كتاب: القول المأثور في إحياء الصواب المهجور
هوية بريس – د. عبد العلي الودغيري
في عربيّتنا الفُصحى كثيرٌ من الكلمات التي وقع هَجرُها والتنازُل عنها للعامة، أو نسيانُها وإهمالها بالمرّة، لسببٍ من الأسباب المتعدِّدة. منها: كثرة التداوُل الذي يؤدي إلى الإسفاف والابتِذال. ومنها ما تكتسبُه بعضُ الألفاظ من دلالات وإيحاءات جانبية سَلبية لا يحسُن بسببها استعمالُها في مقامات معيَّنة. وقد يأتي في العربية لفظان من لهجتين متساويتين في الفصاحة، لكن الاستعمال يُغلِّبُ واحدًا منهما على الآخر الذي يُترَك إذ ذاك ويُهمَل، ويعتقد مَن لا علمَ له أن المشهور هو الفصيح أو الأفصح، والحقيقة غير ذلك. فكثيرًا ما يشتهر الخطأُ ويَشيعُ اللحنُ، حتى يُعتقَد أنه الصوابُ. وكثيرًا ما يَنحَسِر الصحيحُ الفصيح، أمام بَهرجة الزائف ـ وللزائف، كما تعلمون، بَهرجة وصَولةٌ وأجراسٌ وطُبولٌ ـ ويَتراجع إلى رُكنٍ قَصِيٍّ، يَغمُره الجهلُ ويُغطّيه النِّسيانُ وسوءُ الفهم. يؤثِر السلامة على خوض المعارك الخاسرة.
الشهرةُ حُظوظٌ، يا سيدي، في ألفاظ اللغة كما في غير ذلك من شؤون الحياة. فلا تعتقد أن كل مشهور محمود، وأن كل مهجور مَذموم. ليست هناك علاقةُ تلازُمٍ في كثير من الأحوال، بين الشهرة والصِّحة والصواب، أو الشهرة والجودة، وإنما هي أمورٌ تحصل لأسباب كثيرة خارجة عن منطق ما ينبغي وما لا ينبغي. للشهرة منطقُها وأسبابُها الخاصة، وأغلبُها غيرُ موضوعيّ.
بين يديَّ سِفْرٌ جميلٌ لطيف، أعودُ إليه بين الفَينة والأخرى، يعالج جوانب لها صلةٌ بهذه القضية.
كان من وحي الطبيعة الخلاّبة على ضفاف نهر أُمِّ الربيع وسُفوح الأطلس الأَشَمّ. كُتبتُ أوراقُه هناك، لكن الرياح حَمَلتها بعيدًا لتنشُرَها على شاطئ الخليج في الكويت. وصاحبُه صديقٌ عزيز محبوب، له إشعاعُه وتأَلٌّقُه، وعِشقُه الكبير للغة الضاد، وتعلُّقُه المعروف بالفُصحى وكلماتِ الفُصحى، وأسلوبُه الخاصّ في الكتابة، وأناقتُه التي اشتَهر بها في اختيار الألفاظ والتراكيب والعبارات.
أَنصحكمُ بقراءة هذا (القول المأُثور في إحياء الصواب المهجور)، لأخينا الأستاذ اللغوي الأديب المُربِّي عبد الله آيت الاعشير، زاده اللهُ علماً ويَقينًا، وبياناً وإتقانًا. وإشعاعًا وأَلَقًا.