“كوفيد-19”.. الأسابيع الأربعة حيث تغير كل شيء
هوية بريس – وكالات
منتصف مارس الماضي، مثلت الخطوة الاستباقية لإعلان حالة الطوارئ الصحية، وقبل تفاقم الوضع الوبائي، إيذانا بإطلاق ترسانة من الإجراءات لمواجهة خطر الوباء القادم.
ففي الوقت الذي كنا نتابع فيه تطور انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، الذي غزا عددا من الدول، دق الرد الاستباقي الذي تبناه المغرب على أعلى مستويات الدولة، ساعة الركون إلى الحجر الصحي وأخذ الأمور بجدية، فانتقل الحال من اللامبالاة إلى الوعي بخطورة الوضع.
وحدها محلات بيع المواد الغذائية والصيدليات، وبطبيعة الحال المستشفيات وباقي مرافق الخدمات الأساسية، ظلت مفتوحة لتلبية الحاجيات الضرورية للمواطنين.
ما لفت الانتباه بشكل كبير، كانت الفرصة التي أتيحت أمام قطاع الصحة، والذي عانى طويلا من إشكالات عديدة، لإثبات المكانة التي يحتلها. ففي الصفوف الأولى لمواجهة جائحة العدو الخفي، تجند الأطباء والممرضون وباقي الأطقم الطبية، مبرهنين عن حس مواطن غير مسبوق. هبوا لمساعدة المرضى والتصدي لتدبير وضعية الطوارئ.
صار الجميع يعلق الأمل، وبشكل خاص، على الأطباء المتخصصين في الإنعاش والطب الاستعجالي، في زمن هذه الأزمة، لإنقاذ الأرواح حين يتعلق الأمر بالحالات الحرجة للإصابة. كان من اللافت أيضا انضمام عدد من أخصائيي الإنعاش المزاولين للمهنة في القطاع الخاص إلى المستشفيات العمومية، حيث هبوا لمد يد العون لزملائهم الذي يخوضون معركة يومية في مواجهة فيروس يزرع الرعب في كل مكان.
في هذا الصدد، يقول البروفيسور محمد بنعكيدة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “تطوعنا لتقديم يد المساعدة للمرضى والزملاء الذين يعانون من الضغط بفعل وضع لا يمكن التنبؤ به في هذا السياق المتسم بالتعبئة”.
إذ لبى هذا الطبيب الممارس، أسوة بزملائه ضمن فريق من أخصائيي التخدير والإنعاش، نداء واجب التضامن الوطني، الذي انتسجت أواصره بتلقائية في قطاع حيوي: قطاع الصحة، حيث تلتقي طاقات الفاعلين من القطاعين العام والخاص وأيضا من الميدان العسكري.
وفي مدينة تمارة، حيث تعرض طبيب للإصابة ب”كوفيد-19″، وجد حوالي 240 معالجا بالمركز الاستشفائي سيدي لحسن أنفسهم في قلب المعركة، مرهقين لكن عازمين على الصمود لأنهم يدركون أن الأصعب قادم.
فإذا كان المواطنون مدعوين للبقاء في منازلهم طيلة فترة الحجر الصحي واعتماد التباعد الاجتماعي، فإن جنود الوزرات البيضاء يعملون، دون هوادة، من أجل اجتثاث الوباء، حتى وإن كان ثمن التضحية الابتعاد عن أسرهم.
تقول المسؤولة عن اليقظة الصحية بمندوبية تمارة-الصخيرات، الدكتورة نعيمة الدرفوفي سطي، إنه و”منذ بداية تفشي الوباء، لم نعد نشعر بمفهوم الوقت لأنه ببساطة، كل الأيام أصبحت تتشابه، وذلك في انتظار أخبار جيدة عن تطور المرض”.
وأكدت من جهة أخرى، أن الأطر الصحية المعالجة تقوم بكل ما في وسعها حتى لا تساهم في نقل العدوى، مردفة بفخر “نحن في خدمة الإنسانية والوطن”.
وعلى غرار معظم الشبكات الاستشفائية العمومية، تتابع الدكتورة الدرفوفي، فإنه تم إيواء الفرق الطبية والتمريضية للمستشفى الإقليمي سيدي لحسن، في فندق قريب من أجل منع أي خطر لانتقال الفيروس، معتبرة أن هذه الوضعية مرهقة لعائلاتهم وأقربائهم، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للتكيف مع واقع جديد حيث تصبح “مسافات الأمان” شرطا ضامنا للحياة.
بدوره قال نور الدين لبيب، الممرض بالمستشفى الإقليمي بتمارة “يتعين أن نلتحق بالعمل على الساعة 9 صباحا وحتى الساعة 8 مساء طيلة أيام الأسبوع، وغالبا ما يكون التواصل مع أفراد العائلة صعبا للغاية”. في مدينة سلا المجاورة، برز مستشفى الأمير مولاي عبد الله في وقت قصير باعتباره مستشفى مرجعيا، بفضل إحداث وحدة إنعاش وتوفير معدات من الجيل الجديد.
وفي خضم حركية يومية محمومة، يخضع الطاقم الطبي بشكل واضح للقيود الصارمة التي تم فرضها في سياق الحجر الصحي، بما في ذلك ضرورة ارتداء الملابس ذات الاستخدام الواحد، التي تحد من حريتهم في الحركة. فبسبب اتصالهم الوثيق والمتواصل مع المرضى المصابين بفيروس كوفيد 19، يكون الطاقم المعالج، في قلق مستمر خوفا من الإصابة بالعدوى وأن يصبحوا فجأة ناقلين للعدوى لأقربائهم وكل من على اتصال بهم.
“بالنسبة للمواطنين، فإن أفضل ما يمكن فعله هو البقاء في المنزل واحترام توجيهات النظافة الصحية. باختصار، لا يجب الاستهانة بالوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد”، تقول أخصائية الطب الاستعجالي بمستشفى مولاي عبد الله، الدكتورة مريم بوشبيكة.
وأضافت “لذلك، فلولا المقاربة الاستباقية ولولا التعبئة الجماعية، لكانت خدمات الإنعاش في المستشفيات المغربية اكتظت اليوم بأعداد لا حصر لها من المرضى، في صور تشبه ما يحدث على الجانب الآخر من الضفة المتوسطية”.
ويبدو أن هذه الاستراتيجية هي نفسها التي تؤهل المملكة لإنتاج أجهزة تنفس اصطناعية مغربية الصنع مائة بالمائة، في قلب المنطقة الحرة الخاصة بصناعة الطيران بالدار البيضاء.