كيف يحمي المغاربة مقرراتهم الدراسية؟
هوية بريس – محمد زاوي
1- تغيير مقررات دراسية لأغراض ربحية
تقدِم عدد من الشركات المفوض لها طبع الكتب المدرسية على إحداث تغييرات ببعض المقررات كل سنة دراسية، الأمر الذي ترفضه الأسر المتوسطة والفقيرة باعتباره يزيد من تكاليف الكتاب المدرسي ويرهق كاهل الأسر المغربية بها.
ويرى المتضررون من هذه التغييرات أنها تستهدف أغراضا ربحية ما دامت لا تهم مضامين مهمة في المقررات الدراسية.
وفي تفاعله مع هذه الظاهرة، سبق للفاعل التربوي عبد الوهاب السحيمي أن أدلى بتصريح إعلامي قال فيه: “هناك لوبي تجاري ربحي، همه الوحيد استنزاف جيوب الأسر المغربية، بمقررات جديدة كل سنة، لا تحمل من الجديد إلا الاسم أو لون الغلاف أو زيادة فقرة أو حذف سطر من نص من النصوص الموجه إلى تلاميذ التعليم الابتدائي، أو تغيير تسلسل الدروس، حيث نجد أنفسنا أمام مقررات متكررة بألوان وترتيب دروس مختلفة وغلاف يتغير لونه كل سنة”.
وأضاف السحيمي أن “الاستراتيجية المتبعة من قبل اللوبي التجاري، تسعى إلى قطع الطريق أمام الحلول التي كانت الأسر المغربية تعتمدها، من أجل ضمان تمدرس أبنائها، حيث يتم توفير المال، من خلال الاستفادة من المقررات الدراسية من جيل لآخر، واليوم، الأسر المغربية المعوزة ومن الطبقة المتوسطة تجد نفسها أمام واقع جديد يفرض شراء المقررات الدراسية التي يتم ترقيعها، مطلع كل موسم دراسي جديد، مما يجبر العديد من الأسر على توقيف أبنائها من التمدرس، بسبب القدرة الشرائية المتأزمة”.
2-صور مخلة بالحياء.. من يحمي أخلاق التلاميذ؟!
تنتشر بين الفينة والأخرى صور مخلة بالحياء والهوية المغربية، يقال إنها لصفحات من مقررات دراسية تستوردها مدارس خاصة من دول أجنبية.
وفي سياق متصل كانت صفحات من مقرر للغة الفرنسية قد أثارت في وقت سابق جدلا واسعا، إذ تحتوي على صور لشخصيات في وضعيات مخلة بالحياء العام.
واستنكر روادٌ لمواقع التواصل الاجتماعي هذه الصور مبدين تخوفهم على الهوية المغربية ومحذرين من استهداف قيم الإسلام عن طريق المقررات الدراسية الأجنبية.
ودعا فاعلون تربويون إلى إخضاع مقررات المدارس الخاصة للرقابة الصارمة والدائمة، وإلزامها بالقانون المنظم للقطاع، كذا بقيم الإسلام والمواطنة الصالحة.
3-الدارجة في المقررات و”الاستقلال” يحذر
وكان إدراج عبارات بالدارجة في بعض المقررات الدراسية قد أثار غضب واستغراب العديد من المهتمين بالشأن التربوي، في وقت سابق.
وسبق لرواد مواقع التواصل الاجتماعي أن تداولوا صورا لعبارات مكتوبة بالدارجة من قبيل: “البريوات، والبغرير، والغريبة، والشربيل”، مستنكرين إدراجها في مقرر دراسي.
وردا على هذا المستجد، دعا حزب الاستقلال بعيد تداول الخبر إلى عقد اجتماع عاجل للجنة التعليم والثقافة والاتصال بالبرلمان لمناقشة الموضوع.
واعتبر ذات الحزب إدراج هذه العبارات “إخلالا صريحا بالمقتضيات الدستورية وخاصة الفصل الخامس من الدستور الذي يحدد العربية والأمازيغية، حصرا، لغتين رسميتين للدولة”.
وأبدى الفريق الاستقلالي بالبرلمان، في مراسلة له، “قلقه الكبير من تواتر إصدار عدد من المقررات الدراسية، خاصة بالتعليم الابتدائي، تستعمل عبارات دارجة، إضافة إلى مضامين تخالف المنظومة القيمية والثوابت الجامعة للأمة المغربية”.
وأشار ذات المصدر إلى أن “محاولة اختراق المقررات الدراسية باستعمال العبارات الدارجة، يدخل في سياق الأزمة المفتعلة حول اللغتين العربية والأمازيعية، وتدبير التنوع اللغوي ببلادنا من طرف جهات معلومة تسوق لاختيارات مجتمعية مضادة لثوابت الأمة”.
وهو ما اضطر الوزارة للتوضيح مؤكدة أن إدراج “أسماء علم لحلويات أو أكلات أو ملابس مغربية في مقرر دراسي يعود لمبررات بيداغوجية صرفة”.
4-العبرية في المقررات الدراسية.. ما غايات الإدراج؟
رغم الحيز الذي يشغله المكون العبري في الثقافة المغربية، إلا أن إدراج نصوص أو مضامين من تراثه يثير عددا من المخاوف لدى فئات واسعة من المغاربة التي تتساءل حول خلفيات هذا الإدراج والسياق الذي بحكمه.
وقررت الوزارة المعنية، في وقت سابق، إدراج التراث العربي المغربي في المقررات الدراسية، وبالضبط في مادة الاجتماعيات (السادس ابتدائي).
وبررت وسائل إعلام محلية ودولية هذه الخطوة باستئناف المغرب علاقاته الدبلوماسية بـ”إسرائيل”، إلا أن الوزارة الوصية كانت قد نفت ذلك.
وصرحت ذات الوزارة بأن “المكون العبري رافد من روافد الهوية المغربية وإدراجه ضمن المناهج التعليمية كان واردا منذ صدور دستور 2011”.
وقال فؤاد شفيقي مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، في ذات السياق، أن “المكون العبري موجود في برامج دراسية للسلك الابتدائي تعود لسنة 2019 ولم يتم الانتباه إليها من قبل، خاصة على مستوى كتاب اللغة العربية للسنة الرابعة من التعليم الابتدائي، الذي يتضمن إحالات مسبقة للإرث اليهودي في الطبخ المغربي وفي كل ما يتعلق بالمهن والحرف، التي كان اليهود المغاربة يتميزون بإتقانها”.
وأضاف شفيقي، في تصريح بوسيلة إعلام رسمية، أن “هذه التعديلات تتماشى مع دستور المملكة لسنة 2011، والذي تحدث في ديباجته وبعض مواده عن التنوع الثقافي واللغوي بالمغرب، إضافة إلى روافد الهوية المغربية التي تشمل الرافد العربي الإسلامي والرافد الأمازيغي والإفريقي والأندلسي والعبري”.
ورغم هذا التصريحات التي تعتبر القرارات المذكورة قرارات عادية، إلا أن أصواتا أخرى تحذر من إغراق المقررات الدراسية المغربية بالروافد والمكونات ما ينعكس على هوية التلاميذ وخصوصيتهم وانتمائهم الوطني.
5-تعديلات في مقررات التربية الإسلامية تثير انتقادات واسعة
أدخلت وزارة التعليم في السنوات الأخيرة تعديلات كثيرة على مقررات مادة التربية الإسلامية، تحت شعار “ترسيخ قيم الإسلام السمحة، والتعايش والتسامح والانفتاح واحترام الآخر”.
وشملت التعديلات التي اعتمدتها الوزارة المعنية: تقليص عدد دروس المادة من أربعين درسا إلى عشرين درسا، وحذف دروس وإدراج أخرى، وكذا إدخال تعديلات على دروس أخرى تم الإبقاء عليها.
ولعل من أبرز هذه التعديلات، تعويض حفظ ودراسة سورة الفتح بحفظ ودراسة سورة الحشر في المستوى الإعدادي، وحذف دروس التشريع الجنائي (الحدود والقصاص والتعزيرات) ودروس الإرث في المستوى الثانوي، ودروس أخرى في قضايا الأسرة والاقتصاد، إلى غير ذلك من التعديلات التي تم اعتمادها.
وقد قوبلت هذه التعديلات بعدد من الانتقادات التي اعتبرت الدروس المحذوفة ذات أهمية بالغة في المنظومة الإسلامية لما تحتويه من توجيه أخلاقي واجتماعي وثقافي وفق نظام الإسلام.
6-هل يدعم البنك الدولي التعليم المغربي بدون مقابل؟!
يتساءل متابعون ومحللون عن الغايات والأهداف التي يتوخاها البنك الدولي من خلال دعمه المالي لقطاع التعليم في المغرب، خاصة وأن هذه المؤسسة الشمالية الدولية لا تدعم إلا على أساس أجندات وإملاءات.
وفي سياق متصل، في مارس 2023، وافق البنك الدولي على تمويل إضافي بقيمة 250 مليون دولار لبرنامج دعم التعليم في المغرب، بالإضافة إلى البرنامج الأولي بقيمة 500 مليون دولار الذي تمت الموافقة عليه في عام 2019.
وذكرت وسائل إعلام رسمية أن هذا التمويل يهدف إلى مساندة الحكومة المغربية في تنفيذ برنامج طموح لإصلاح التعليم.
وزادت ذات المصادر أن هذا البرنامج “يتضمن توسيع نطاق خدمات التعليم الجيد في مرحلة الطفولة المبكرة، ودعم ممارسات التدريس في المدارس الابتدائية والثانوية، وتعزيز القدرات الإدارية، والمساءلة عن نتائج تعليمية أفضل”.
وقالت إن “هذا التمويل الإضافي يهدف إلى تحقيق نتائج أكثر طموحًا لهذا القطاع، مع تمكين إمكانية الوصول إلى التعليم والمرونة بشكل أكثر شمولاً وفعالية في فترة ما بعد كوفيد-“19.
كما “يدعم هذا التمويل الإضافي تفعيل نموذج التنمية الجديد (NMD)، ولا سيما خارطة الطريق الاستراتيجية لإصلاح التعليم بقيادة وزارة التربية الوطنية ومرحلة ما قبل المدرسة والرياضة”.
أيضا “سيمكن التمويل الإضافي من تحقيق أهداف أكثر طموحا فيما يتعلق بتقييم التعلم، للحصول على نتائج أفضل”.
هذه أهداف كبرى وعامة ومغرية، لكن يحق للمتابع التساؤل: إلى أي حدّ يستطيع البنك الدولي استهداف هذه الغايات النبيلة دون أن تكون له فيها مصالح وسياسات خاصة قد لا تخدم السياسات التعليمية المغربية؟! هل ستبقى المقررات الدراسية ومضامينها بعيدة عن أيدي البنك الدولي أم أنه يبتز بدعمه المالي قطاع التعليم من هذا مدخل مناهج ومقررات التدريس أيضا؟!
7-لماذا تدعم فرنسا المغرب في أوراشه لـ”إصلاح التعليم”؟!
نفس الأسئلة يمكن سحبها على الدعم الأوروبي، حيث أعلنت وزارة التربية الوطنية، في بلاغ لها عام 2019، أن “فرنسا ستدعم المغرب في المجالات التي تحظى بالأولوية، في ورش الإصلاح التربوي الذي يعرفه المغرب، والمتمثلة في تعميم وتطوير التعليم الأولي، والتكوين الأساس والمستمر، وفي مجال التربية الدامجة، وفي تنفيذ الخطة الجديدة للتوجيه المدرسي والمهني والجامعي”.
وذلك من خلال التوقيع على إعلان نوايا مشتركة، في إطار الدورة الـ14 للاجتماع الفرنسي-المغربي الرفيع المستوى (2019).
ويأتي هذا الإعلان حسب نصه لـ”تعزيز التعاون الثنائي في المجال البيداغوجي المتمثل في الارتقاء بتدريس اللغة العربية والثقافة المغربية لأبناء الجالية المقيمة بالخارج وكذا اللغة الفرنسية في النظام التعليمي المغربي والنهوض بالتعليم الأولي والتعليم التقني والمهني والمسارات الدولية، إضافة إلى النهوض بالتربية الدامجة والتكوين الأساس والمستمر للأساتذة”.
وكان بلاغ وزارة التربية الوطنية قد أشار إلى أن “التعاون الفرنسي المغربي في مجال التعليم سيهم دعم الحياة المدرسية من خلال دعم الأنشطة العلمية والفنية والثقافية والرياضية وتعزيز قيم التسامح والمواطنة، وكذا مجال الحكامة من خلال تعزيز قدرات المدبرين في مجال تدبير الموارد البشرية ونظام المعلومات وضمان الجودة”.
8-تعيين علماني في مناهج التعليم.. بنكيران يحذر وزير التعليم
قال عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إنه سمع مؤخرا بتعيين شخص علماني على رأس اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج، في إشارة إلى محمد الصغير جنجار الذي عين قبل أيام على رأس اللجنة.
وفي ذات السياق، حذر بنكيران في كلمة حزبية له، شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والرياضة والتعليم الأولي من بعض السياسات التي قد تؤثر على تدين المغاربة.
وذكر بنكيران بنموسى بأن المغرب بلد الدستور، وبلد إمارة المؤمنين، الأمر الذي لا يسمح بالمساس بتدين المغاربة والتزامهم الديني.
وأشار بنكيران في معرض مرافعته إلى البلدان التي تفتقر إلى دين يجمعها ويوحدها، منبها إلى الجرائم والآفات الاجتماعية المنتشرة بها.
9-قول الفقيه.. الاستعمار ومناهج التدريس
يحتل التعليم دورا مهما في أي مشروع إصلاحي أو تغييري، ولذلك اهتم به فقهاء الحركة الوطنية زمن الاستعمار، وبعد استقلال المغرب، داعين إلى توحيده وتحصينه ضد الاستعمار والاستهداف الأجنبي.
ومن أبرز فقهاء الحركة الوطنية الذين اهتموا بالقضية نجد علال الفاسي الذي يقول في “النقد الذاتي”: “العلم في الصغر كالنقش على الحجر، من هنا يدرك كل غاز أو مستعمر يسعى إلى تغيير عقول الأشخاص، إلى أنه لن يتمكن من هذا الأمر بقوة السلاح وإنما بتعديل مناهج التدريس في البلد الذي استعمره”.
ويستشهد علال الفاسي في هذا الصدد بقول لأحد المبشرين القساوسة (صموئيل زويمر): “إنكم أعددتم شبابا في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها”.
هذا الجيل في نظر الزعيم والفقيه الوطني علال الفاسي هو الذي يسهل عملية الاختراق الاستعماري، أي أنه يكون جيلا “قائلا للاستعمار” بتعبير مالك بن نبي في “شروط النهضة”.