قصيدة.. رثاء الراحل الفاضل جمال بن عكراش
هوية بريس – خالد أبو زيد القصري
هذا رثاء رجل ضن الزمان أن يجود بمثله، وعجَزت النساء أن يلدن له منافسا، رجل لا كالرجال، وهم لا كالهموم وسعي لا كالمساعي.
وصدق المتنبي إذ يقول:
وأفجع من فقدنا من وجدنا
قبـيل الفقـد مـفقود الـمثـال
رجل نحسبه من أهل الله وإن كنا لا نزكي على الله أحدا، من المشهود لهم بالجهاد والكفاح والنضال، فلقد بارى الفقهاء في سعيهم وليس بفقيه، وسابق الأغنياء المغدِقين في عطائهم وإن لم يكن من المغدَقين، ونافس القراء في تحبيرهم وإن لم يكن من المقرئين، ولج أبواب الخير وخاض غماره دون كلل أو ملل.
رجل حين مات نعته الأرامل واليتامى، الأكابر والأصاغر، حزن لفقده القريب والبعيد، انتحبت لفقده المنابر و المحاريب فلطالما أرسى مقامها، وهذب أضواءها، وسعى في شؤونها.
وما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنـــه بنـيـان قـوم تــــهــدمـا
فرحمه الله وأسكنه فسيح جنانه وأجزل عليه عظيم عطائه و امتنانه…
تمضي الركاب وتطوي الأرضُ من دفنوا
والناس في سفر تأوي وتظّعِنُ
تمضي السنين بنا كالخيل مرهفةٍ
لا يستطاع لهـا سبق ولا سكن
من عاش مبتهجا دهرا سيلبسه
ريب المنون زمانا مِلؤها الحزن
والعيش في ترف لا حزن يعقبه
عيش بلا نفس حلم به الوهن
كل الأنام على كأس الممات غدت
سيان من سلفوا دهرا ومن سكنوا
كل الأنام فسل قيسا وسل أُحدا
وسل ثبيرا وسل بالفقد من طعنوا
تبكي الطلول رجالا طال ذكرهم
شمَّ الجبال فطال الحسن والسَّنن
أين الحبيب الذي تُرجى شفاعته
قد حل في جَدَث والدِّرع مُرتهن
أفضى الحبيب إلى ما كان مُنتظِرا
إلى الرفيق غدا والصحب قد حزنوا
فقد المـحمد أعـيى قـلب صـاحبه
والآلُ هدّهمُ خطب به الشجن
كل المصائب يا خير الورى هزُلت
لما أفضت ففاض الدمع والمحنُ
قضى الإله على من عاش رحلته
بالانتقال فلا روح ولا بدن
قضى الإله على أهل الدنا أجلا
سيان من صلُحوا فعلا ومن غُبنوا
قد جاءني خبر والنوم يغمروني
والجسم في تعب قد زاره الوسن
تقول صاحبتي إن الجبال هوت
والأرض ناقصة بالموت تُمتحن
والشمس خامدة من هول ما سمعت
والأسد باكية والطير والمدن
مات الجمال فقم يا خل منتفضا
واس القريب وشُدّ الحبل إن وهنوا
فقمت في لهف والعين دامعة
والعقل في خَطَل والقلب مدّخِن
أبكيه من رجل عز النظير له
أبكيه من بطل يحمي ولا يهن
أبكيه من عَلَم تسمو شمائله
أبكيه من هرم يهوي له الشَّجِن
تقول مؤنستي يا خل كن رجلا
إن الدموع لضعف أو هي الوهن
فقلت أدمعُنا تسقي القلوب إذا
جفت مرابعها أو هدها الأسن
نبكي الرجال بعصر ما له شبه
عز الرجال به واستفحل العفن
نبكي الجمال ونبكي كل مكرمة
نبكي الشمائل فينا ضمها الكفن
فاق السموأل صدقا والسحاب ندى
فالجودُ منقبة من فيْضه تزن
أشاد مـعلمة القرآن مـحتـسـبا
وحل منزله المشهودَ من ظَعَنوا
يمشي لمصلحة المحتاج مبتهجا
فكم أعان وكم ضلت به المحن
وكم بيوت أعاد الصلحُ مبسمَها
وكم بيوت به كانت وكم ركنوا
يأتي على خبب للخير منتضيا
سيف الإعانة جلد صاغه الزمن
لو قيل في طرف الدنيا مفاز هدى
لـبـى على فـرح يســعى ولا يـهــن
جيش من الناس إن أمضى عزيمته
ليث الزمان فكم شـاعـت بـه السُّنَن
أبقـى لنا دررا مـن طـيـب مـعـدنـه
أبــقـى لـنـا أثـرا يســمـو بـه الفطِن
رحمـاك رحـماك يا رب الورى فلكم
كان الرحيمَ بمن أذووا ومن طعنوا
رحـماك رحـماك يارب الـورى فلكم
أوى الضـرير وكـم قـومٍ به أمـنـوا
رحماك رحماك ما هـل الهـلال ومـا
غـنت مـطـوقة حـزنا لمـن حـزِنـوا