قمر الدم بين الإسلام والخرافة
هوية بريس – متابعة
الظاهرة باختصار
كما نعرف جميعاً، فالأرض تدور حول الشمس في مسيرة عام كامل، والقمر بدوره يدور حول الأرض في مسيرة شهر، وأثناء دورة القمر حول الأرض قد يقع بينها وبين الشمس، فيصبح الثلاثة في خط واحد، فإذا وقع القمر بين الشمس والأرض فهذا هو الكسوف، حيث يقوم القمر بحجب ضوء الشمس عن الأرض، أما عندما تقع الأرض بين الشمس والقمر، فهنا يحدث العكس، والأرض هي التي تحجب الضوء عن القمر، أو بمعنى آخر، فالقمر يكون مختبئاً في ظل الأرض، وهذا ما يسمى بـالخسوف، ويكون الخسوف كليا عندما يكون القمر المكتمل في اصطفاف مع الشمس والأرض في خط واحد، أما إذا مر القمر من تحت ظل الأرض أو فوقه، فيكون الخسوف جزئيا.
وبين الخسوف والكسوف فوارقُ من أهمها أنه يمكننا رصد الخسوف دون نظارات ولا أجهزة خاصة، فهو على عكس الكسوف آمن ويمكن مراقبته بالعين المجردة، كما يمكن رصده من أماكن متعددة وفي وقت أطول من الكسوف.
قمر الدم
نحن اليوم على موعد مع أطول خسوف قمري في القرن الواحد والعشرين، سيستمر في مدته الكلية نحو ساعة و34 دقيقة، سيتحول فيها القمر لجرم أحمر كالبرتقال، فالقمر كما نعلم يعكس أشعة الشمس الساقطة عليه، فيعطي ذلك النور، أما في حالة الخسوف، فإن بعض أشعة الشمس تنحرف من خلال الغلاف الجوي وعبر حواف الكوكب لتسقط على القمر، وأثناء مرور الضوء تتشتت أمواجه الطيفية الصغيرة التي يتكون منها، ولا تبقى إلا الأمواج الطويلة، وهي الأمواج الحمراء من ألوان الطيف، فنرى نحن القمر باللون الأحمر، أو البني الداكن، وهو اللون الوحيد الذي يسقط عليه بعد تشتت باقي الأمواج عبر الغلاف. [1]
الخسوف وبرهان النبوة
تعتبر ظاهرتا الكسوف والخسوف من بين إحدى كبريات الدلائل على نبوة المصطفى عليه السلام، ففي عصر كانت أغلب المجتمعات والثقافات تتعامل مع هذه الظواهر الطبيعية على أنّها أشياء خارقة للعادة، بل وربطوهما بما يحدث للناس على سطح هذا الكوكب، تزامنت ظاهرة الكسوف مع موت إبراهيم ولدِ النبي ﷺ، فقال الناس: “انكسفت لِمَوت إبراهيم“.
هنا كانت الفرصة سانحة لمحمد ﷺ لو أنه كان مُدَّعِياً النبوةَ، وقد كان بوسعه أن يستغل هذه المصادفة العظيمة حتى يصدق الناس فيما ذهبوا إليه، ويقول لهم، لقد انكسفت السماء لموت ابني، لكن رسول الله ﷺ، كان أصدق من أن يدعي النبوة، بل صدر منه ما يدل على نبوته ويُرشد إلى صدقها، فقال: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصَلُّوا حتى ينجلي“.
الخسوف والخرافة
بنص الحديث الذي سبقَ نفى النبي عليه السلام ارتباط ظاهرتَيْ الكسوف والخسوف بما يحدث للناس، وأثبت استقلاليتهما بكونهما ظواهرَ طبيعية، أو كما نُسميها في شريعتنا آيات من آيات الله تعالى، وضرب الموروثات الجاهلية التي تسعى لإقحام الظواهر الطبيعية في الخرافات واستغلالها من أجل الدجل والفِرية، فالإسلام كان أرفع وأرقى من ذلك.
زيادةً على هذا، فقد أمرنا النبي ﷺ بالصلاة ودعوة الله تعالى، ولعل بعض الناس هنا يستشكلون السبب وراء ذلك، إلا أنّ بعض ما جاء في روايات أخرى قد يبين الحكمة من هذه الصلاة (ولو أنّ المسلم، يتوقف أمره عند صحة الخبر، لا عند وصوله للحكمة من عدمه)، وهي قوله عليه السلام: (يُخوف الله بهما عباده).
فتكون هذه الصلاة حينئذ كتضرعٍ لله تعالى وكذا شكرٍ وحمدٍ له عز وجل، وهنا لنا وقفة أخرى، ما علاقة الخسوف والكسوف بتخويف العباد؟! أليست معرفتنا لمواقيت هذه الظواهر تجعل خوفنا من حدوثها بلا معنى؟!
الخسوف والخوف
في حقيقة الأمر، فإنه لا ارتباط بين معرفتنا لوقت حصول هذه الظواهر وبين الخوف من حدوثها، فمعرفتنا لوقت حدوث زلزال مُعين لا يجعل خوفنا من حدوثه ينجلي ويندثر، إذ لا ارتباط بين الأمرين، هذا مع العلم أنّ وقت تشريع هذه الصلاة كان الناس على علم بكيفية تحديد مواقيت حدوث ظاهرتي الخسوف والكسوف.
أما فيما يخص سبب الخوف، فإنّ المسلم هنا مطالب بتدبر هذا الحديث كما أمرنا الله تعالى بذلك في غير موضع من القرآن الكريم، ولعلنا هنا نستحضر بضع إشارات قد تُوضح سبب تخوف الإنسان من حدوث هذه الظواهر:
أغلب الناس اليوم على عِلم بخطورة النظر مباشرة إلى كسوف الشمس والأضرار التي تلحق العين بالنظر إلى الكسوف [2]، بل إن خطر الرؤية المباشرة قد يصل إلى حد الإصابة بالعمى في بعض الأحيان [3].
ولا ننسى بعض الأبحاث العلمية التي ربطت بين الزلازل وبين حدوث الكسوف والخسوف، ولو أنّها لم يتم تنظيرها بشكل كامل، إلا أنّ هذه هي منهجية العلم التجريبي في تقصي الأمور [4].
خلاصة
الخسوف والكسوف آيتان من آيات الله، لا ارتباط لهما بموت عزيز أو حياة ذليل، ولا مكان للخرافة والأسطورة مع هاتين الظاهرتين، وقد يسر لنا الله سبل القوانين العلمية في الكون التي تعيننا على مراقبتهما وترقبهما، وتتبعهما والاستمتاع ببعض مظاهرهما، فاستمتعوا الليلة برؤية القمر الدامي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المصدر: مركز يقين).
لعله مما يخوف العبد من هذه اﻵية:
1- أنها استثناء ربما لا يراه العبد إلا مرة في العمر، وتغير يحدث في الكون بالنسبة للعبد فهو يذكره بيوم القيامة وما فيه من التغيرات المفاجئة والشديدة.
2- أنها تذكر بعظمة الله تعالى وإتقانه للخلق وتدبيره للكون.
وأما قلة تأثر الناس اليوم إلا من رحم الله فهو راجع إلى ضعف إيمانهم وجهلهم وغفلتهم عن حقائق اﻷمور وإلا فإن اﻵيات المعتادة توجب الخوف فكيف باﻵيات النادرة الوقوع. والله أعلم
شكرا لكم، شرح كاف واف سهل الفهم.
مقال جميل. واعجني العنوان… بين الخرافة والاسلام وليس بين الخرافة والعلم.
مقال جميل مرة اخرى. وفقكم الله.