كارل ماركس…عاد إليكم من جديد!
طارق الحمودي – هوية بريس
بعد فشل التجارب السوسيو اقتصادية الاشتراكية في العالم، وسقوط الاتحاد السوفييتي معلنا بداية نهاية الفكر الماركسي والسقوط الثقافي في حفرة لا يعرف قعرها، استمر وجود اليسار في العالم في شكل أحزاب سياسية مفرغة المحتوى، أعلنت رضوخها العملي لجبروت الرأسمال العالمي، وتطورت أشكال رضوخها مع تطور النظام الرأسمالي إلى أكثرها تطرفا وضررا، وهو ما سينتج عنه أمر لم يكن يتصوره إلا قلة من الباحثين المتعمقين.
بعد خروج كارل ماركس من ألمانيا مطرودا إلى كل من فرنسا وبلجيكا؛ ثم عودته لألمانيا؛ ثم نفيه إلى بريطانيا حيث دفن في لندن بمقبرة هايكيت؛ حيث وضع له تمثال نصفي مخلدا ذكراه لليسار البريطاني والعالمي، وهو المكان الذي يجتمع بعض اليساريين للاحتفال به بطقوس شبه وثنية، ومثله تمثال نصفي آخر في ألمانيا الشرقية سابقا من نحت (Lew Kerbel)، ثم أقيم لكارل ماركس تمثال كامل كبير بمسقط رأسه بمدينة (Tréve) يوم 5 ماي…2018!!!
لا يمكن تجاوز هذا الحدث دون أسئلة، من قبيل: ما الذي يعنيه إقامة تمثال في عصر يبدو من ظاهره أنه تجاوز الفكر الماركسي؟
لماذا يقام له تمثال في ألمانيا ؟ لماذا يقام له تمثال كامل بحجم كبير؟
تعد فلسفة كارل ماركس امتدادا للفلسفة الألمانية الكلاسيكية، لكنها فلسفة تميزت بعمقها السوسيواقتصادي وأصولها الإلحادية التي سيكون لها آثار دموية بشعة على الإنسانية، فيتحمل كارل ماركس تبعتها تاريخيا وفكريا مع أننا نعتقد أنه من أهل النار إن كان مات على ما عاش عليه، وقد صار كارل ماركس شبه نبي ومبشر عند من اغتر بفلسفته، وكل هذه التماثيل والممارسات التي يقيمها أنصاره شاهدة على شيء من ذلك.
هل هناك محاولة لاستعادة أو استدعاء كارل ماركس؟ ولماذا؟
الجواب: نعم، وأما السبب فطريف، فليس ما دعى إلى استدعائه فكره الفلسفي الشيوعي، بل تحليله الدقيق للفكر الرأسمالي، فقد انتعشت الدراسات المتعلقة بماركس في السنين المتأخرة، وكان السبب هو ما اكتشفه الباحثون من التطابق الظاهر بين تنبؤاته بما ستؤول إليه الرأسمالية وبين واقعها الحالي.
فإلى اليوم يوجد متخصصون في كارل ماركس أمثال (Jonathan Sperber) الملقب بـمؤرخ كارل ماركس وصاحب كتاب (Marl Marx a nineteenth cntuty life) و(Sarah Wagenknecht) التي أعدت عنه أطرحتها للدكتوراه في هولاندا.
يحاول الباحثون اليوم قراءة الحالة الاقتصادية وتفكيكها بأدوات ماركس ووفقا لقوانينه وآلياته التنبئية التي عرضها في كتابه “رأس المال” والذي استوحى منه الباحث الاقتصادي الفرنسي (Thomas piketty) فألف كتابه الكبير (Capital in the Twinty-first century)، وهي محاولات جادة محفوفة بالإحراج، فجل السياسيين والاقتصاديين اليوم يعترفون بهذا رغم أنهم رأسماليون في الجملة.
لكن الحال التي آل إليها الرأسمال اليوم غير محتملة على الإطلاق، وما تنبأ به كارل ماركس كان صحيحا، فقد ازداد تركز رأسمال في أيدي أقل، فضعفت المنافسة وتسلط الجشع وتضرر المستخدمون من جديد رغم كل مظاهر الرفاهية الزائفة، وسلاسل الأزمات الاقتصادية والزلازل التي تصيب البنوك العالمية والمؤسسات المالية مشعرة بأنه لا جدوى من الإصلاحات الظاهرية إذا لم تكبح جماح الرأسمال العالمي المركز في أيدي 147 مؤسسة عالمية ضمن 37 مليون مؤسسة!
كنت أنتقل من صدمة إلى صدمة وأنا أعيد قراءة معلوماتي وتقييداتي، ومما لاحظته أن القوم يتحدثون عن طريقين لا ثالث لهما، الرأسمالية أو الاشتراكية، والعجيب أنهما معا منهجان أثبتا فشلهما، فلم لا يتحدث عن طريق ثالثة أخرى؟
ليس ثم طريق ثالثة سوى الإسلام، واقتصاد الإسلام، بقواعده وأخلاقه ومقاصده، وقد تفطن بعض العقلاء في الغرب لهذا الأمر، وعرجوا على نظريات الفكر الاقتصادي الإسلامي في فرنسا وبريطانيا قراءة ودراسة تبعا لما وصلت إليه الاقتصاديات شبه الإسلامية في ماليزيا وغيرها، لكنني لا زلت أتساءل، لماذا الإصرار المتواصل على عدم الإشارة إلى هذه الطريق الثالثة في دراساتهم الحديثة إلا لمما؟ هل يغضون الطرف أم لا يعلمون؟ وهل نتحمل نحن أيضا مسؤولية التعريف بديننا واقتصاده للعالم؟
الفكر الماركسي اليوم أفيون بعض الأحزاب اليسارية في عالمنا العربي والمغرب خاصة، فهي تعرف جيدا أنها لا تستطيع الانفكاك عن حقائق تاريخية ظاهرة تثبت فشل الماركسية والاشتراكية، ولكنهم مع ذلك يوهمون أنفسهم وغيرهم بأنهم الحل الوحيد، في غرور واستكبار عجيبين، مع إرث إيديولوجي منغرس في ثقافتهم مبني على العداء للإسلام الذي يحكم كل شيء بما في ذلك السياسة والاقتصاد، بدعوى محاربة الخرافة والرجعية، وهم أكبر رجعيي زماننا.
ولست محتاجا هنا إلى الكشف عن علاقة “اليسار” بالفكر الباطني والسحر والخرافة والوثنية، والتي يحاولون سترها أو لا يعرفونها لجهلهم وسطحيتهم وسذاجتهم، فما الذي يعنيه اهتمام ستالين بالسحر الأسود ومطالعاته الجادة لكتب السحر؟ وساحر استطاع أن يمر من 26 نقطة بحث ليصل إلى لينين في قصره دون أن يراه أحد؟
وما حقيقة “الكوسميين” الروس الذين يمثلون الأصول والامتداد للفكر العلمي الروسي؟
وما علاقة الثورة اللينينية بالفكر البوذي الوثني؟
ولماذا يدفن لينين في شبه هرم؟
ولماذا كانت فرقة الحرس الحديدي للزعيم الماركسي شاوسيسكو يمارسون التأمل صباحا ولا يأكلون اللحم؟
ولم كان برجنيف يستعين بعرافة جورجية؟
ولماذا أجاز ماركسيو كوبا الممارسات السحرية والطقوس الوثنية؟
ثم ما موقف اليسار المغربي سواء كان موحدا أو مبددا من السحر وبعض الممارسات الوثنية؟
أسئلة كثيرة، عندي شيء من أجوبتها، أتركها لوقت الحاجة.
لماذا لا يعترف الغرب بأحقية الاقتصاد الاسلامي رغم فشل الاشتراكية والرأسمالية ؟ سؤال يجيب عنه د سفر الحوالي في مقدمة كتاب “المسلمون والحضارة الغربية”