كيف نتعامل مع قضايا الواقع في مادة التربية الإسلامية؟
هوية بريس – د.خالد الصمدي
في ترشيد خطاب التربية الإسلامية (3)
مضامين المادة في معظمها مرتبطة بقضايا الواقع ومشابكة معه وليست كلاما كهنوتيا محنطا، ولا قولا نظريا بعيدا عن الواقع، والواقع متموج متحرك سائل يحتاج التعامل معه إلى كثير من الحكمة.
لكن موقف المشتغلين بالتربية من علاقة الخطاب بالواقع يكتنفها نوع من االارتباك والغموض بين داع إلى مواجهة صريحة للظواهر السلبية مواجهة لا هوادة فيها ولو أدى ذلك إلى خراب البصرة والرجوع عن القيام بمناسك العمرة كما يقول المثل، وبين واقع في براثين وشباك هذا الواقع مستسلم له باستسهال ما فيه من سلبيات بزعم الواقعية، وضرورة الاحتياط في التعامل معها في الفصول الدراسية.
وواقع الحال ان القرآن الكريم والرسول الحكيم قد رسم منهجا للتعامل مع قضايا الواقع لتغييره إلى الافضل بالحكمة والموعظة الحسنة وأولى خطوات ذلك الوعي بها بتدقيق المفاهيم التي تعبر عنها وتسميتها بأسمائها حتى تعرف بنعوتها وأوصافها، ثم تقدير حجمها الحيلولة دون تقديمها أو تصخيمها، فالأمور تقدر بقدرها، ثم امتلاك العدة الشرعية لتفكيك وصالها وصباغة بديلها، ثم استخدام الأساليب والطرق المناسبة لبيان موقف الشرع منها،
فقد قال الله تعالى لنبيه الكريم “ونزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم“، وبيان مفاهيم الشرع وأحكامه ومواقفه من القضايا لا تزال وظيفة المبلغين الى أن تقوم الساعة، وقد بين القرآن الكريم والرسول الحكيم أساليب البيان وأدواته فقال “ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين“.
وفي نفس السياق أورد القرآن الكريم المفاهيم والسلوكات السيئة الموجودة في المجتمع في سياق نقدي واضح يبين وجه الفساد فيها، ولا يذكرها في سياق التبرير أو المدح أبدا، كما يذكرها مقرونة إما بعقاب في الدنيا او عذاب في الآخرة، ليفهم الناس أنها زلة ممقوته وسلوك مشين لا ينتهي بخير، كما يضرب الامثال للناس عن ما حصل للأمم السابقة حين استحلتها او تمادت فيها ولم ترجع فيها عن غيها رغم تذكيرها، كما نجده يستخدم أسلوب التدريج في اقتلاعها إن كانت مستحكمة في المجتمع وتلك حكمة الناسخ والمنسوخ كما وقع في تحريم الخمر والربا وغيرهما، إذ العادات المستحكمة في المجتمعات لها جذور نفسية واجتماعية واقتصادية وقد تصبح عادات ثقافية وتاريخية تحتاج إلى حكمة وتبصر لا يسقط الانسان في الاستسلام لها وتبريرها بدعوى الواقعية وطغيان الواقع.
وغير ذلك مما يشكل منهجية متكاملة لتعامل الشرع الحكيم مع كل قول أو فعل غير سليم، ولو شئت أن أسرد لكل أسلوب مثالا أطال الكلام في هذا المقام.
إنها منهجية القرآن في التعامل مع قضايا الواقع لإزالة ما حقه الإزالة وتصحيح ما حقه التصحيح وتثبيت ما حقه التثبيت، تقوم على حاكمية القرآن وليس على حاكمية الواقع، علما بان واقعنا اليوم بتحولاته المتسارعة يحتاج إلى كثير من الاحتياط وسد الذرائع حتى لا تتسرب المفاهيم المحرفة ولا السلوكات المنحرفة إلى الفضاء العلمي والتربوي المادة في سياق غير نقدي ولا يأخذ بعين الاعتبار المنهج سالف الذكر.
والغرض من هذا الكلام تجويد وترشيد الخطاب في مادة التربية الاسلامية حتى تؤدي وظيفتها على أكمل وجه ولا علاقة له بتهويل إيديولوجي أو سياق ظرفي، فالأمر جد والمسؤولية العلمية كبيرة وحملها أمانة جسيمة والله المستعان.