كورونا تطبيق للمقاصد الشرعية
هوية بريس – أحمد الصفريوي
في ظل هذه الجائحة التي أصابت البلاد والعباد لا يمكن إلا أن يكون من ورائها مقصد وحكمة، فالله سبحانه وتعالى لم يرد الإشقاق والإنعاث على عباده، والأدلة على ذلك لا تنحصر منها:
قوله تعالى: {ربنا لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا}.
وقوله أيضا: { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}
كذلك: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.
ومن القواعد الفقهية ” حيث ما ضاق الأمر اتسع”، ” الضرر يزال”.
إن هذا البلاء اختبار وامتحان، وثواب المكلف وجزاؤه، وهل يشكر المكلف ام يكفر؟.
فالشارع الحكيم رحيم بعباده المؤمنين، ورحمان بعباده كافة، ولكن هذه المصائب التي تلحق بالإنسان لم يلتفت إليها الشارع وليست مقصودة في أصلها، وإنما ليتحقق المقصد من خلق الإنسان من جهة، وكذلك تحقيق المقاصد الكلية المتعلقة بتصرفات الإنسان.
فاستخلاف الإنسان في الأرض غاية وجوده، إذ يجب أن يحسن هذا التكليف وتحمل المسؤولية.
ويمكن أن نلخص تلك الغائية في الابتلاء.
قال تعالى: { ليبلوكم أيكم أحسن عملا}.
وهذا الاستخلاف يشمل عدة جوانب..
ففي جانب العبادات: ما يتعلق بالصلاة، فالصلاة الجماعية أفتى المجلس العلمي الأعلى بغلق المساجد، وذلك حفظا لمقصد نفس الإنسان من الهلاك أو الزوال، وهذا نظر مقاصدي مصلحي يعتبر الأولويات في العبادة، فمفسدة إغلاق المساجد مقدمة على مصلحة نيل أجر الجماعة، لأن في عدم إغلاقها مفسدة راجحة، وجني مصلحة الأجر مصلحة مرجوحة، ومعلوم أن حفظ الأبدان مقدم على حفظ الأديان، لأن في حفظ النفس والبدن يمكن أن يحفظ به الدين وكذلك باقي المقاصد الضرورية، وهنا يظهر تطبيق المقاصد، واعتبار مراتب الأعمال، وفقه الموازنات، لتحصيل مصالح العباد في الدنيا والآخرة.
في هذه الجائحة أصبحنا نرى تطبيق هذا المقصد العظيم الذي يتضمن عدة معان منها:
1) ترقية الذات الإنسانية
والمتمثلة ترجمة تلك القوة التي منحها الله لعباده، من القوة إلى الفعل:
إما على المستوى الروحي بالتطهير: وذلك بتزكية النفس، وتطهيرها من الذنوب، وتنقيتها من المدنسات..
وإما على المستوى العقلي بالتفكير، وذلك بالتدبر والتفكر في صنيع الخالق عز وجل، ولنعلم أن لا إله إلا هو، وندعم اعتقادنا بهذه الجملة التي هي أصل التوحيد.
وإما على المستوى الإرادي بالتغيير، وذلك بالرجوع إلى الطريق الحق، ولنغير من سلوكياتنا السيئة، ونتوب توبة نصوح على كل ما قمنا به من زلات واخطاء..
2) ترقية الكيان الاجتماعي
وذلك يتم بالتعاون والتكافل والتحابب، الذي يوطد المشترك الديني، ويعزز المشترك الإنساني لشعب الله المختار، وهو ما أصبحنا نراه في مجتمعنا، الخير والمساعدات بكل أنواعاها تشمل المحتاجين والفقراء، وكثير من شرائح الطبقة البسيطة… وهذا الفعل يمكن أن ينتج عنه آثار إيجابية في المستقبل من أجل بناء كيان قوي يعول عليه في بناء نهضة إسلامية، وصحوة علمية معرفية لتحقيق الشهود الحضاري.
وترقية الكيان الاجتماعي يشمل أيضا التنظيم المؤسسي للدولة، فأصبحنا نرى انتظام الأفراد داخل المؤسسات، فأصبح الفرد يشعر بالانتماء للمجتمع، والإحساس بروح المواطنة.
كما أنه أصبح يسود نوع من التلاحم بين الحاكم والمحكوم، ويكفينا تعليمات جلالة الملك حفظه الله السامية سواء في تخصيص صندوق مكافحة فيروس كورونا، وسواء في دعوته للطب العسكري بالالتحاق للطب المدني…
كما دعا أيضا للتعاون من البلدان الشقيقة والإفرقية لمحاصرة هذا الوباء…وكثير من الأمور التي دعا إليها نصره الله، وهذا أيضا مقصد ملحوظ للشارع حتى يتم تعزيز الخلافة المثمثلة في إلإمارة.
كما أن الحكومة تسهر على ضمان سلامة الأفراد، وتساهم بشكر كبير في التوعية، والتحذير من مخاطر هذا الوباء، وتعمل باستمرار من أجل الحد من انتشار هذا الوباء..،
كما أنها اهتمت بما هو اجتماعي، على سبيل المثال وليس على سبيل القصر إيجاد حلول للطبقة غير العاملة، والتي ستعاني بشكل كيير في ظل هذا الوضع… . ويتم بذلك تطبيق عدة مقاصد منها العدل، من ذلك، العدل في استهداف الطبقات المتضررة، والعدل في توزيع المساهمات المالي…
ولا يفوتني إلا أن أذكر أيضا مقصد حفظ الأمن، الذي يعد من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية،
فأصبحنا نحقق الأمن الداخلي في وسط البلاد وهذا الأمر لا يشترى بثمن ولا بمال، فكل السلطات تقوم بدور كبير في الحفاظ على أمن المجتمع، وتسهر على حماية الأفراد..
كما أننا نحقق بذلك الأمن الخارجي، ومن مقاصده التبعية تحقيق الاكتفاء الذاتي في أمور غذائنا وصناعتنا وما يتعلق بالأجهزة الطبية وغيرها… حتى لا تكون الدولة عالة على غيرها من الدول… ويكفينا شرفا أن كبار دول العالم يثمنون الدور الكبير الذي يقوم به بلدنا في مواجهة هذا الوباء..