كلمة الأستاذ بنكيران.. قراءة في الخطاب ودوافعه..
هوية بريس- محمد زاوي
خلفت كلمة الأستاذ عبد الإله بنكيران، بمناسبة “انتخابات 8 شتنبر”، الكثير من ردود الأفعال. فتوزعت المواقف منها بين مؤيد ومعارض، كما تكون كلمات الزعماء دائما. وذلك، لأن الزعيم يمثل الجميع، ويدافع عن مصالح الجميع، وكثيرا ما يُوَظَّف بعض هذا الجميع على النقيض من خطابه، جهلا أو طمعا.
ولأن كلمة الأستاذ بنكيران لا تخلو من رسائل ودلالات، فقد كان لزاما علينا الوقوف بالتحليل عند أهم ما جاء فيها، وهو كالآتي:
1-نبه ذ. بنكيران، في أول كلمته، أن تدخله بخصوص “انتخابات 8 شتنبر” كان بإقناع من أحد “أصدقائه غير الإسلاميين”. فكان الالتماس واضحا من طرف “الصديق”: “لا بد أن تبدي موقفا من الحاصل”. ليس أمامنا إلا معطيين للتحليل: صديق يلتمس من ذ. بنكيران التدخل في هذا الوقت بالذات، وهو صديق من خارج حزب “العدالة والتنمية”. يفيد المعطى الأول احتمالين: تراكم ما يصدر عن أحزاب “الأموال” من إفساد للعملية الانتخابية بالمال الوفير، وجود جهة ما لا يروقها هذا السلوك باعتباره سلوكا منافيا لما راكمه المغرب من سمعة ديمقراطية على المستوى الدولي/ أو باعتباره سلوكا يعزز نفوذا ما أكثر من اللازم. ويفيد المعطى الثاني ثلاثة احتمالات: أن يكون المتصل حريصا على تقدم معركة الانتقال الديمقراطي إلى الأمام، أن يكون حريصا على حفظ التوازن الداخلي بين أطراف معركة “الصناديق”، أو هما معا.
2-أكد ذ. بنكيران، في معرض كلمته، أنه لم يكن يريد أن يتكلم أثناء الحملة الانتخابية ل”انتخابات 8 شتنبر”، كما أنه لم يدع إلى التصويت على حزب “العدالة والتنمية” طيلة كلمته (بالرغم من أن تصويته على “الحزب” دعوة مبطنة، من زعيم، للتصويت عليه). وهذا تأكيد منه لعدم رضاه على حصيلة “حكومة العثماني”، ولا على حصيلة “الحزب في عهده”. وكأنه يريد القول: “أنتم أصحاب هذه الحصيلة، فلتستعدوا للدفاع عنها، وإني لأنأى بنفسي عن تبييض وجوه اسودّت منذ البداية”. إنه يفصل بين مرحلتين، بين قيادتين، بين أطروحتين، في أفق مستقبل قد يعصف بالأطروحة الحالية.
3-وفكك ذ. بنكيران، في ذات الكلمة، البنية الدعائية لحزب “التجمع الوطني للأحرار”، والتي لخّصها في:
- المال: فقد صرفت الأموال على اللوجستيك والتنقل والإعلام والتنشيط ووسائط التواصل، قبل الحملة وأثناءها، حتى ظننا أننا في ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يدعم “الرأسمال المالي الأمريكي” ممثليه ومرشحيه في الانتخابات بالمال الوفير.
- الإعلام: والواضح أن جل “المواقع الإلكترونية” قد جعلت من “أخنوش” بطلا لها، كما جعلت من حزب “الأحرار” منقذ المغاربة من الضلال. صور رمز “الحمامة” وصاحبها “أخنوش” في كل مكان، ولا داعي لتسمية المواقع التي مارست الدعاية باحترافية في هذه الانتخابات لصالح حزب واحد، ولا داعي لذكر أوضاعها المالية التي جعلتها تفعل ذلك.
- التحليل السياسي: فهناك محللون أسماهم ذ. بنكيران ب”النكافات”، ينتجون تحليلات على المقاس، ويلبسونها “مرشحهم الوحيد” إذا كانت تصب في صالحه، أو يلبسونها “خصمهم الوحيد” إذا كانت تصب على النقيض من مصالحه. وعند أعتاب مصالحهم، انتهى نقاش: معركة الانتقال الديمقراطي، إصلاح الرأسمال الوطني، الواقع الاجتماعي للطبقات الدنيا (فلاحين/ عمال/ كدّاح… الخ).
- الفن (التمثيل/ الغناء): فالفنان، خاصة في زمن الفوضى وضياع المعنى، يؤدي لمن يدفع أكثر. وإذا أذاقته الفاقة من آلامها، فإنه سيعمل لصالح “حزب الأحرار” كما يعمل لصالح “شركة الكونفيتير”. وكم من الأحزاب شركات..
4-كما ذكر ذ. بنكيران المغاربة بمعركتهم على النقيض من “رأسمال عزيز أخنوش”، هذا الرأسمال وغيره، هو المطالب اليوم بإصلاح بنيته وأساليب عمله، لعل أبرزها تسوية أوضاع العمال وتحسينها. لا بد من دعمه على النقيض من الرأسمال الأجنبي، إلا أن تناقض الطبقات الدنيا معه تناقض موضوعي، ولا بد أن تضغط هذه الطبقات لتنتزع بعض حقوقها منه، ليس على عجل، ولكن بحكمة ووعي كلي. فمن غير المقبول أن تصوت الجماهير التي تعيش تحت وطأة الاستغلال الرأسمالي أن لصالح الرأسمال الذي يستغلها، إذن. ولكن، فليصوت البورجوازي على مثيله، ولتصوت الطبقات الدنيا على من يمثلها ويدافع عن حقوقها ومصالحها بحق. هذا هو التناقض الاجتماعي الذي أريد له أن ينطمس في هذه الانتخابات.
5-ركز ذ. بنكيران أيضا على علاقة الزعيم بالشعب، وما تلعبه تلك العلاقة في اتخاذ قرارات مؤلمة، أو في سياقات مباغتة. ليس “أخنوش” بالرجل الصالح لذلك، لأنه لم يخرج من رحم الطبقات الدنيا، ولا من رحم الطبقة الوسطى، والتي هي ذات قابلية للوعي بمصالح الطبقات الدنيا كما هي ذات قابلية للانتهازية والدفاع عن مصالح البورجوازية. ولذلك فهو غير مهيأ لقيادة الشعب، بقدر ما هو مهيأ لتنمية الرأسمال الداخلي، لصالح الدولة، والمجتمع إذا تقدمت معركة التفاوت الاجتماعي إلى الأمام.
6-ودعا ذ. بنكيران إلى ممارسة المعركة الانتخابية في إطار الاستقرار والملكية الدستورية (لا البرلمانية)، مبرزا ما يوليه من أهمية لقوة الدولة، وما تحمله عراقة الدولة العلوية من دلالات. وكل هذا وضع خطاب ذ. بنكيران على النقيض من “خطابات المقاطعة والتيئيس”، درءا للفتن وقطعا للطريق على كل متربص باستقرار الوطن.
ختاما، نقول:
المغرب في حاجة إلى كل طبقاته الاجتماعية، على النقيض من الاستعمار. ولكن لا بد من تمايز، على النقيض من التفاوت الاجتماعي، وحتى تتقدم معركة الانتقال الديمقراطي إلى الأمام، وحتى ينتهي “المسخ”.