كلمتي بحفل تكريم الأساتذة المتقاعدين بالثانوية الإعدادية علال الفاسي

08 يونيو 2024 16:22
الاعتداء على أستاذ حراسة بسلا، وهذا بلاغ المديرية الإقليمية والإجراءات التي اتخذتها

هوية بريس – لطيفة أسير

بسم الله وكفى.. وصلى الله على نبيه المصطفى وعلى الآل والصحب ومن بهديهم اقتفى.

كثيرا ما تشكو أقلامنا العِيّ والحصر حين يهتف بها نداء الواجب، وما ذلك إلا لأنّ بعض المناسبات لا تكاد تفي الكلمات بحقها، لعظمها أو عظم المحتفى بهم. ولعلّ حفلات تكريم الأساتذة من هذا القبيل، لأنّ الحديث عن فضل هذا الكائن المقهور (الأستاذ)، يلزمه مجلدات تدون لحظات كفاحه وتخلد جلده وصبره، لا كلمات تدبَّج سريعا لتختزل مساره التربوي والتعليمي. ولكن كما يقال (ما لا يدرك كله لا يترك جله).

أساتذتي الكرام.. أستاذاتي الكريمات .. يا من أفنيتم زهرة شبابكم بين السبورة والطبشورة دون كلل ولا ملل ، يا من سعيتم لغرس بذور الفضيلة والصلاح في أجيال عشقتم أن تروها تتبوأ أسمى المراتب ، يا من تعاليتم على كل الإكراهات ووقفتم بشموخ حتى تمام المسير ، يا مَن حفظتم وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم وأيقنتم أنكم حاملو مشعل الخلافة في العلم والعمل بعد الأنبياء والرسل. يا من أيقنتم أن (التعليم أداة معرفة إنسانية إسلامية، أصلها ثابت في جذور الأرض وفرعها سابح في هواء السماء).. إليكم أخط هذه الكلمات وأخاطب قلوبكم الطيبة وعقولهم النيرة وأقول:
ماذا بعد الستين؟

ارتبط -أساتذتي- سن الستين في حياة الموظف الحكومي بالتقاعد.. والتقاعد عند الكثير منا مرادف للتقاعس والجلوس بيأس وقنوط في انتظار هادم اللذات .. توقف العمل يعني توقفت الحياة .. توقف العمل يعني انقطعت العلاقات التي سعينا عقودا لتأسيسها .. توقف العمل حان الوقت للانطواء بعيدا عن الحياة .. فعلا أضحى التقاعد مقبرة الموظف .. مقبرة جماعية ترمى فيها كل سنة آلاف الجثث الحية فتنسى و تطوى صفحاتها دون التفكير في إعادة استثمارها أو الاستفادة من خبراتها التي راكمتها طيلة سنوات ..قد تكون صورة ‏تحتوي على النص '‏علال الطي الفاسي مولايرشید 2024 حفل حفل_نکریم تکریم الأ الأساتذة المتقا المتقاعدین عدين‏'‏

إن فكرة التقاعد فكرة حديثة في تاريخ الجنس البشري فقبل القرن التاسع عشر “لم يكن هناك وجود لساعات العمل ولا سن التقاعد.. الناس يعملون ما داموا قادرين على العمل ” .. وهذا ما ينبغي أن نغرسه في أنفسنا لنغير تلك النظرة المتشائمة لسن التقاعد .. فالإنسان لا يقاس بعمره.. وعمر الإنسان ليس دائما مرآة لحقيقته ، فشبابنا اليوم شاخت أرواحهم قبل أبدانهم، وباتوا يتنفسون الحياة بشق الأنفس، ويبتلعون أيامهم على مضض حتى قبل بلوغ الستين .. فعش حياتك أيها الستيني ” دون أن تقلق بشأن تدهور مهاراتك أو قدراتك العقلية مع التقدُّم في العمر، فهناك قدرات لا تصل إلى قمَّتها إلا بعد الخمسين، وأحيانا بعد الستين من العمر. وربيع عمرك الحقيقي ستحياه بعد الستين ..

التقاعد فرصة الإنسان الذهبية للتحرر من قيود الوظيفة ، فرصة لكسر الأغلال التي كبلته طيلة مساره المهني ، فرصة لالتقاط أنفاسه في هدوء تام بعيدا عن ضجيج هذه وذاك .. فرصة لكسر روتين العمل وتجديد خلايا الحياة التي كادت تَزهق تحت وطأة الضغوطات المهنية والنفسية.

وقد اعتبر د. . محمد حسن غانم – أستاذ ورئيس قسم الصحة النفسية بجامعة حلوان – ” أن هذه المرحلة تعد أهم وأخصب مرحلة في حياة الإنسان من حيث الخبرة وسهولة تسيير الظروف، ولكن الأهم ألا يسمح هذا التغيير للتأثير السلبى على التفكير والمعيشة والعلاقات مع الآخرين، بل يصبح صاحب المعاش أكثر فاعلية وعطاء للمجتمع والإسهام بجهده وخبرته في مواقع الأنشطة، فيتجه للعمل في أي مجال يتقنه، أو إقامة مشروع خاص يستطيع إدارته أو يتجه للعمل التطوعي بالجمعيات الأهلية أو المدارس التي تعانى عجزا في مجال تخصصه، مع وضع برنامج يومي ثابت لممارسة الرياضة العضلية أو المشي لمدة نصف ساعة على الأقل، ولقاء الأصدقاء وارتياد دور العبادة، وكذلك الاتجاه للأعمال الأدبية بالقراءة والتأمل ومتابعة الأحداث والأخبار، وإشباع رغبة الكتابة والتأليف ومحاولة إتقانهما”.

إذن أخي المتقاعد أختي المتقاعدة .. الحياة لا تنتهي بالتقاعد ..والعمل لا ينتهي بالتقاعد .. ولئن توقفت رسالة التعليم والتأديب في الفصل فهي مستمرة في شتى مناحي الحياة ، فواصلوا مسيرة كفاحكم بنفس راضية مقبلة على الحياة غير مدبرة عنها، وافتحوا أذرعكم لتنعموا بما حُرمتم منه في سالف أعوامكم.. وتذكروا أن ديننا الحنيف يحثنا على المضي قدما في درب العطاء لآخر نفس من أنفاسنا “إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ” .. نعم ليغرسها حتى وإن قامت الساعة بعدها .. هكذا علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نستمر في العطاء والانفتاح على الحياة مادامت أنفاسنا تسري في هذه الدنيا .. فنحن مسلمون ولا يليق بنا التقاعس وإن أجبرتنا الحياة الوظيفية على التقاعد .

هنيئا لكم أساتذتي بلوغ ربيع العمر الحقيقي.. ووفقكم الله لحسن استثماره كما أحسنتم استثمار ما قبله في أداء دوركم التربوي والتعليمي .. أساتذتي الكرام.. أستاذاتي الكريمات..

كل ركن تركتم به بصمة سيشتاقكم ..
وكل ثغر زرعتم فيه بسمة سيشتاقكم ..
وكل عين مسحتم عنها دمعة ستشتاقكم ..
وكل عقل أزلتم عنه شبهة سيشتاقكم ..
وكل فصل ألقيتم به كلمة سيشتاقكم ..
وكل مكتب أسديت فيه خدمة سيشتاقكم ..
لكن ما نسلّي به أنفسنا عن فراقكم أنكم ارتحتم من محنة الوظيفة ..
فعضوا على حمد الله بنواجدكم ..
ومسك الختام ألف سلام.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M