قمة كامب ديفيد المحتملة.. هل تشهد حلا للأزمة الخليجية؟ (تحليل)
هوية بريس – احسان الفقيه
قمة أمريكية خليجية محتمل عقدها في واشنطن أو في منتجع “كامب ديفيد” ربيع هذا العام، شبيهة من حيث التنظيم بالقمة التي عقدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو 2017 بالعاصمة السعودية، والتي سبقت الأزمة الخليجية بأيام قليلة.
وتشترط الإدارة الأمريكية عقد القمة بإحراز الدول الخليجية تقدما مسبقا على طريق وضع حد للخلافات بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين.
الخطوط العريضة للسياسات الأمريكية وتعاطيها مع الأزمة الخليجية في مساحة واسعة منها تتعلق برغبة الإدارة الأمريكية في تنسيق الجهد الخليجي لمحاربة التنظيمات المتطرفة واحتواء النفوذ الإيراني بدلا من الخلافات بين دول المنظومة الخليجية.
وسيكون لحل الأزمة الخليجية تعزيز لفرص التعاون وتبادل المعلومات الأمنية بين الولايات المتحدة ودول الخليج مجتمعة، وتحسين تدابير الحد من تمويل الإرهاب ومكافحة التطرف والعنف، ومكاسب أخرى تدفع الولايات المتحدة للتدخل في إنهاء الأزمة.
كما أن واشنطن تضع على رأس قائمة أولوياتها القضاء على التنظيمات الإرهابية ومكافحة التطرف، وهي الأولويات التي تتعرض لمزيد من المخاطر مع استمرار الأزمة الخليجية بما يضر بالجهود الأمريكية في الحرب على الإرهاب، رغم القضاء على تنظيم “داعش” عسكريا والذي “سيظل يمثل تهديدا”، كما صرح مدير الاستخبارات الأميركية، دان كوتس، في 18 فبراير الماضي.
وتعد البلدان الخمسة المعنية مباشرة بالأزمة الخليجية من الدول الحليفة للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب؛ وتوفر دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية موطئ قدم للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
ومنذ بداية الأزمة في يونيو من العام الماضي، تصر الدوحة على لسان مسؤوليها بأن الحوار وحده بينها وبين دول المقاطعة من دون شروط مسبقة هو السبيل الأوحد للخروج من الأزمة التي دخلت شهرها العاشر.
ويكرر الطرف الثاني الذي تمثله دول المقاطعة (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) شرط استجابة الدوحة للبنود الثلاثة عشر التي تقدمت بها عبر الوسيط الكويتي في بداية الأزمة، والتي رفضتها دولة قطر حيث تراها مساسا بسيادتها واستقلالها.
ومع بدايات الأزمة كان للرئيس الأمريكي موقف مؤيد لدول المقاطعة؛ لكنه اصطدم بمواقف مغايرة لدوائر أمريكية أخرى مثل البنتاغون ووزارة الخارجية.
كما أن الجهود الدبلوماسية التي اضطلع بها مسؤولون قطريون ساهمت إلى حد ما في تعزيز موقف دول المقاطعة وإصرارها على رفض الشروط الثلاثة عشر وتمسكها بالحوار المباشر وعوامل أخرى دفعت بالرئيس الأمريكي إلى تغيير موقفه من الأزمة.
ركزت دولة قطر على بناء علاقات أكثر عمقا مع دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة بعيدا عن البيت الأبيض، لحثها على التأثير في توجهات الرئيس الأمريكي وسياساته تجاه الأزمة بعد أن نجحت دول المقاطعة في إقناعه بمسؤولية دولة قطر عن دعم وتمويل الإرهاب، بما أدى إلى “تشويش” العلاقات بين البلدين وانقسام في السياسات الأمريكية بين البيت الأبيض من جهة ووزارتي الدفاع والخارجية من جهة أخرى.
ويعتقد وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان بأن استمرار الأزمة من دون التوصل إلى حل لها، من شأنه الإضرار بجميع الدول الخليجية وبالمصالح الأمريكية في المنطقة والعالم، عبر تشتيت الجهود الأمريكية الخليجية المشتركة في الحرب على الإرهاب.
وشهد الخطاب الأمريكي والموقف من الأزمة الخليجية متغيرات جذرية صبت باتجاه تقارب الموقف الأمريكي بين الرئيس ووزارتي الخارجية والدفاع بعد جولات الحوار الاستراتيجي الذي استضافته واشنطن بين مسؤولين أمريكيين وقطريين نهاية يناير الماضي.
وجاء التغيّر في موقف الرئيس الأمريكي مؤخرا نتيجة الإصرار القطري على رفض شروط دول المقاطعة وتمسكها بسيادة الدولة ورفض “الوصاية” والتعاون المثمر مع وزارة الخارجية الأمريكية لإيجاد حل للازمة.
ومن المنتظر أن يعقد ترامب لقاءات منفصلة خلال شهري مارس وأبريل مع قادة خليجيين، ذكرت وسائل إعلام أن من بينهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ومن ثم لقاء منتظر مع أمير دولة قطر تميم بن حمد.
وبدات دول مجلس التعاون في استقبال مبعوثين أمريكيين إلى المنطقة، يُعتقد أنهما يحملان رسالة دعوة من الرئيس الأمريكي إلى قادة الدول الست لحضور قمة كامب ديفيد، لدعم الولايات المتحدة والتضامن معها والبحث عن سبل انفراج في الأزمة الخليجية قبل موعد القمة.
تفضل دول المقاطعة الوساطة الكويتية “المتعثرة” على وساطة الولايات المتحدة انطلاقا من رؤية لها بأنها القناة الأمثل لحل الأزمة وإزالة أسبابها والحد من تداعياتها المستقبلية. وتجلى ذلك في تصريحات ادلى بها مسؤولون في البحرين على هامش مباحثاتهما في المنامة مع المبعوثين الأمريكيين.
وتستبعد السعودية “حلا قريبا للأزمة الخليجية” وتكرر وصفها للأزمة بأنها “صغيرة جدا مقارنة بتحديات المنطقة”، وفق تصريحات وزير الخارجية السعودية عادل الجبير في 23 فبراير الماضي من العاصمة البلجيكية بروكسل، مطالبا دولة قطر بوقف “دعم الإرهاب والتدخل في شؤون الدول المجاورة”.
وتصر الرياض على أن حل الأزمة الخليجية سيكون “داخل مجلس التعاون الخليجي وداخل المنطقة العربية” بحسب ما قاله الجبير ردا على سؤال لشبكة سي إن بي سي الأمريكية حول احتمالات مناقشة الأزمة مع قطر، خلال زيارة ولي العهد محمد بن سلمان المقبلة إلى واشنطن في التاسع عشر من الشهر الجاري، معتبرا أن “توقيت حلها يتعلق بوقف الدوحة سلوكها السلبي”.
وفي الثالث من مارس الجاري أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات أنور قرقاش “أن خروج قطر من أزمتها حله خليجيا وبوابته الرياض” مخيرا الدوحة بين “قبول العزلة أو كف الأذى”.
وتلوح دول المقاطعة بين الفينة والأخرى إلى عدم اكتراثها باستمرار الأزمة الخليجية إلى أجل غير معلوم، مع تأكيد على عدم رفض الوساطتين الكويتية والأمريكية والحرص على عدم انتقادهما.
لكن الدوحة تعلن استعداها للمشاركة في القمة الأمريكية الخليجية المنتظرة إذا توفرت لدى الفريق الثاني الرغبة والإرادة الحقيقية في الحوار وليس بـ “الإكراه” وفق ما قاله وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مطلع الشهر الماضي في محاضرة ألقاها بمعهد المشاريع الأمريكية “انتربرايز” بواشنطن.
ويبدو أن دول المقاطعة التي ستحضر قمة كامب ديفيد تحاول استباق القمة بحملة إعلامية تشدد على أن قرار حل الأزمة الخليجية ليس في واشنطن إنما في الرياض والعواصم الثلاث الأخرى.
وتعول دولة قطر على الوساطة الأمريكية المتوقعة خلال استضافة الرئيس الأمريكي لقادة الدول الخليجية في كامب ديفيد التي لم يعلن عنها رسميا حتى الآن.
وترى الدوحة على لسان وزير خارجيتها عدم وجود “مساع جدية الآن سوى مساعي الولايات المتحدة، لا سيما ما يرتبط بقمة كامب ديفيد التي لم تتم الدعوة إليها بعد”.
هناك ثمة أدلة على أن الأزمة الخليجية بعيدة عن الحل في المدى المنظور من دون تدخل أمريكي “ضاغط”.
وخلال الأسابيع الماضية شهدت الأزمة تصعيدا في الحملات الإعلامية والتصريحات الرسمية الرافضة لأي حل ما لم تنفذ الدوحة مطالب دول المقاطعة، وهي المطالب التي تكرر دولة قطر رفضها مع تمسكها بالحوار المباشر من دون شروط مسبقة.
ولا يُنتظر أن تتمخض نتائج قمة كامب ديفيد عن حل نهائي لأزمة معقدة كأزمة الخليج؛ لكنها في كل الأحوال ستسهم في التخفيف من حدة التوترات، ووضع خارطة طريق وصولا إلى الحل النهائي الذي قد يستغرق المزيد من الوقت.
(المصدر: الأناضول).