كيف نناقش المدونة
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
لماذا لا يستطيع الكثيرون منا الرفع من مستوى النقاش ؟ ، لماذا تضيق صدورنا ولا تتسع لتستوعب كل الآراء والمواقف ووجهات النظر ، مهما بلغ اختلافنا معها ؟؟ ، ما دمنا جميعا نتجه إلى الغاية نفسها ، مبدئيا على الأقل ؟ . مناسبة هذا الكلام هو ما أثير من جدال حول مدونة الأسرة ؛ ويهمني تحديدا هنا ، التوقف قليلا ، مع الطريقة التي يتم بها هذا النقاش ، والعبارات التي يختارها البعض للتعبير عن امتعاضهم ورفضهم لكلام المخالفين لهم ، في وقت يعبر فيه كل طرف عن انشغاله بمصلحة الأسرة المغربية ، ورغبته المخلصة ، ومن موقعه الثقافي والسياسي ، في النهوض بقضاياها ، والمساهمة في إيجاد الحلول الملائمة لمختلف الإشكالات التي تعوقها ؛ ما يعني أنه مبدئيا ، يفترض احترام كل الآراء المعبر عنها ، وإلا ما معنى الحديث عن مجتمع ديمقراطي ؛ فبالطبع ، كل طرف يفكر في نموذج مجتمعي معين ، ويستصحب هذا النموذج أثناء حديثه ، وهذا هو المبرر الموضوعي لوجود الهيئات والجمعيات والذوات ، الفكرية والسياسية ، وإلا ، لا معنى لأي حديث عن الإختلاف والتعدد ، ما دمنا نبحث عن الرأي الواحد والوحيد ؛ وإذا ما حاولنا أن نفكر في بعض العناصر التي يدور حولها النقاش ، أو الجدل بالأحرى ، فيمكن أن نقسمها إلى نوعين :
النوع الأول : ويبدو أنه يحظى بالإجماع ، بحيث يلاحظ أن جل المتدخلين ، يؤسسون كلامهم على الخطاب الملكي ل 30 يوليوز 2023م ، ودعوته لإجراء تقييم لمدونة الأسرة ، ويقرون مبدئيا بمشروعية الهيئة التي تم تكليفها للإشراف على إجراء هذا التقييم ، والجميع في النهاية يشيد بدور مؤسسة إمارة المؤمنين ، بما هي الفيصل في كل ما يمكن أن يطرأ من تشويش على المسار الطبيعي والمؤسسي لهذا النقاش ، ما يعني أن النقاش في النهاية مؤطر بمؤسسات البلد ، بغض النظر عن الملاحظات التي يمكن أن يحتفظ بها كل طرف حول منطق اشتغال هذه المؤسسات ، وبالنتيجة ، فالخلاف مهما احتد ، ويجب أن يحتد ، سيؤول إلى نهايته العادية ، والتي ستكون حتما في صالح الأسرة المغربية .
النوع الثاني : ويهم مجمل العناصر والقضايا التي يثار حولها الجدال ، وهي عناصر بالمناسبة تبدو محدودة ، وتتكرر في كل مناسبة ، ويتم توظيفها كورقة للإستقطاب السياسي أحيانا كثيرة ، وهذه لوحدها تحتاج إلى وقفات ، ذلك أن الأمر يتعلق بالأسرة المغربية ، النواة الطبيعية للمجتمع المغربي ؛ فإلى متى سنظل نتحدث ، في كل مناسبة ، وبعد عقدين من الزمن وأكثر، عن نفس القضايا : (التعدد أو التعديد على الأصح ، الولاية ، الحضانة ، الطلاق ، الإرث ، زواج القاصرات ) ، وهل بالفعل هذه هي الإشكالات الواقعية ، التي تعانيها الأسرة المغربية ؟ ؛ وحين نحاول الإقتراب من وجهات النظر المختلفة حول مجمل هذه القضايا ، يمكن ملاحظة مايلي : في موضوع تعديد الزوجات ، هناك من يقول بضرورة إلغائه ، في مقابل من يقول بالعكس ، والمدونة الحالية تقول بتقييده ؛ في موضوع الحضانة هناك من يقول ، بحق المرأة في حضانة أبنائها بإطلاق ، في مقابل من يقول بإسقاط هذه الحضانة ، في حال زواج المرأة من جديد ؛ في موضوع ولاية الرجل على المرأة ، هناك من يدعو إلى إسقاطها ، ما دمنا نتحدث عن المساواة الكاملة ، في مقابل من يرى الإحتفاظ بها ، بما فيه مصلحة للمرأة ، والمدونة الحالية ، تقدم تقنينا متقدما في الموضوع ؛ في موضوع التعصيب ، هناك من ينادي بإلغائه بالكلية ، بما يضمن حق البنات والزوجة ، لا سيما حالة وفاة الزوج ، في مقابل من يدعو إلى الإحتفاظ بالتعصيب ، ومعالجة الحالات التي تتطلب العلاج في الموضوع ؛ في موضوع زواج القاصرات ، هناك من يدعو إلى إلغائه بالكلية ، في مقابل من يقول بتقنينه ، ومعالجة حالاته ومراعات تنوعها ، بما يحقق مصلحة الفتاة ؛ ألا يمكن التوصل بالهدوء المطلوب ، والروية العلمية والمنهجية اللازمة ، إلى مقاربات متقدمة وناجعة لكل هذه القضايا ، ما دام الجميع يقر برغبته في خدمة مصلحة الأسرة المغربية والنهوض بقضاياها ، وضمان استقرارها ؟ ؛ هل يمكن أن نتصور وجود من يريد الإجهاز على الأسرة المغربية ، من باب الحريات الفردية ، والعلاقات الرضائية ، والقول بالعلاقات المثلية وما إليها ، في مجتمع هو المجتمع المغربي ؟؟ .