كورونا ارحل!
هوية بريس – د. علي كرزازي
أحبائي في زمن كورونا
اسمعوا وعوا
رأيت فيما يرى النائم:
” أننا فتحنا أعيننا في صبيحة يوم جميل على ” أصحاب الحال” وهم ينادون عبر مكبرات الصوت قائلين:” ابشروا أيها المواطنون الأعزاء، لقد رحل عنا ذلك العدو اللعين “كوفيد19” المدعو كورونا “، قتلناه بسلاح الحجر الصحي وبعبقرية فيلق أطباءنا الذين حفروا خندقا حال دون تسلله وانتشاره في مدننا”.
لم نصدق آذاننا وحسبنا أنفسنا في متاهة حلم جميل، وسرعان ما لفظت البيوت قاطنيها فخرج الجميع صغارا وكبارا، رجالا ونساء، الكل يهلل ويكبر ويعني والبعض يصدحون بالنشيد الوطني:” منبت الأحرار ، مشرق الأنوار…”. احتل الجميع الملك العمومي فاحتشدت الساحات والحدائق والمسارح والمقاهي ودور السينما بالناس، أصرّ الجميع على تطليق البيوت ، فما كان من الحكومة إلا أن أصدرت بلاغا مفاده:” أيها المواطنون الأعزاء ، لقد قررنا أن نسمح لكم بالعيش خارج بيوتكم مدة تعادل المدة التي قضيتموها في الحجر الصحي، وذلك نظير صبركم ومجاهدتكم،وسنوفر لكم كل ما تحتاجون إليه طيلة هذه المدة”.
هجر كل الناس منازلهم وافترشوا الأزقة والشوارع وجلبوا كل ما ادخروه من مؤن غذائية، وانطلقوا في مسيرة غير منقطعة من الأفراح، كان الأمر أشبه بفرحة الرجوع من المسيرة الخضراء، أو بالنشوة العارمة التي تعتري جماهير كرة القدم عقب انتصار المنتخب المغربي لكرة القدم…سقطت الفوارق الاجتماعية فجلس المسؤولون في تواضع إلى جنب البسطاء، والأغنياء والتجار جنب الفقراء و”الرميديين” وعمال القطاعات غير المهيكلة، الجميع يحتسي كؤوس الشاي المنعنعة ويأكل “كعب غزال” و”غريبة” على أنغام الأندلسي والملحون والأغاني الوطنية، وراح نعمان لحلو يجول في كل المدن شاديا بأغانيه التي أرخت لجائحة كورونا، فيما ‘وشّحت صدور الأطباء ورجال الشرطة وكل الفاعلين الذين ساهموا في تحقيق النصر الكبير على كورونا بأرفع الأوسمة، واعتبر ضحايا الوباء الوبيل شهداء الوطنية والشرف، فزيّنت قبورهم وحمل أهلهم جرار الماء لسقيها وأقيمت الصلوات للترحم عليهم.
وبعد أن أترعت القلوب بالفرح والبشر والسعادة، عادت أفواج المواطنين إلى بيوتهم، بعد أن قضوا أياما خالدة مشهودة لم يعرف لها تاريخ البلاد مثيلا، فخرجنا إلى مرحلة أخرى من الجهاد الوطني الأكبر، فشمر الجميع على ساعد الجد، فعادت الحياة إلى كل المرافق الحيوية، فانصلحت أحوال تعليمنا، وازدهر اقتصادنا، وتحسنت أحوال صحتنا، وقلّ عديد فقرائنا ومسجونينا وعمّ الرخاء والازدهار.
لكن، وفي يوم من الأيام أطل علينا كورونا برأسه المقيت من جديد، فغمر القلوب الفزع والرعب، ففرّ الجميع محتمين ببيوتهم، وظل كورونا يحوم في السماء ثم سرعان ما حمل مكبرا للصوت يكبر حجمه، فقال بصوت عال:” لا تخافوا يا بني البشر، لقد اختبرتكم واختبرتموني، وإنني لجد مسرور لما آلت إليه أحوالكم بعد غزوتي الأولى، أقبلوا على حياتكم، ولتتذكروا جيدا أنني أكره الوساخة والدناءة والتلوث، وأحب الطهارة والنقاء والنظافة، نعم النظافة: نظافة القلب والسريرة ونظافة اليد. سأرحل الآن …لكن حذار ! حذار ! فان عدتم عدت.”
أستميحكم عذرا أحبابي…فقد دقت رنّات المنبّه فأيقظتني من نومي، ولا أخفيكم أنني هذه الأيام لا أنام جيدا. الساعة تشير إلى التاسعة صباحا: عليّ أن أتناول فطوري والبس ثيابي بسرعة. لقد تأخرت عن عملي…ها هي ذي زوجتي تصرخ وأنا لم أتخط بعد عتبة الدار: ” لا تنس يا رجل أن تضع كمامتك وخذ جميع احتياطاتك”
هل فهمتم و وعيتم يا أحبابي؟ أتمنى ذلك حقا.