كيف صارت العقيدة الأشعرية غطاء لإسلام بلا ملامح؟

هوية بريس – د.رشيد بن كيران
ينبغي أن يعلم أن الجهة الوصية على الحقل الديني حين تتحدث اليوم عن العقيدة الأشعرية وتعلي من شأنها باعتبارها أحد “الثوابت الدينية والوطنية الرسمية”، فإنها لا تفعل ذلك من منطلق عقدي خالص كما كان عليه حال سلف الأشاعرة، بل تتناولها من زاوية إيديولوجية وسياسية وظيفية. فقد رُوِّج للناس في الخطاب الديني الرسمي أن العقيدة الأشعرية عقيدة لا تكفير فيها مطلقا، وأنها تكتفي من المسلم بمجرد النطق بالشهادتين، ثم لا بأس بعد ذلك إن وقع في الكبائر والموبقات، فإن ذلك لا ينافي إسلامه، ولا يوجب الحكم عليه بالكفر مهما تمادى.
وهذا التصور لا يمثل العقيدة الأشعرية في حقيقتها، بل هو افتراء عليها أو على إمامها المؤسس أبي الحسن الأشعري حسب زعمهم. إذ الأشعري نفسه يصرح في الإبانة عن أصول الديانة قائلًا:
“وندين بأن لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه ما لم يستحله، كالزنا والسرقة وشرب الخمر، كما دانت بذلك الخوارج، وزعمت أنهم كافرون. ونقول: إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبهها مستحلاً لها، غير معتقد لتحريمها، كان كافرًا” انتهى.
فالمسألة عند الأشعري وأتباعه ليست بتلك البساطة التي يصورها الخطاب الديني الرسمي، بل هناك تمييز بين فعل المعصية المجردة واستحلالها، وبين الكبائر التي لا توجب الكفر لذاتها، وتلك التي يخرج بها صاحبها من دائرة الإسلام إن أنكر تحريمها أو استباحها أو كانت كفرا بذاتها كالاستهزاء بالنبي أو بالقرآن. وهذا التمييز العقدي والفقهي الدقيق يغيب اليوم في المقاربة الرسمية التي توظف الأشعرية كغطاء تسامحي دون وفاء حقيقي لمضامينها العقدية الأصيلة.
ولهذا، فإن من الحكمة ألا ينجر العقلاء إلى إثارة قضايا عقدية خالصة خالف فيها الأشاعرة مذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة السلف، وذلك بدعوى التصدي للخطاب الرسمي المروج للأشعرية التي أدخلها من أدخلها بجهل عريض للعواقب وحمق لا مثيل له إلى منبر الجمعة، منبر “ذكر الله” بعبارة القرآن.
فمثل هذا المسلك وإن كان دافعه الغيرة على العقيدة الصحيحة قد يفضي عمليا إلى تقديم مصداقية مجانية للجهات الوصية على الحقل الديني، ويمنحها صفة المدافع عن العقيدة الأشعرية، وهي في الحقيقة توظف هذا الغطاء العقدي لغايات إيديولوجية محضة. فليست غايتها ترسيخ عقيدة الأشاعرة بوصفها مذهبا علميا رصينا، بل توظيفها أداة لضبط المجال الديني وإنتاج إسلام رسمي خاضع، منزوع الحمى والحدود، يقبل التفلت والانحرافات الأخلاقية والعقدية باسم “التسامح” و”التعايش” وعَلمانية التدين، ويتوجس من كل خطاب رصين قرآني العقيدة وسني المنهاج باسم مكافحة الغلو والتكفير. فالمعركة الحقيقية اليوم، ليس في استدعاء صراعات كلامية لا أثر لها في الواقع ولا على المكلف، وإنما في تحرير الدين من قبضة التوظيف السياسي والإيديولوجي.



