كيف تقتل اللائحة المغلقة الإرادة الشبابية؟.. المكر الانتخابي المقنن

هوية بريس – د.رشيد بن كيران
من بين أكثر مظاهر التحايل على الإرادة الشعبية وفي مقدمتها الشبابية ما يعرف باللائحة الانتخابية المغلقة، حيث يقدّم الحزب السياسي لائحة مرشحيه مرتبة (1، 2، 3…) ليصوت الناخب على القائمة كاملة لا على الأفراد.
وهكذا يجد المواطن نفسه وقد وضع ثقته في شخص قد يكون في المرتبة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، غير أن صوته لا يصب إلا في صالح من تصدر اللائحة، أي أصحاب المرتبة الأولى والثانية، الذين غالبا ما يكونون معروفين مسبقا ومرتبطين بدوائر المال والنفوذ.
هذا النظام الانتخابي يجعل المشهد السياسي مشلولا، إذ يرسخ بقاء نفس الوجوه في البرلمان والحكومة لعقود طويلة، ويقطع الطريق أمام الطاقات النزيهة والشابة. فاللائحة المغلقة لا تعطي الأولوية للكفاءة أو النزاهة أو القرب من هموم الناس، بل تعطيها للقدرة على حيازة الموقع داخل “قمة اللائحة” حيث تتحدد المقاعد.
إن النتائج العملية لهذا النظام واضحة حيث نرى تشريع قوانين على مقاس أصحاب المصالح لا على مقاس حاجات الشعب؛
❖ فكيف ننتظر من برلماني أو وزير وصل بفضل هذا المسار الملتوي أن يجرؤ على سنّ قانون “من أين لك هذا؟” لمحاسبة الثروات المشبوهة!!؟
❖ أو أن يواجه لوبيات المحروقات التي أفلتت من المراقبة!!؟
❖ أو أن يتصدى لسياسات فلاحية تنهك الثروة المائية للوطن!!؟
❖ أو أن يرفض مهرجانات العبث والتفاهة التي تقام في عز الامتحانات الإشهادية!!؟
❖ بل كيف ننتظر من هؤلاء أن يعارضوا العقوبات البديلة التي تُشرّع عمليا لإعفاء أصحاب المال، بينما يظل الفقير حبيس القانون الصارم بلا حماية!!؟
◆ والأدهى أن كل صوت نزيه يجرؤ على فضح هذه اللعبة السياسية المكرة وشبيهاتها يقصى بلا هوادة، كما يحدث مع العلماء والفقهاء والخطباء الذين يكتبون أو يصرّحون على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها بانتقاداتهم للتشريع المنحرف أو التدبير السيئ المشبوه للمال العام، فتأتي العصا الغليظة لوزارة الأوقاف لتحسم في الأمر ويكون جزاؤهم الإبعاد بدعوى مؤدلجة: “حديث الخطيب في السياسة ممنوع” رغم أنه تحدث خارج المسجد وفي أمور من صميم دينه وتخصصه. فأي ظلم بعد هذا الظلم!!؟
√ من هنا، يمكن القول إن اللائحة الانتخابية المغلقة ليست مجرد آلية تقنية في الاقتراع، بل هي أداة لإعادة إنتاج نفس المنظومة الفاسدة، وإبقاء نفس الوجوه البئيسة التي ملّ الشعب وفي مقدمتهم الشباب حتى من النظر إليها.
إنها باختصار لعبة مكر سياسي تفرغ الانتخابات من مضمونها وتحولها إلى مسرحية شكلية، تضمن استمرارية الفشل لا التغيير.
كفى من هذا المكر، فالإصلاح الحقيقي يبدأ من تحرير الإرادة الشعبية من قيود اللائحة المغلقة، وإعادة الاعتبار للتمثيلية النزيهة التي تجعل صوت المواطن يصل فعلا إلى حيث ينبغي أن يسمع.
√ للأسف، إن صور الفساد في بلادنا كثيرة، وكلنا يدا واحدة بالطرق المشروعة والسلمية في محاربة الفساد. شعارنا: {إِنۡ أُرِیدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ}.
هذه رسالتنا وهذه مهمتنا حتى نلقى الله.



