كفى تشهيرا بخلق الله!

كفى تشهيرا بخلق الله!
هوية بريس – اسماعيل الحلوتي
بامتعاض شديد، صرنا نسجل ما يحدث خلال السنوات الأخيرة من اتساع في رقعة الأشخاص الذين يستهويهم الانشغال بعيوب الآخرين أكثر من عيوبهم الشخصية، والتشهير بحياة الناس الخاصة كلما سنحت لهم الفرصة بذلك. إذ لا حديث بين المواطنين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الأيام الأخيرة، سوى عما اعتبرته إحدى المواقع الإلكترونية فضيحة أخلاقية كبرى حول “خيانة زوجية”، حيث تم توقيف ممثلة ومؤثرة مغربية رفقة شخص متزوج وفتاة أخرى من قبل الأمن الوطني يوم 27 غشت 2025 بمدينة الدار البيضاء، على خلفية شكاية تقدمت بها زوجة الشخص الموقوف…
وفي ذات السياق، يشار إلى أنه تم ضبط الموقوفين الثلاثة داخل شقة بمنطقة عين السبع-الحي المحمدي وهما في حالة سكر، ما أدى إلى تدخل السلطات المعنية، ووضعهم جميعا تحت الحراسة النظرية، بناء على ما أصدرته النيابة العامة من تعليمات، في انتظار تقديمهم أمام العدالة بعد استكمال مرحلة البحث والتحقيق. فإلى هنا يبدو الأمر عاديا وغير ذي أهمية بالغة، مادام هناك العديد من الملفات المعروضة أمام المحاكم حول مثل هذه الجرائم المنتشرة في المجتمع المغربي، التي تندرج ضمن المواد القانونية المرتبطة بحماية الحياة الزوجية والنظام العام.
بيد أن ما ليس عاديا ولا طبيعيا هو ما تعرضت له الممثلة الموقوفة وحدها من تشهير خطير، حيث غزت صورتها منصات التواصل الاجتماعي مرفوقة بتعليقات جارحة، دون الإشارة أو التشهير بالشخص أو الفتاة الأخرى المرافقين لها، مما أثار جدلا واسعا حول ما إذا كان الأمر يتعلق بتصفية حسابات، أو أن المرأة وحدها من تتحمل دائما وزر الفضائح الأخلاقية أو الجنسية، وخاصة إذا كانت ذات شهرة كبيرة في المجتمع، كما هو الشأن بالنسبة للشابة المعتقلة (غ.ع) التي تحظى بمتابعة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، وشاركت في عدة أعمال فنية وتلفزيونية مغربية.
فلا بأس هنا من أن نستحضر للعبرة قوله عليه الصلاة والسلام “من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”، وتلك القصة الشهيرة التي وردت في كتاب الإنجيل، تحكي عن استقدام قوم عيسى عليه السلام امرأة متهمة بالزنا، ومطالبته بإنزال عقوبة الرجم في حقها وفق ما تنص عليه شريعة سيدنا موسى عليه السلام، لكنه أبى إلا أن يرد عليهم بالقول: “من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بحجر” ولما انفض الجمع من حوله، دعا المرأة إلى أن تنصرف هي الأخرى إلى حال سبيلها، على ألا تعود ثانية لارتكاب الخطأ.
ترى هل يعقل والحالة هذه أن تقاد حملة رقمية واسعة ضد الممثلة الشابة قبل حتى نهاية مرحلة البحث والتحقيق، ودون معرفة سبب اختلاء ذلك الشخص المتزوج بها في شقة وليس بمقهى، إن كان ذلك من أجل مشروع عمل فني يجمع بينهما أو لإشباع غريزتهما الجنسية في إطار علاقة غير شرعية؟ ثم ما السر في وجود تلك الفتاة الأخرى معهما؟ وكيف سمح أولئك المتطفلون لأنفسهم بتمريغ سمعتها في الوحل؟ إذ ليس من المقبول أخلاقيا ولا دينيا ولا قانونيا أن يتم التشهير بخصوصيات الناس والمس بأعراضهم وخدش صورهم، دون أي اعتبار لما يترتب عن انتهاك كرامتهم وحرمتهم في واضحة النهار من آثار نفسية عميقة عليهم وعلى عائلاتهم يصعب علاجها والتعافي منها مهما طال الزمان، ولاسيما عندما يتحول هؤلاء الضحايا إلى فرجة للعادي والبادي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي
فنحن هنا لا نرى أي فرق كبير بين هذه الواقعة التي تم فيها عرض صور هذه الشابة الشخصية والتشهير بحياتها الخاصة بواسطة السلاح الإلكتروني، وتلك التي تم فيها استعمال “شرع اليد” في مدينة الرباط، كما هو موثق بالصورة والصوت في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع سنة 2023، حيث أظهر المقطع مشاهد الاعتداء الوحشي الذي تعرض له الضحية من طرف بعض جيرانه في العمارة، لا لشيء سوى أنهم يرفضون بشكل قطعي أن يستقبل شاب غير متزوج فتاة بشقته، بدعوى أن السماح بمثل هذا السلوك من شأنه الإسهام في إفساد أخلاق بناتهم وأبنائهم؟
والتشهير في التشريع المغربي هو نشر أو توزيع تصريحات أو أخبار كاذبة، تمس بسمعة الآخرين وحياتهم الخاصة دون إذنهم، ويعتبر من أخطر الجرائم التي يعاقب عليها القانون، لما يشكله من تهديد لحقوق الأفراد وسمعتهم في المجتمع. وينظم القانون هذه الجريمة في عدة نصوص، لحماية الأفراد من التشويه أو المساس بكرامتهم عبر مختلف الوسائل، بما فيها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي…
إننا إذ ندين بشدة مثل هذا السلوك الأرعن الذي يتنامى في مجتمعنا بشكل لافت ومستفز، ندعو السلطات المعنية إلى ضرورة التدخل العاجل لوضع حد للتسيب القائم، والضرب بيد من حديد على تلك المواقع الإلكترونية، التي أصبحت تقود حملات تشهير هوجاء بالأشخاص والمس بشرفهم والحط من كرامتهم دون حسيب ولا رقيب، غير عابئة بما لذلك من عواقب نفسية واجتماعية وخيمة على الضحايا. في حين أن المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، نصت على أنه: “لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، أو في شؤون أسرته، أو مسكنه، أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات”



