كتاب جديد للدكتور لطفي الحضري بعنوان: التحكم الجيني والرفاه النفسي

هوية بريس – متابعات
صدر حديثا للدكتور لطفي الحضري، أستاذ جامعي متخصص في علم النفس المرضي والتواصلي ومؤسس علم النفس الفطري، كتاب جديد بعنوان التحكم الجيني والرفاه النفسي.
وأورد المؤلف تعريفا بالكتاب:
يفتح مجال التحكم الجيني آفاقا واعدة في مجال الصحة النفسية، وذلك لما يؤكده من تأثير البنية الفكرية والعاطفية على الأمراض النفسية، فهو يقدم بطريقة علمية وتجريبية للمعالج والطبيب النفساني مشروع الاشتغال على التعبيرات الفكرية والعاطفية بطريقة إيجابية، وهذا يساعدنا على وضع تقنيات إجرائية لتغيير التشفير الجيني، والتعبيرات الجينية.
وهكذا فإن هذا العلم يُفرق بين الإرث الجيني الذي لا يمكن تغييره، والذي يمثل 2 % فقط، وبين الإرث الجيني الذي يمكن تغييره، وهو يشكل 98%، وللمريض والمعالج في إطار المسؤولية المشتركة، أن يشتغلا على هذه الجينات لتشكيل “الدنا” ADN، ودفعها إلى تغيير المعلومات الجينية بطريقة إيجابية، وعليه فيصبح المشروع الأول -في اعتقادي- هو الاشتغال على الرغبة لتفعيل الحافزية العلاجية، لأن الرغبة ترسل رسائل جديدة إلى “الدنا” وبهذا السلوك الفكري والعاطفي يمكن “للجين” أن ينفتح ليتقبل هذه المعلومات الجديدة وكتابتها عليه، للمساعدة على العلاج النفسي وتطوير القدرات.
قاعدة”: دمج الفكر مع العاطفة ترتقي بالإنسان إلى الاعتقاد”.
مسلمة: “الاعتقاد أساس التغيير”.
يعتبر مفهوم “التحكم الجيني” من المفاهيم الجديدة التي لها تأثير كبير في الميدان الطبي عموما، وعلى العلاج النفسي خصوصا، وتطبيق هذا العلم الجديد ينتج طاقة كبيرة للتغيير:
- تغيير السلوك،
- تغيير الأفكار،
- تغيير الأحاسيس،
- ومن ثم خلق الاعتقاد،
وأهم عنصر في هذا المفهوم، والذي يرتبط مباشرة بالعلاج النفسي، هو عنصر مسؤولية التغيير، حيث أن التحكم الجيني يضع الإنسان أمام مسؤولية ذاتية، حول ما يصيبه من أمراض نفسية، وعضوية. ثم مسؤولية البحث عن العلاج والمسؤولية المباشرة في العلاج.
إن تطور العلم في العصر الحديث يتجه إلى فكر نسقي، يتجاوز تجزيئ الإنسان إلى ما هو نفسي وعضوي، وهكذا فإن التحكم الجيني كعلم جديد يرسخ هذه المنظومة النسقية، ويدفعنا إلى التعامل مع ذات الإنسان على المستوى العضوي والنفسي والروحي، ككائن واحد يؤثر فيه كل جوانبه الخِلقِية.
وهكذا فإن “الدنا ADN” التي تُشكل محور الإرث الجيني، والتي تشكل كذلك الإنسان في تطور حياته، تصبح قابلة للتعبير والتشفير، وقابلة لأن تتأثر بالمحيط، وخاصة المحيط النفسي، أي أن الأفكار والعواطف ومن ثم القرارات التي نتخذها تشكل معلومات جينية تدمغ في “الدنا”. وهكذا تصبح صحتنا النفسية مرتبطة بهذه المنظومة النسقية.
ويأتي عملنا هذا لتوضيح هذه الصيرورة النفسية والعضوية لنعالج من جهة تأثير البيئة النفسية على تعبيرات الدنا، ومن جهة أخرى، نحاول أن نبرز أهمية الاشتغال على الحافزية العلاجية.
يُشتق “إبجنتيك Epigénétique” من كلمة الإغريقية القديمة Epi والتي تعني فَوق، ومن كلمة génétique وتعني الميدان البيولوجي الذي يدرس الميكانيزمات التي تؤثر في “التعبيرات الجينية”. وتشير أيضا إلى فوق بمعنى المجال الخارجي والبيئي.
وقد تُرجم هذا المصطلح إلى “التحكم الجيني”، والذي يعني أن هناك عناصر خارجية عن الجِين تؤثر وتتحكم في التعبيرات الجينية، ومن ثم في تعبير التشفير الجيني.
يقول الدكتور “جويل روزناي ” إن التحكم الجيني علم ثوري، سيغير مفاهيم العلاج النفسي والعضوي، فهناك ظواهر عديدة تؤثر في التعبيرات الجينية، مثل ظاهرة “بوليفينزم ” وعلاقتها بالبيئة، مثل: تغير لون الثعلب القطبي الذي يتغير لونه في فصل الشتاء إلى لون أبيض. وهذا يعني أن التحكم الجيني هو تدبير في النمط الجيني يؤثر على النمط الظاهري .
فما سبب تغير البصمة الجينية؟
إنه التغيير الجيني البيئي الرباعي المنفذ:
- الحالة النفسية،
- طريقة التغذية،
- مجال التلوث،
- منظومة الحركة،
يَدرس التحكم الجيني التغيرات في التعبيرات الجينية تحت التأثيرات المباشرة للبيئة الفرد. إن “الدنا” تتكون من 2% من الجينات التي تسمى “بالجينات المشفرة”، وهذا ما يعطي للإنسان الصورة التي نحن عليها: الجنس، لون الشعر، لون العيون، القامة، الشخصية ….، ويبقى السؤال المهم والخطير جدا، ما دور 98% من الجينات الباقية؟
- هل هي جينات زائدة؟
- هل فعلا ليست لها أي وظيفة؟
- وهل تم تجاوزها في مسار التطور الإنساني حسب نظرية التطور؟
إن نظرية التطور تُفسر –عند عجز الفهم- كل العناصر الموجودة في داخل الإنسان بأنها أشياء زائدة.
أي أن الإنسان في تطوره من سمكة إلى … إلى … إلى … قرد إلى إنسان، ثم تجاوز بعد الأشياء بداخله، وأن هذا التطور “الانتخاب الطبيعي العشوائي”، جعل بعض أنواع الخَلق، ومنها الإنسان يحتفظ ببعض الأعضاء، ولكنها غير صالحة له، ولا وظيفة لها. ويقول التطوريون بأن هذه الأعضاء الزائدة والغير الصالحة سيتم تجاوزها لاحقا، وذلك استنادا لمبدأ التطوري: الطفرات العشوائية.
مسلمة: “لا زيادة ولا نقصان في الخَلق”.
ولهذا فإن الاسم الذي كان يُعطيه التطوريون ل 98% من الجينات المكونة “للدنا” هو “جينات القُمامة “.
ولكن مع هذا العِلم، أصبحت هذه “الجينات القمامة” !!!، تُكون مع 2% من الجينات الأخرى “الدنا”، وأصبحت لها وظيفة مهمة جدا، وهذا ما يهمنا نحن في العِلاج النفسي. إذ، أن هذه الجينات صار لها دورا رئيسا في تكوين “الدنا”، ومن ثم في تكوين الشخصية وبنائها، وهذا البناء يتم من خلال:
- الظروف النفسية،
- الأفكار،
- المشاعر،
- المعتقدات الروحية،
إن العناصر الآنِفة الذكر تشكل مع التغذية والتلوث 98% من “الدنا”، وهكذا أصبح من الممكن تغيير “الدنا” أو تَغيير التَعبير الجيني، ومن ثم تَغيير البناء النفسي، والصحة النفسية، وهذا الذي أسميه “بالمسؤولية الجينية”. وفي هذا السياق يحدد “هلين جنيس” المعنى العام للتحكم الجيني .
الصحة النفسية بين المسؤولية والجبرية الجينية
تَغيير منظور المتخصصين النفسانيين والأطباء للمرض على العموم وللمرض النفسي على الخصوص بتوجيه هذا العلم الجديد المسمى “التحكم الجيني”، حيث أصبح المتخصصون يشتغلون على تغيير التعبير الجيني. وهذا يعني إمكانية الاشتغال والتأثير على “الدنا”، وهو الشيء الذي كان يعتقد من قبل بأنه مستحيل. ويتجلى هذا الاشتغال في إمكانية تغيير التشفير الجيني.
وهذا سيغير من مفهوم المسؤولية الجينية المرتبط مباشرة بالعلاج النفسي.
فلطالما سمعت في العيادة كلام مثل:
₋ “لقد انتهيتُ، أنا لن أُشفى”،
₋ “إن والدي مات بسبب هذا المرض، وأنا سأموت أيضا بنفس المرض”،
₋ “الاكتئاب موجود في عائلتي، ولهذا إني أُصبت بهذا المرض”،
₋ “أبي يُعاني منذ سنوات بالفصام النفسي، وأنا بدأت أعاني منه”،
₋ “إني لا أستطيع تغيير الظروف ولا يمكنني تغيير مرضي”،
₋ “إنني ممسوس بالجن، فلا يمكن أن أُبرأ من هذا المرض”،
₋ “إني مريض ومصاب بالسحر، والسحر لا يمكن إزالته، ولا حل”،
ونحن نسمي هذه الأقوال: “بالجبرية المرضية”.
ونناقش في هذا الفصل “الجبرية المرضية” في مقابل “المسؤولية المرضية”، بل إن هذه الجبرية المرضية لا توجد فقط عند المرضى بل إن الأطباء أيضا قد يعانون من هذه الجبرية المرضية، من خلال مقولات مثل:
₋ “ليس هناك علاج لمرضك”،
₋ “مرضك هذا مرض مزمن”،
₋ “هذا الدواء ليس للعلاج، بل هو فقط يساعدك على التعايش مع المرض”.
وكم كنت أرفض هذه المقولات لتأثيرها النفسي على المريض، وكما عاينت في العيادة مرضى يشتكون من هذه المقولات أو “الوصفات الطبية المتشائمة”، والتي يعتبرونها سببا لإحباطهم العلاجي. وهذا يزيد من حدة الألم، ويخفض من التأثير الإيجابي للدواء .
موقفي يستند إلى مراعاة الملاحظات التالية:
- نلاحظ إكلينيكيا التأثير السلبي لذلك النوع من الكلام على الصحة النفسية للمريض. والمتخصصين يعلمون تأثير الحالة النفسية والمزاجية على فعالية الدواء.
- يوجد العلاج في عنصر أخر للحياة: الغذاء، الأعشاب، الحجامة، الطين، … إلى غير ذلك.
- العلاجات “المفاجئة” لكثير من الأمراض التي كانت تعتبر غير قابلة للعلاج،
- إذا عدنا إلى مرجعيتنا الإسلامية، نجد أن رسول الله ﷺ يقول: “ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه جهله من جهله”. أي أن الله عز وجل حَيَّنَ نزول الداء مع الدواء. وكان هذا الاعتقاد يجعلني دائما، لا أومن بالمرض المزمن … أي أن هناك دواء، قد لا يكون متاحا عمليا الآن، ولكن أمل الشفاء مهم جدا في الصيرورة العلاجية.
تأثير التحكم الجيني على الأطفال
إن التغييرات في صيرورة التحكم الجيني تَبقى ملتصقة بالذاكرة البعيدة المدى، بسبب بعض “البصمات الجينية المستقرة”، ولهذا فعند الانفتاح الجيني أو إغلاقه، يمكن أن يظهر آثار البصمات ولو بعد سنوات وهو بذلك ينتقل إلى الأجيال اللاحقة، بمعنى إمكانية انْتقال تأثيراتها الإيجابية أو السلبية إلى الأجيال القادمة.
إن التحكم الجيني كعلم يدعوا إلى:
- الاهتمام بالذات،
- تحمل المسؤولية أمام الأجيال القادمة،
مسؤولية “الأخذ والعطاء”: ما تأخذ يجب أن يُكرس عندك وجوب العطاء: لنفسك، لأبنائك ولأحفادك. وأيضا إلى مجتمعك وأمتك. إن الأطفال هم مستقبل الأمة.
قاعدة: “مستقبل أمة أطفالها أصحاء، يكون مختلفا عن أمة أطفالها مرضى”.
الجبرية البيولوجية
الإحساس بعدم القدرة على التغيير، هو نتيجة لتمثلات، أصبحت خاطئة بعد ظهور هذا العلم: “التحكم الجيني”. ولا يخفى على المتخصصين في علم النفس أهمية التمثلات في العلاج النفسي، إذ أن الإنسان يقبع حبيسا في تمثلاته المرضية، وهذا لا يساعد في الصيرورة العلاجية.
إن استشعار الضعف والعجز أمام المرض أصبح بفضل هذا العلم متجاوزا، وأصبحت مسؤولية المريض ومسؤولية الطبيب واضحة، وهذا يزيد من حجم المسؤولية العلاجية. ولكنه يفتح آفاق واعدة في العلاج العضوي والنفسي.



