كيف تربي طفلاً سوياً نفسياً؟
هوية بريس – ياسر محمود
تعد مرحلة الطفولة حجر الأساس لبناء شخصية الإنسان؛ ففيها تتكون الأبعاد الرئيسة لشخصيته، ويؤكد كثير من الباحثين في علم نفس الشخصية وعلم نفس النمو أن الطفولة تؤدي دوراً كبيراً في توافق الإنسان وتمتعه بالصحة النفسية في باقي مراحل حياته.
فعلى الوالدين أن يهيئا من العوامل التربوية ما يساعد على تحقيق السواء النفسي للطفل، وأن يتجنبا كل ما قد يؤدي إلى تعرضه لأزمات نفسية قد تحدث له اضطراباً في نموه النفسي.
** عوامل مقومات الاتزان النفسي:
1- أجواء أسرية آمنة:
وفّر لطفلك بيئة أسرية آمنة ومستقرة، خاصة فيما يتعلق بعلاقتك بشريك حياتك؛ لأن شكل العلاقة بين الوالدين يمثل جانباً أساسياً في صحة الطفل النفسية، فإذا كانت العلاقة بينهما تتسم بالدفء والحب والتفاهم؛ فإن ذلك ينعكس على الطفل بصورة إيجابية، أما إذا كانت تتسم بكثرة التوتر والمشاحنات والنزاعات؛ فإن ذلك يؤدي إلى العديد من الآثار السلبية على نفسيته.
2- عبِّر عن حبك:
احرص على أن تعبّر عن حبك لطفلك بكل الوسائل الممكنة، كإخباره بذلك بصورة مباشرة، أو بتقبيله، أو بضمه إلى صدرك، أو بالمسح على رأسه، أو بغير ذلك من وسائل التعبير؛ فهذا يشعره بالأمن النفسي، ويلبي له واحدة من الاحتياجات التي تؤثر في السواء النفسي له.
3- تفهم طبيعة المرحلة:
تعرف على المرحلة العمرية التي يمر بها طفلك، فهي من أهم الموجهات التي تضعك في الاتجاه الصحيح في تربيته، فمعرفتها وإدراك خصائصها تساعدك على تفهم ما يصدر منه من سلوكيات وتصرفات، وبالتالي تكون أقدر على التعامل مع هذه السلوكيات بأسلوب مناسب وهادئ يساعد على تنمية شخصيته بشكل سوي، أما عدم إدراكها فيؤدي إلى العديد من الأخطاء التربوية التي ربما تؤثر على بناء شخصيته بشكل سلبي.
وعلى سبيل المثال؛ فإن الطفل في مرحلة الطفولة المتوسطة (2 – 6 سنوات) يكون خياله واسعاً وخصباً، وربما يدفعه ذلك حين يحكي عن موقف ما أن يضيف إليه خياله بعض الأمور التي لم تحدث، فيظن الآباء أنه يكذب ويتعاملون معه على أنه كاذب؛ نتيجة عدم إدراكهم لطبيعة المرحلة؛ وهذا ينعكس بصور سلبية على شخصيته.
4- التواصل الفعال:
احرص على أن تمد جسور الحوار بينك وبين طفلك، بأن تخصص له وقتاً تتحدث إليه فيه وتسمع منه، وأن تحسن الإنصات إليه، وأن تهتم أثناء حديثك معه بمشاركته هواياته واهتماماته التي يفضلها، وأن تبتعد عن أسلوب التحقيق الذي يشعره أنه في حالة استجواب، فالحوار الناجح يؤدي أدواراً عديدة في دعم النمو النفسي والاجتماعي والفكري واللغوي للطفل، ويسمح له بالتعبير عن احتياجاته وعما يزعجه أو ما يواجهه من مشكلات، كما ينمي ثقته بنفسه.
5- احترام إرادته:
احترم إرادة طفلك، ولا تسعَ لإلغائها؛ لأن هذا يسبب صراعاً شديداً بين الآباء والأولاد، وتداعياته السلوكية السلبية على الأولاد كثيرة، وقد تظهر في صورة سلبية واستسلام وشخصية اعتمادية، أو في صورة عناد وتمرد ومكايدة وصراع، ومشكلات ليس لها أول من آخر.
6- تقدير الإيجابيات:
احرص على تقدير كل عمل متقن قام به طفلك أو كل سلوك جيد يصدر منه، واحتفِ بكل إنجاز يحققه في الدراسة أو في الهوايات والأنشطة أو غير ذلك، فهذا يكسبه ثقة بنفسه، ويحفزه على تطوير نفسه والسعي لتحقيق طموحه.
7- تطوير قدراته:
اجتهد في اكتشاف قدرات طفلك ومهاراته وكل ما يتمتع به من جوانب القوة والتميز، ثم هيئ له الفرص المناسبة لتنميتها وتطويرها، ولا تحصر تميزه في مجال واحد محدد كالدراسة مثلاً، ولكن وسّع أفقك وابحث عن تميزه في مجالات مختلفة، فربما يكون مميزاً في ممارسة الألعاب الرياضية، أو لديه قدرة على القيادة والتواصل الاجتماعي الفعَّال .. أو يتمتع بقدرات لغوية كالخطابة والشعر والنثر، .. إلخ، فإن ذلك يرفع من منسوب ثقته بنفسه وتقديره لذاته.
8- تحمُّل المسؤولية:
درِّبه على الاعتماد على نفسه في كل ما يمكنه القيام به من أعمال تناسب قدراته ومرحلته العمرية، كأن يأكل ويشرب ويرتدي ملابسه بنفسه، ويرتب سريره وأدواته ولعبه، ويشارك في تحضير المائدة، ويقوم بواجباته المدرسية وحده، ويرعى أخاه الصغير ويلاعبه بحب، ويعتني برعاية نبتة في المنزل.. إلخ، مع الثناء على بعض الإجادة منه، ولفت نظره بلطف إلى بعض الملحوظات المصححة للسلوك.
9- التوازن بين الإشباع والحرمان:
احرص على إشباع احتياجات طفلك الأساسية (مثل: الطعام، الشراب، الملبس، الترفيه، الشعور بالقبول والحب والأمن والتقدير.. إلخ) بطريقة متوازنة، لا إفراط فيها ولا تفريط؛ لأن الإشباع التام يولِّد شخصاً أنانياً، اعتاد ألا ترد له حاجة ولا يرفض له طلب، بينما الحرمان الشديد يولِّد لديه مشاعر الكره والحقد لمن حوله.
10- حسن التعامل مع الأخطاء:
تعامل مع أخطائه بطريقة هادئة، واجتهد في ضبط انفعالاتك تجاهه، وتجنب إهانته أو وصفه بالفشل والفوضوية والغباء.. إلخ، خاصة أمام الآخرين.
** مدمرات الشخصية:
1- التسلط:
ابتعد عن التحكم التام في تصرفات طفلك، كأن تفرض عليه ارتداء ملابس معينة، أو طعاماً معيناً، أو أصدقاء معينين، أو تمنعه من نشاط يحبه، أو تلزمه بمهام تفوق قدراته .. إلخ؛ لأن ذلك قد يولِّد شخصاً قلقاً يشعر دائماً بالخوف من السلطة، يتسم بالخجل والحساسية المفرطة، ويشعر دائماً بالتقصير، ولا يستطيع التعبير عن رأيه، أو قد يولِّد شخصاً في الاتجاه المعاكس؛ بمعنى أن يكون متمرداً على كل شيء، ولا يحترم أي قواعد، ويغلب على سلوكه العدوانية في تعامله مع من حوله.
2- التمييز والتفرقة:
إياك والتفرقة بين أطفالك في المعاملة، بسبب الجنس أو السن أو الترتيب أو غيرها؛ لأن ذلك قد يولِّد شخصاً حقوداً كارهاً لأخيه المميز عنه، وقد يصاب بالانطواء والعزلة والشك المرضي في الآخرين والاكتئاب، وقد يدفعه ذلك للعقوق كرد فعل لشعوره المتنامي بعدم العدل والظلم الواقع عليه.
3- المقارنة:
احذر من مقارنته بأي من إخوته أو أقرانه أو غيرهما؛ لأن هذه المقارنة تولِّد لديه روح الانهزام والشعور بالنقص، وتشعل نار الغيرة والحقد والكراهية تجاه المقارن به، وتزعزع ثقته بنفسه، وقد تؤدي إلى إصابته بالقلق والتوتر، وقد تدفعه إلى بعض الاضطرابات السلوكية، مثل: العصيان والتمرد، والانطواء، والتأتأة واللجلجة في الكلام، والسرقة، والكذب.. إلخ.
4- كثرة النقد:
تجنب كثرة النقد لطفلك؛ لأن ذلك يشعره بالنبذ والإهانة والتصغير، ويجعله فاقداً للثقة فيما يقوم به، بل ويجعله خائفاً من القيام بأي حركة أو سكنة خشية أن يُنتقد، وعند ارتكابه لخطأ ما فليكن تركيزك على السلوك الذي تريد تعديله وليس على شخصه، كأن تقول له مثلاً: ضربك لأخيك سلوك غير لائق، بدلاً من أن تقول له: أنت ولد مشاغب، فهذه الطريقة تحافظ على تقديره لذاته، وتساعدك على توجيهه بطريقة إيجابية.
5- الحماية الزائدة:
تجنب الحماية الزائدة، التي تدفعك لأن تنوب عن طفلك في القيام بما ينبغي أن يقوم هو به؛ مخافة أن يصاب بسوء أو لتوفير سبل الراحة له؛ لأن هذا الأسلوب يقلل من اعتماده على نفسه، ويضعف قدرته على تحمل المسؤولية، فينشأ ضعيف الثقة بالنفس، غير قادر على تحمل أعباء الحياة ومواجهة تحدياتها.
6- القسوة:
احذر من القسوة الزائدة في تربية طفلك؛ لأنها قد تولِّد شخصاً ضعيفاً غير قادر على تحمل أعباء الحياة، تراه دائماً خائفاً متردداً قلقاً، مفتقداً للأمان النفسي، لا يثق في نفسه، وقد تولِّد شخصاً عنيفاً يتسم بالعدوانية تجاه الآخرين مع أقل اختلاف معهم.
7- التعارض بين الأبوين:
تجنب التعارض بينك وبين الطرف الآخر في توجيه طفلك؛ كأن تطلب منه الأم –مثلاً- القيام بعمل ما، بينما تقابل أنت هذا الطلب بالرفض أمام الطفل، فهذا يوقعه في حيرة، ويفقده القدرة على التمييز بين المقبول والمرفوض، ويجعله مشتتاً بين الأوامر المتضاربة منكما.
8- عدم الثبات في المعاملة:
احذر من التذبذب في التعامل مع طفلك تجاه نفس السلوك، كأن ترفض منه سلوكاً في وقت ثم تقبل منه نفس السلوك في وقت آخر؛ مما يجعله مشتتاً في إدراك الصواب من الخطأ، وقد يجعله ذلك صاحب شخصية مزدوجة في تعامله مع الآخرين.
9- الإيحاءات السلبية:
ابتعد عن الإيحاءات السلبية والجمل الهدامة التي قد تصفه بها؛ كالفشل والكسل وضعف الشخصية.. إلخ؛ لأنك تسهم بذلك في بناء نظرة سلبية لطفلك نحو ذاته، كما أنك بهذه الطريقة تقوي بقاء هذه الصفة السلبية لديه ولا تعالجها. (مجلة المجتمع)