كيف نستغل رمضان؟
هوية بريس – حسن فاضلي أبو الفضل
رمضان شهر لا كباقي الشهور، ولا ينبغي أن يكون كباقي الشهور، هو فرصة الإنسان في عمره، إن صام يومه وقام ليله و أدرك ليلة قدره تضاعف عمره أضعافا كثيرة، كأنه يعيش عمره الذي كُتب له و أعمارا أخرى بأثر عمله الذي كسبه فيه إلى مئات السنين بل والآلاف. لذلك ينبغي على الإنسان أن يحرص كل الحرص على أن لا تمر عليه دقيقة إلا وهو في طاعة وبر وعبادة، فإن الله تعالى قد قال:(والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) وإن النبي عليه الصلاة والسلام قد قال:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).
فهذا وقت فراغك فكن فيه من القلة الفائزة ولا تكن من الكثرة الخاسرة، واجعل على وقتك غيرة فلا تصرفه إلا في خير وبر وعلم وطاعة، فإن العلماء قد جعلوا من صور الغيرة ومنازلها الغيرة على وقت فات؛ فإنها غيرة قاتلة و ” أثرها يشبه القتل، لأن الحسرة قاتلة، ولاسيما إذا علم المتحسر أنه لا سبيل له إلى الاستدراك بالندم، و أيضا فالغيرة على التفويت تفويت أخر…فمن غفل عن نفسه تصرمت أوقاته وعظم فواته واشتدت حسراته، فكيف حاله إذا علم عند تحقق الفوت مقدار ما أضاع !” (مدارج السالكين،ج3، ص49).
وهذه بعض الوسائل أو أفكار لعموم الناس، قد تصلح كلها أو بعضها وقد تصح الزيادة عليها أو النقصان منها أو تعديلها، كل ذلك بحسب أحوال الناس ونشاطهم وتشوقهم للخير والعلم والطاعة:
1- ورد قرأني يومي لا يقل عن ستة أحزاب ومراجعة محفوظك منه، و إن كنت لا تحفظ شيئا منه أو تحفظ شيئا يسيرا فهذا وقت الزيادة في المحفوظ، واثبت على ذلك بعدد رمضان فلا تُحرم وردا و حفظا حتى و أن قلّ.
2- قراءة ومراجعة محفوظك من الحديث النبوي وقراءة صفحات لا تقل عن عشرين من أحد كتب السيرة ككتاب “الشفا” أو “الرحيق المختوم” أو “نور اليقين” أو “مختصر سيرة الرسول” أو غيرها من مختصرات السيرة. وإن كنت تجد في نفسك طاقة وقدرة على الزيادة فراجع محفوظك من المتون العلمية.
3- المحافظة على الصلوات في أوقاتها وقيام الليل في البيت مع الأهل و الآباء والأبناء من محفوظك من القرآن، و إلا فمن المصحف؛ تقرأ منه فإذا ركعت وضعته في مرفعه المخصص له بجانبك أو على كل ما يمكن أن يوضع عليه، بحيث يمكنك تناوله أثناء القيام للركعة الموالية بيسر دون الزيادة في حركات الصلاة ودون الخروج عن أفعالها.
4- أن كنت مع آبائك في البيت فاحرص على برهما وخدمتها وقضاء حوائجهما، وأكثر من كل ما يدخل الفرح السرور عليهما، فذلك عبادة. وإن كنت مقيما في غير مقامهم فاحرص على مدهم بما تقدر عليه من المال والسلع والحاجيات و الاتصال بهم مرة في اليوم على الأقل، تسأل عنهم وتطمئن عليهم، فذلك مظنة تحصيل برهما ودعائهما وفوق ذلك رضا الله.
5- هجر وسائل الإعلام والتوصل والابتعاد عنها إلا ما كان للضرورة القصوى، وعزل أهل البيت عنها مع إبقاء بعض القنوات الإسلامية وإذاعة القرآن، و احذر وسائل التواصل فأنها تأكل الوقت أكثر مما يأكل النار الحطب.
6- الابتعاد عن قراءة الجرائد والمجلات والمتفرقات فالوقت ليس وقتها، ويكفيك من الأخبار عناوينها في أقل من خمس دقائق مرة في اليوم.
7- خصص جهاز تلفازك أكثر اليوم للقرآن وبعضه للدروس الدينية التعليمية، واحذر المسلسلات ومقاطع الفكاهة والكاميرات الخفية، فإن وقتك أثمن من أن تنفقه في مثل هذه التفاهات وأنت مسؤول عن نفسك و أهل بيتك أمام الله.
8- استغل كل دقيقة من وقتك في ذكر الله وربط النفس به عزوجل واجعل ذلك جوا يعم البيت وأهله، ولا تنس الدعاء قبل الإفطار فاستكثر منه واستزد ولا تمل فإنه وقت استجابة.
9- التصدق على الفقراء والمحتاجين والتنويع في ذلك؛ من مال وطعام ولباس وسلع وفواكه وخضروات، فإن قدرت فمرة في اليوم أو مرة في الأسبوع، ثم عالج نيتك ليكون ذلك خالصا لوجه الله، ولو كان ذلك سرا كان أسلم لك و أخلص لله.
10- إن كنت ممن أدمن شيئا من المخدرات أو المحرمات والكبائر، فهذه فرصتك التي لا مثيل لها للتوبة والحد من ذلك والكف عنه؛ بالإكثار من الدعاء والالتجاء إلى الله. قد تجد في ذلك عسرا وصعوبة وقد تجد ألما وصداعا في الرأس، لكنك تغلب ذلك بالتضرع إلي مولاك والصدق في التوبة والعزم على عدم العود. فإن عدت فأتبع ذلك بالتوبة والكف والعزم على عدم العود مرة أخرى…وهكذا.
11- تحفيظ الأبناء أجزاء من القرآن الكريم ويستحسن البدء بجزء(عم)، وتحفيظهم بعض الكتيبات الحديثية المخصصة للأطفال ك(الطفل اللبيب لحفظ أحاديث الحبيب صلى الله عليه و سلم) أو قصص الأنبياء المصورة للأطفال، وإذا كانت ظروف عملك أبعدتك عن أسرتك وأبنائك، ففي الهاتف تسأل عنهم وعن دراستهم و صلاتهم وسائر عباداتهم ومحفوظاتهم من القرآن والحديث، ثم ليكن منك التشجيع والتحفيز على ذلك بالهدايا.
12- مشاهدة جماعية مع الأبناء والأهل لسلسلة في السيرة النبوية كسلسلة (السيرة النبوية للشيخ نبيل العوضي) فإنه تم تصويرها بطرق وتقنيات فنية جميلة، أو غيرها من السلاسل والقصص الإسلامية ذات التصوير الفني الجيد الذي يأسر الأطفال ويستهويهم، ويمكنك أن تستعين بقناة خير للأطفال على اليوتيوب أو غيرها من القنوات النافعة للطفل المسلم .
13- تعليم الأبناء الصلاة بالتطبيق أو بالمقاطع المصورة وتعليمهم مبادي الإسلام، وتشجيعهم على صوم جزء من نهار رمضان، و إقامة مسابقات إسلامية في البيوت وحثهم على التنافس في العلم والعبادة وتحفيزهم بالهدايا و توزيع الجوائز يوم العيد .
14- إذا كنت ممن اضطرته الظروف للاشتغال في رمضان النهار كله ولا تجد وقتا لما ذكرناه أعلاه، فيمكنك أن تأخذ بدائل عنها؛ بأن تحمل على هاتفك سورا من القرآن لقارئك أو قرائك المفضلين، وتحمل دروسا صوتية أو مرئية متعلقة بالصيام و السيرة والرقائق أو غيرها من الموضوعات التي تميل إليها نفسك. يمكنك أن تستعين في ذلك بموقع (طريق الإسلام) أو(إسلام ويب) أو غيرهما من المواقع الإسلامية المخصصة للمشاهدة والاستماع والتحميل المباشر.
15- اجتهد ما استطعت في الابتعاد عن العادات السيئة فيك، و أحلل محلها ما يقابلها أو يعوضها من العادات الحسنة، سواء في علاقتك بالله أو مع نفسك أو مع غيرك من أبنائك وأهلك و أقربائك، واجعل من نفسك في رمضان وبعده شخصا آخر غير الذي كنته قبله، فإن رمضان فرصتك لتصير أفضل مما كنت عليه، فإن كنت محسنا فزد في إحسانك و إن كنت مسيئا فارحم نفسك ولا تعرضها لغضب الله وسخطه.
16- اجعل من الثلث الأخير من الليل أفضل أوقاتك تصلي فيه ركعات وتناجي فيه ربك وتسأله عطاءه من خزائنه التي لا تنفد، فإن الله تعالى في هذه الأوقات يعرض توبته ومغفرته وعطاءه واستجابته لدعوات عباده، فاحرص كل الحرص أن لا تحرم هذا الفضل، واشغل نفسك بالله.
17- إكثارك من الأكل في رمضان واستغراقك في النوم وتوسعك في المباح ينافي الحكمة من تشريع صيامه، فهذا الشهر شهر العمل وفرصة الانسان التي قد لا تُدرك، فليكن طعامك ما تقيم به صلبك وليكن نومك ما تريح به جسمك، والزيادة في ذلك إنما تكون على حساب عمل عظيم وخير كثير.
18- إذا لم تكن صلة الأرحام مقدورة وممكنة، فالجأ إلى البديل/ الهاتف وصل أرحامك فيه واتصل بأقربائك ومعارفك وجيرانك وأصدقائك، خصوصا كبار السن والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، فإن أثر هذه المكالمات على مثل هؤلاء لايعمله إلا الله.
19- الأمهات والأخوات والزوجات والبنات اللواتي يمكثن مددا طويلة في المطبخ، باستحضارهن نية العبادة في إعدادهن الطعام والفطور يَحُزْن الأجر والثواب، بل قد يجاوزن أهل بيتهن في الأجر والثواب؛ أجر الصيام وأجر إعداد الطعام. ففي الحديث الصحيح( ذهب المفطرون اليوم بالأجر).
20- يحسن بك اقتناء حاجياتك المنزلية لأسبوع كامل وإن أمكن فلشهر كامل، تتجنب معه الخروج اليومي إلا للضرورة القصوى، فتحصل وقتك وتنفقه في الطاعة والعبادة، بل ينبغي أن تكون غايتك في تعاملك مع الله هو الحرص على الأعمال الفاضلة وترك الأعمال المفضولة …
هذا الزمان هو الزمان الأخير كثرت فيه وسائل الغواية والتضليل، وقلّت فيه فرص الإنسان للفوز والنجاة وقد لا تكرر، فبادر للفوز في هذا الشهر فهو ليس كأي شهر والعمل فيه ليس كأي عمل والتوبة فيه ليست كأي توبة والطاعة فيه ليست كأي طاعة، فإنه قد رغم أنف امرئ أدرك رمضان ولم يغفر له. فإنك إن لم تستجلب رحمة الله ومغفرته ورضوانه وقد صفدت الشياطين، فمتى ؟ وما أدراك أنك ستعيش بعد عامك هذا ؟ فبادر…