قصيدة للشيخ الأديب محمد زنداك الدشيري يدين فيها “إحراق المصحف بالسويد”
هوية بريس- محمد بن علي زنداك الدشيري
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
أقدم بعض عتاة المتطرفين المتعصبين من غير المسلمين على إتلاف المصحف الكريم، وتمزيقه، وإحراقه، جهارا نهارا، وهو الكتاب المقدس، بل قدس الأقداس في دين الإسلام، وذلك في خطوة شاذّة خرقاء مستفزة حاقدة ترمي إلى غيظ المسلمين، وإهانتهم، والسخرية من دينهم، ومقدساتهم، ومعتقدهم، وقد خلف ذلك استياء عميقا، واستنكارا شديدا من لدن كل أحرار العالم وعقلائه، حتى من غير المسلمين، أما المسلمون فقد ثارت ثائرتهم، فعبروا رسميا وشعبيا عن استغرابهم للسماح بمثل هذه التصرفات الرعناء التي لم تحترم ما نصت الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الكونية على احترامه ومنع المساس به، وقد أصدر المجلس العلمي الأعلى بالمملكة المغربية الذي يترأسه أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أعزه الله ونصره بلاغا استنكر فيه هذه الجريمة الجبانة، التي ليست إلا عدوانا سافرا ينبئ عن جهل فاضح بمضامين هذا الكتاب الإلهي العظيم، واستخفافا متهورا بمبادئ السلم والتعايش التي تقوم عليها العلاقات الإنسانية، إذ لا مسوغ بتاتا لمثل هذا العمل الشنيع.
واستجابة مني لداعي الفطرة، وتلبية لنداء الغيرة على ديني وكتاب ربي، جاشت في أعماقي خواطر أملاها هذا الحادث الخطير، فأحببت إفراغها في قالب هذه الأبيات التي اخترت لها عنوان:
حُــرِّيَّـــةُ الــتَّــعْــيِــيــرِ
مَا كَانَ صُنْعُكُمُ لَهْواً وَلاَ لَعِبَا
فَالْكَوْنُ مِنْ قُبْحِكُمْ يَشْكُو وَقَدْ تَعِبَا
لَمْ يَحْتَمِلْ مَا يَرَى فِي كُلِّ ثَانِيَةٍ
مِنْ مُخْزِيَاتٍ تُثِيرُ السُّخْطَ وَالْغَضَبَا
ظُلْمٌ صَرِيحٌ يُحَاكِي الْعَدْلَ مَظْهَرُهُ
مَوَّهْتُمُوهُ لِيُخْفِي الزُّورَ وَالْكَذِبَا
تُبْدُونَ لُطْفاً بِلاَ حَدٍّ وَمَرْحَمَةً
عُنْوَانُهَا كَانَ لِلْإنْسَانِ مُنْتَسِبَا
لَكِنَّهَا رَحْمَةٌ ظَلَّتْ مُمَيِّزَةً
بَيْنَ الْأَنَاسِيِّ إِذْ مِيزَانُهَا اضْطَرَبَا
فَعَيْنُهَا لاَ تَرَى أَشْيَاءَ تَكْرَهُهَا
إِنَّ التَّعَصُّبَ دَاءٌ يَصْنَعُ الْعَجَبَا
حَتَّى تَسَامُحُكُمْ أَوْدَى النِّفَاقُ بِهِ
وَإِنْ مَلَئْتُمْ بِهِ دُنْيَا الْوَرَى صَخَبَا
فَقَدْ بَدَتْ وَيْلَكُمْ لِلنَّاسِ سَوْءَتُهُ
لَمَّا أَزَحْتُمْ عَلَيْهِ السِّتْرَ وَالْحُجُبَا
أتُخْفُونَ سُوءاً وَأَمْرُ الله كَاشِفُهُ
بِمَا أَتَيْتُمْ، وَشَرُّ الْخَلْقِ مَنْ كَذَبَا
بِئْسَ الَّذِي تَخِذَ التَّدْلِيسَ دَيْدَنَهُ
حَتَّى وَإِنْ قِيلَ عَنْهُ أَنْجَبُ النُّجَبَا
عم كالذباب فتدَنَّسْتُمُ بِاحْتِقَارٍ كُلَّ مُعْتَقَدٍ
ضَـــــيَّــــعْــــتُمُ كُلَّ حَقٍّ كَانَ مُكْتَسَبَا
وَخِـــلْـــتُمُ أَنَّكُمْ فِي الْكَوْنِ آلِهَةٌ
لاَ تُسْأَلُونَ وَلَوْ أَحْرَقْتُمُ الْكُتُبَا
سَمَّيْتُمُ تِلْكُمُ الْفَوْضَى بِلاَ خَجَلٍ
حُرِّيَّةً كَيْ تَنَالُوا بِاسْمِهَا الْأَرَبَا
فَتَسْتَبِيحُوا بِهَا الْأَدْيَانَ قَاطِبَةً
لِتَرْفَعُوا عَلَمَ الْإِلْحَادِ مُنْتَصِبَا
حَتَّى تَرَوْا رَوْضَةَ الْإِسْلاَمِ ذَابِلَةً
عَلَى ثَرَاهَا غُرَابُ الْبَيْنِ قَدْ نَعَبَا
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ أَنْ تَبْلَى مَحَاسِنُهُ
فَكُلَّمَا مُسَّ بِالسُّوأَى نَمَا وَرَبَا
وَقَدْ كَتَبْتُمْ قَوَانِيناً مُحَرَّرَةً
لَكِنَّ فِعْلَكُمُ غَيْرُ الَّذِي كُتِبَا
كَفَى نِفَاقاً فَقَدْ فَاحَتْ رَوَائِحُهُ
وَنَتْنُهَا أَزْعَجَ الْأَفْلاَكَ وَالشُّهُبَا
قَبْلُ اتَّخَذتُّمْ رَسُولَ الله مَسْخَرَةً
فازْدَادَ قَدْراً وَمَجْداً وَاعْتَلَى رُتَبَا
وَالْيَوْمَ أَحْرَقْتُمُ قُرْآنَنَا حَسَداً
إِنَّ التَّطَرُّفَ نَارٌ تَنْفُثُ اللَّهَبَا
أَلَيْسَ ذَلِكَ إِرْهَاباً تُؤَجِّجُهُ
يَدُ السَّفَاهَةِ كَيْ تَسْتَرْضِيَ الْغُرَبَا
فَمَزِّقُوا كَيْفَمَا شِئْتُمْ بِلاَ مَلَلٍ
وَأَحْرِقُوا صُحْفَهُ وَدَنِّسُوا دَأَبَا
أَيُطْفِئُ الْحِقْدُ نُورَ الله أَنْزَلَهُ
لِيَهْدِيَ الْخَلْقَ إِلاَّ مَنْ نَأَى وَأَبَى
تِلْكَ التَّفَاهَةُ لَنْ تُجْدِي وَإِنْ جَمَحَتْ
فَإِنَّمَا هِيَ شَأْنُ الْغُمْرِ إِنْ رَسَبَا
أَهْلُ الْعُقُولِ تَسَامَوْا لَنْ تَرَى لَهُمُ
مَا يَسَتَفِزُّ مُثِيراً حَوْلَهُمْ رِيَبَا
وَلَمْ يَشُكُّوا وَهُمْ دَوْماً عَلَى ثِقَةٍ
أَنَّ الْمُنَافِقَ لاَ يَسْمُو وَإِنْ غَلَبَا
وَالْحَقُّ يَعْلُو وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِهِ
فِي غُرْبَةٍ فَلَهُ النَّصْرُ الَّذِي وَجَبَا
فَارْفُقْ بِنَفْسِكَ يَا مَغْبُونُ إِنَّكَ قَدْ
رَكِبْتَ بَحْراً حَوَتْ أَحْشَاؤُهُ الْعَطَبَا
لَنْ تَسْتَرِيحَ وَلَوْ نَفَّسْتَ عَنْ غَضَبٍ
وَنِلْتَ مِنْ كُلِّ مَا أَمَّلْتَهُ الطَّلَبَا
وَإِنَّ ذَاكَ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَى حَذَرٍ
مِنْهُ لَحَقٌّ أَتَى وَالْمَوْعِدُ اقْتَرَبَا
فَالْحَقْ بِرَكْبِ الْهُدَى وَلْتَأْتِ مُعْتَذِراً
نَدْمَانَ عَنْ كُلِّ مَا قَدْ كُنْتَ مُرْتَكِبَا
لَنْ يَرْحَمَ الدَّهْرُ وَالتَّارِيخُ مُرْتَزِقاً
يَهْوَى اشْتِهَاراً فَيُؤْذِي الْخُلْقَ وَالْأَدَبَا
وَيَزْرَعُ الْبُغْضَ وَالشَّحْنَاءَ فِي دَأَبٍ
كَيْ يَـــحْــصِـُـــدَ الْمَدْحَ وَالْإِعْجَابَ وَالـــذَّهَــبَــا
لُبُّ الْمُرُوءَةِ حِلْمٌ زَانَ صَاحِبَهُ
وَلَنْ يُعَوِّضَهُ شَيْءٌ إِذَا ذَهَبَا