفتعل غير ان هذا الاختلاف لم يمنع من ايجاد مساحة واسعة للائتلاف وهاته المساحة هي الانحياز الى الديموقراطية ورفض النكوص والرجوع الى السلطوية وهو ما سمح ببناء مشترك حقيقي بجوهر ديموقاطي، استحق من الطرفين التضحية ببعض القناعات وتأجيل كثير من المختلف فيه الى غاية استتباب الاطار الانسب لممارسة الاختلاف المشروع وتدافع الافكار بشكل بناء يكون معه الاختلاف ثروة للبلد وثروة للانسان المغربي.
اطروحة تلازم الاصلاح والاستقرار التي التقى عليها تحليل الحزبين لراهن وآفاق المغرب كما كانت في منشئها اكبر من عدد المقاعد في الحكومة او البرلمان ولا تقاس بالارقام بل تقاس بالوزن السياسي للمواقف والوزن السياسي للتضحيات التي تبذل في سبيل هاته المواقف ستظل كذلك فوق التأثر بحدف منصب از زيادة اخر وان كان النشمل للاساس هو عدم التساور المسبق مع قيادة للحزب المعني وتغييبه في اتخاذ قرار بهمه قبل اي مكون اخر .
هاته الاطروحة لم تمليها اعتبارات سياسوية ادولم تأت بدواعي انتخابية محضة، بقدر ما املتها قراءة متقاسمة لوضع سياسي كان مفتوحا على المجهول واختار الحزبان الوضوح في زمن الاختباء وطرحا بديلا سياسيا متزنا في زمن “اللي علاها يربح” وقد كان من الممكن ان يكون مكلفا لشعبيتهما لكن مصلحة الوطن فرضت عليهما اتخاذ تلك المواقف. وقبل ذلك وجد الحزبان نفسيهما في مواجهة السلطوية وامتدادها الحزبي رافضين معا اي تحكم فوقي في المشهد السياسي واي فبركة لواقع حزبي غير نابع من حاجة مجتمعية واي مغامرات تسوق للتنمية بدون ديموقراطية والمشاريع المهيكلة بلا اثار اجتماعية ملموسة للناس الاشد حاجة .
كما انحازا الحزبان معا الى خيار الاصلاح التراكمي المتدرج المتوافق بشأنه على اي أطروحات مغامرة تحتكم الى الشارع لفرض التغيير. ولم يكتفيا باعلان الموقف، بلا تم النزول الى الميدان وللاشتباك مع اصحاب الاطروحات الاخرى من مختلف التوجهات ومع شباب متحمس متأثر بما يجري في بلدان الربيع العربي، حيث خاضا نقاشات ساخنة وجدية تميزت بالانصات والمصارحة والتفاعل بالوضوح والمسؤولية والجدية والمعقول اللازم. لذلك فقد تقاطعت قراءة الحزبين لهاته الظرفية وفي الجواب على سؤال ما العمل.
وقد تبلورت نقاط مشتركة كثيرة في العرض السياسي الذي تقدمت به كلا الهيئتين ليتوج ذلك بتعبير الطرفين عن رغبتهما في التحالف السياسي ضمن جهود لاحياء وتفعيل الكتلة الديموقراطية لولا رفض الاتحاد الاشتراكي قبل ان يتحول من مطلوب الى طالب مو مشترط الى مشروط عليه .
عدم تحقق هذا الطموح لم يمنع الحزبان من الانخراط في الدينامية السياسية لمغرب المعقول بعد دستور 2011 والتي تفضت الى تحالف سياسي تجاوز كل الهزات ونجح في تخطي العديد من المطبات والمعيقات . خاصة في المراحل الصعبة، بدءا من ازمة خروج الاستقلال من الحمومة وسعي الجهات المحرضة له الى محاولو تفجير الحكومة من الداخل ، ثم محاولات تازيم الوضع للاقتصادي والاجتماعي على اثر اصلاحات التقاعد والمقاصة والماء والكهرباء والدعم المباشر للفقراء . وفي هاته المحطات وجد الحزبان نفسيهما في خندق الدفاع على انقاد الدولة اولا حتى وان كان على حساب سعبية الحزبين، لكن التاريخ والشعب المغربي انصف الهيئتين رغم انهما اديا معا ثمنا كبيرا .
والاهم ان هذا الثمن انما يدفعه الحزبان كفاتورة مستحقة لحرية ارادتهما واستقلال ارادتهما وليس لشيء اخر .
هاته الظروف وفرت المناخ لتقاسم رؤية مشتركة بين الحزبين ارتكزت وترتكز على جملة من المحددات اولها الموازنة بين الاصلاح والاستقرار والتلازم بين التنمية السياسية والتننية الاقتصادية والاجتماعية وكل ذلك في نطاق الحفاظ على بعض مصداقية الحياة السياسية واستقلالية الارادة الحزبية والمعقول في السياسات العمومية .
ما يتعرض له هذا التحالف اليوم، بعد حذف حقيبة وزارية واعفاء وزيرة من التقدم والاشتراكية بدون تشاور مسبق مع الحزب المعني وبمبررات تبقى غير سياسية مهما قيل بصددها، وبصرف النظر عن اي اخطاء من هنا او من هناك، يبقى اختبار حقيقي لمدى صمود هاته الارادة وهو ليس اول اختبار ولن يكون الاخير، ولكنه مجرد حلقة في مسلسل طويل، كان مبتدؤه محاواة احياء الخلافات الاديولوحية والتذكير بالمناكفات الحزبية السابقة، ومحاولة اشعال جبهة القيم والتباين في المشروعين المجتمعيين لكلا الحزبين، ومحاولة جر اطرهما ومناضليهما الى اتون المعارك حول قضايا الحريات الفردية وقضايا الارث والحرية الجنسبة والاجهاض وحرية المعتقد، وقضابا وغيرها، لكن الحزبان تمكنا من تدبير هذه القضايا بتذويبها في المشتركات الواسعة ودحرجتها الى ترتتب متأخر في سلم الاولويات الوطنية، ليبقى التركيز في المقام الاول حول الرهان المرحلي المتعلق بالتقاطب بين الديموقراطية والاستبداد وهو ما جنب البلاد بمجهود من الحزبين السقوط فيما سقكت فيه بلظان مجاورة ثم محظور التقاطب بين فسطاطين ديني علماني والاستدراج الى فخاخ الايديلوحية على حساب السياسة .
هذا التحالف كما جر على الحزبين مكاسب جمة فقد كبداهما معا خسائر مهمة ليس اقلها وقعوهما في دائرة الاستهداف السلطوي والصغط على قياداتهما ومناضليهما واستعمال وسائل العهد البائد ضد مرشحيهما في الانتختبات الجماعية والبرلمانية الاخيرتين، لكن التقدم والاشتراكية ادى فاتورة فادحة من حيث استهداف قيادته والتحرش بمؤتمره وتقليص وزنه الانتخابي، واعفاء قياداته، في ما عرف بالزلزال السياسي، وما يزال يواجه المصاعب ويواجه التحديات بما فيها هاته الضربة الاخيرة التي لا يمكن عزلها عن سياق استهداف الحزب ومعاقبته على اختياراته في استقلال ارادته وحرية قراراته والوفاء لتحالفاته وذلك بغض النظر عن بعض التفاصيل التي تم استغلالها وتوظيفها ولا يمكن ان تكون هي السبب الرئيسي.
حزب العدالة والتنمية بدون شك بادل الوفاء بوفاء طيلة هذا المسار والى غاية تشكيل الحكومة بعد البوكاج لكن مياها كثيرة اصبحت تجري تحت جسر هذا التحالف منذ التصريحات التي نسبت الى رئيس الحكومة ضد وزير الصحة السابق، ثم الرخاوة في التعامل مع محاولة اعفاء وزرين منهما الامين العام للحزب دون ان يكون لحزب العدالة والتنمية الموقف المطلوب على الاقل لمنع المس برمزية امين عام بمبررات لم تقنع احدا . واخيرا في هاته القصة الاخيرة .
انا اعتقد ان هاته الازمة اقل من ان تعصف بتحالف سياسي هو في جوهره كان وسيبقى اكبر من لغة المقاعد وحسابات الحصص . وفي رايي فان انتفاضة حزب التقدم والاشتراكية تبقى مشروعة ضد سلوك غير سياسي ايا كانت الجهة التي صدر عنها هذا القرار، وهي انتفاضة تخدم العدالة والتنمية ايضا وتخدم ما تبقى من مصداقية للعمل السياسي قبل ان تتضامن مع الوزيرة المعنية وقبل ان تعيد الاعتبار للحزب المتضرر وهي انتفاضة على حزب العدالة والتنمية ان يحسن قراءتها ويلتقط اشاراتها في اتجاه، تحصين العمل المؤسساتي، وحماية العمل السياسي من العبث . كما على احزب ان يرمم الصدع بمبادرة سياسية تنقل حدف كتابة دولة الى نرتجعة شاملة للهندسة الحكومية، في ضوء ازيد من سنة من الاداء وتحيين البرنامج الحكومي في ضوء الاولويات المعلنة في الخطابين الملكيين وبمبادرة من هذا النوع انا على يقين ان الحزبان معا معنيان بتفعيل هذا التحالف واعطائه نفسا جديدا تتجدد معه الدينامية السياسية في مستهل دخول سياسي اريد له ان يكون عاصفا لكن هاته العاصفة يمكنها ان تحمل صيبا نافعا ومطرا مبشرا وذلك لمواجهة قضايا اكثر سخونة ابرزها قضايا التعليم والصحة والتشغيل والشباب وما تطرحه من تحديات .