قواعد الاجتهاد ومنطق مسح السبورة

30 أبريل 2024 22:29

هوية بريس – د.خالد الصمدي

الدعوة إلى تطوير أدوات الاجتهاد وقواعده ليست بالأمر الجديد في مسار الفقه الإسلامي، والاشتغال بذلك مطلوب ومحمود لا يمكن أن ينقطع إلى قيام الساعة، ما دام الذكر الحكيم يدعو إلى التفكر والتدبر وإعمال العقل استجابة لنداء الايمان وقياما بمبدإ العمران، والشرط في الوصول الى هذا المستوى من الاجتهاد:

– التحلي بفضيلة الاعتراف بجهود من سبق من العلماء والبناء عليها في كل اجتهاد جديد، وبخلق التواضع والحلم والصبر في طلب العلم ونشره.

– فهم واستيعاب القواعد السابقة التي أنتجها العقل الفقهي الإسلامي وتطبيقاتها العملية والجهود التي بذلت في ذلك.

– ظهور الحاجة الفعلية إلى تجديد هذه الأدوات وتطويرها بإثبات ما قد يعتورها من فطور أو عدم قدرتها على استيعاب المستجدات.

– النظر العلمي العميق في أصولها التأسيسية التي بنيت عليها في الوحي المسطور قرآنا وسنة.

– الوعي العلمي بالواقع المنظور وتحولاته وسياقاته وتطوراته وحاجاته الفعلية.

ومثل هذا الجهد العلمي الكبير لا يمكن أن يقوم به اليوم فرد مهما بلغت درجة علمه وفهمه، بل هو دور المجامع العلمية والمختبرات البحثية والمؤسسات الاجتهادية، المتكاملة المعارف والتخصصات بين معارف الوحي والعلوم الإنسانية والاجتماعية بل وحتى العلوم الدقيقة من طب وهندسة وفلك ورياضيات وغيرها من العلوم عند الاقتضاء.

وحيث أن هذه القواعد والأدوات المنهجية مؤثرة في إنتاج المعرفة التي تمس حياة الإنسان فإن الطريق الموصلة إليها تمر بالضرورة عبر قواعد البحث العلمي، شأنها في ذلك شأن قواعد الرياضيات والفيزياء والكيمياء التي يعكف عليها الباحثون في محاريب العلم ومختبراته في كبريات الجامعات فيقفون بعد جهد جهيد من البحث والتأمل والتحليل العميق في جهود السابقين والتأمل في معطيات هذا الكون المادي، بما يؤدي إلى الوصول إلى قاعدة جديدة تشكل طفرة نوعية في مسار البحث العلمي فتسجل آنذاك في سجلات براءات الاختراع المعترف بها عالميا، باسم صاحبها وباسم المختبر الذي توصل إليها والجامعة التي احتضنت هذا الاختراع ووفرت شروطه العلمية.

ولا أحد من هؤلاء العلماء أنكر القواعد الرياضية والفزيائية السابقة أو دعا إلى إلغائها وتجاوزها باسم التجديد، بقدر ما استوعبها وبنى عليها إيمانا بمبدإ التراكم في نتائج البحث العلمي.

وهكذا فإن الاشتغال بتجديد قواعد الاجتهاد وأدواته في كل الحقول المعرفية يعتبر من أعقد المجالات العلمية وأدقها، وهو في المحصلة براءة اختراع يقر بها من سبق إلى هذا الحقل العلمي من العلماء فأفنوا فيه أعمارهم فيه وتأسست بجهودهم مجامع علمية للتحكيم والنشر العلمي تعترف بكل مجهود جديد.

وإذا كان المنطق العلمي لا يغلق بال الاجتهاد ويضع مؤسساته ومنهجيته وقواعد التحكيم العلمي فيه قبل اعتماده والاعتراف به وضمه إلى سجلاته كإضافة نوعية مشهود لها بالجدة في الحقل العلمي على النحو المتعارف عليه دوليا.

فقد ابتلينا في العالم الإسلامي بدعوات إلى تجديد قواعد الاجتهاد في الفقه الإسلامي بالقفز على كل ما سبق من القواعد العلمية الإسلامية منها والغربية على حد سواء عوض الاعتراف بها واستيعابها، وافتعال الضجيج حولها برفع لافتة عجز الجهود السابقة عن الإبداع ووسمها بالتقليد بحثا عن مساحة موهومة من المشروعية، ثم مسح السبورة من كل ما سبق وتنصيب الرأي الشخصي بديلا معياريا حاكما لا يشق له غبار في جرأة غريبة لا يقر بها علم تجريبي ولا وضعي، فلا ثوبا صنعنا ولا ما نرقع.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M