كفروني كفروني
حامد الإدريسي – هوية بريس
للإلحاد رعشة ممتعة، لسعة لذيذة تنساب في الضلوع، حين يحس صاحبها أنه يتحدى المجتمع ويتجاوز الممنوع، لا سيما إن اجتمعت لخرجته الجموع، فيبادر الشيطان إلى إلباسها لبوس الشجاعة، وما هي إلا فقاعة، ويغلفها له بغلاف الفتوة، وما هي إلا ضرطة في كوة، فيزيد صاحبنا عند ذلك من شدة الوقيعة، ويرتفع الأندرالين مع كل تقليعة، وينغمس في الإثارة، على قدر ما يثير من شرارة، ويرفع العقيرة، على قدر ما ترتفع حوله الوتيرة، ويزيد في الضرار على قدر ما ينقع من غبار، حتى يتحول ذلك منه إلى إدمان، نعوذ بالله من الكور والحرمان…
ثم تنتهي به الغاية، إن كفّره أحد من أهل العلم والدراية، فعند ذلك يشق الصدار، ويرفع الشعار، ويلبس لباس المظلومية، ويبرز اسمه في الصحف المحلية، فيكون قد أتى النجومية من بابها، وأخذ للعلمانية بأسبابها، فيلتف حوله بنو علمون، ويحمون له الأتون، ويصرخ وسطهم في جنون: كفروني كفروني، ومن ملة إبراهيم أخرجوني، وعن الجنة قد منعوني، فيخيطون منه قميص معاوية، ويشنون به حملتهم الغاوية، ثم يتخلون عنه كقربة خاوية، بعد أن حققوا به الهدف، وباعوا به عددا من الصحف، ثم يصرفون عنه الأنظار، ويولون عنه الأدبار، ويتركونه فريسة الليل والنهار.
وأما صاحب الحظ الموفور، فهو الذي يبلغ إلحاده ما وراء البحور، فتتلقفه المنظمات المعلومة، وتصنع منه ثغرة في جسد الأمة، وتعمل به ما عملت بالطالحين من قبله، فتهدم به ركنا من أركان الدين، وتفتن به المسلمات والمسلمين، وتخلق منه بلعام بن باعوراء، وتدعمه من الأمام والوراء، وتجمع له الأبواق والأضواء، فتطول في الفتنة مدته، وترتخي في اللجاجة آلته، ويصيب شيئا من لعاعة الدنيا، ثم تدور عليه دائرة الأولين، ويصدق فيه قول الله تعالى ((أو كالذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين)) ويصير كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، قد اقتات من دينه لدنياه، فأغواه الشيطان وألهاه، وأضله وما هداه.
فليحذر الصالحون من تكفير هؤلاء، فيعطوهم بذلك شارة بين السفهاء، وما هم إلا قشة في غثاء، نسأل الله السلامة والعافية، وأن يحينا على السنة، ويدرأ عنا شر الفتنة، إنه سميع مجيب.