قصة عجيبة في زواج الأديب الكبير محمود شاكر -رحمه الله-
هوية بريس – متابعة
أم فهر حفظها الله
تقول أ. عايدة الشريف رحمها الله:
في يوم ميلاد الأستاذ محمود شاكر سنة 1983م الذي يوافق عاشوراء، اصطحبت معي صديقتي الأثيرة كريمة مختار، وقد أخذتها الدهشة مما رأت في المجلس الحافل بمريديه الكثر، هذا يلقي قصيدة والآخر كلمة، والثالث ذكرى من مناقب محمود شاكر وشمائله، وكان الأستاذ عامر العقاد يقرر المتحدثين، وفجأة سمعته يعلن رغبة الفنانة كريمة مختار في الكلام، وأُسقِط في يدي… وبغتة سمعتها تقول: إنني لم أقضِ مثلَ هذه اللحظات الجميلة في حياتي، ولم أرَ مِثلَ ذلك الحب المتدفق من المريدين لشيخهم، وقد دار في ذهني الآن سؤال: كيف يختار العلماء الأجلاء زوجاتهم؟
فران الصمتُ عميقا فوق هامات المريدين، وكأن على رؤوسهم الطير… وبغتة أتانا صوت محمود شاكر بسماحته المعهودة مع الضيوف الجدد على مجلسه، ويقول: أنا ممن لا يجيدون الكلام؛ لأن صنعتي الكتابة، ولزواجي بأم فهر قصة عجيبة:
ذلك أنني عندما تركت الجامعة هاجرت إلى السعودية، وبقيت عامين -ولم يكن البترول قد ظهر فيها، ومن ثم لم تكن ذات ثراء- هناك كان لي صديق من أسرة كريمة، وهو الأستاذ حسين نصيف، وكان بيني وبين أسرته مودة، فحملوني إلى الزواج، وتحقق ذلك بخطبتي عام 1929م، بعدها ألمَّت بأهلي في مصر ملمة، وبدأت أتلقى رجاء الأهل، والأساتذة للعودة، ورجعت إلى مصر في العام الذي وُلِدَتْ فيه أم فهر.
ومرت الأيام وتوالت السنون، ويشاء الله أن تتعرف أختي عزيزة بإحدى حفيدات الشيخ حسن الكفراوي شارح الأجرومية… وأعلمتني أختي عمن قابلت، مُرْدِفَة بأن هذه الحفيدة قد هاجرت بها والدتها مع إخوتها من كفر الشيخ، وحثثت أختي بأن تصطحبها إلى بيتنا، وحين رأيتها أُعجِبتُ بدماثة خلقها وحيائها، ومن حماسي لهذه الفتاة النيرة ذهبت أقابل والدتها، وأشاورها في أن أتبنى هذه الفتاة، وعندما لفتت حماستي نظرَ من حولي، نبهوني أنه ليس في الإسلام تبنٍّ، قلت وأنا أكثر حماستة، وغير متراجع: ستكون ربيبتي حفيدة الرجل الصالح ذي المقام المهيب، هذه هي أم فهر، التي بقيت معنا أنا وأختي عزيزة من سنة 1945م طفلة إلى أن بلغت الشباب، حيث أخذ يتوافد عليها الخُطَّاب، وكلما جاء أحدهم بنية انتزاعها من بيتي اشتد إحساسي بأنني سأفقد شيئا عزيزا على نفسي، حتى خلت أنني لن أحيا بفقدها أبدا، فاقترح أحدهم عليَّ الزواج بها، فكان، والفضل كله يرجع إلى الأستاذ أحمد المانع.
وهكذا كان هذا الزواج على خلاف الأشياء، ذلك أنه في سنة 29 عندما خطبت في السعودية، كانت أم فهر نطفةً في بطن أمها، وكان القدر يرسم لي ولها مسارا غير متوقع، أي خلاف الأشياء، فهي إذن رعتني قبل أن تكون زوجتي، وأكرمتني وحفظتني -ثم انفجر في البكاء وعاد يسمع بالكاد- وأكثر من ذلك أنها تحملتني، أكثر الله من خيرها ومن أمثالها، تحمَّلَتِ الوحدةَ مع وليدها سنوات سجني مرتين، وتحملتني خارجًا منه مريضًا نافدَ الصبر، ثم تبسَّم من بين غمام بكائه، ثم أردف قائلا: وهي صاحبة الفضل عليكم جميعا.
محمود محمد شاكر “قصة قلم” صـ144-146ـ.
تصحيح عقدي: و الفضل كله لله ثم للاستاذ المانع