كيف يواجه المغاربة الارتفاع الاستثنائي للأسعار؟
هوية بريس – وكالة
لم تستطع المغربية فاطمة الدحماني (ربة بيت) استيعاب غلاء الأسعار في المغرب خصوصاً المواد الاستهلاكية، فبين فترة وأخرى تفاجأ بزيادة جديدة في ثمن مادة معينة.
بمجرد ما سألها منبر “عربي بوست” عن المواد التي طالت أسعارها زيادات، بدأت في سرد لائحة تضم العديد من المواد الغذائية والخدمات.
تقول باستنكار: “حتى الأواني المنزلية ارتفع ثمنها بل تضاعف، لا أفهم هل هذه مصادفة أم وراءها أسباب معقولة”.
لم تعد هذه المرأة الخمسينية -التي تعيش في حي شعبي بضواحي الرباط وزوجها يدير عملاً خاصاً- قادرة على تدبير مصروف البيت وتوفير كل ما تحتاجه.
توضح أنها اضطرت للاستغناء عن شراء بعض المواد الغذائية غير الأساسية لتتمكن من توفير الضروريات، متسائلة بحيرة: “كيف سيعيش المواطن البسيط الذي يعمل بيومية زهيدة؟ وكيف سيوفر القفة لأبنائه”.
ويطغى موضوع الزيادات في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات والمحروقات على كل أحاديث المغاربة هذه الأيام في الجلسات الخاصة والمقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي.
وعرفت أسعار المحروقات ارتفاعاً في الفترة الأخيرة، ما دفع الجمعية المغربية للنقل واللوجستيك إلى الإعلان عن عزمها الزيادة في تسعيرة النقل بـ 20% قبل أن تتراجع إثر حالة الاستنكار التي عبر عنها المواطنون وفعاليات حقوقية ومدنية وتدخّل السلطات الحكومية.
غلاء الأسعار في المغرب.. مَن الضحية؟
بالنسبة لفاطمة الدحماني فإنها لا تفهم أسباب هذه الزيادات المتواصلة، ولا تجد سوى بقال الحي للبحث عن جواب لأسئلتها الكثيرة، وللتعبير عن استيائها دون جدوى.
ووجد أصحاب البقاليات أنفسهم في مواجهة مباشرة مع المواطنين الغاضبين بسبب هذه الزيادات.
يوضح الطيب آيت باه، وهو تاجر وعضو سابق في غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط سلا القنيطرة، أن أصحاب البقاليات أو “مول الحانوت” كما يطلق عليه في الأحياء الشعبية يتلقى تذمر المواطنين وشكواهم في كل مرة يرتفع ثمن سلعة معينة.
بالنسبة للطيب فإن “مول الحانوت” ليس محل تجارة فقط بل هو مؤسسة اجتماعية تقدم خدمات وتسهيلات للمواطنين في الأحياء الشعبية.
ويضيف في حديثه مع “عربي بوست” أنه “أمام ارتفاع الأسعار، وتراكم الفاتورة الشهرية، لم يستطع بعض المواطنين البسطاء سداد ديونهم، انضاف إلى ذلك تراجع هامش ربح التاجر الصغير وتقلص رأس ماله، ما جعله أول المتضررين من هذا الوضع”.
عبد العزيز حبوس -وهو صاحب بقالة في مدينة القنيطرة- واحد من هؤلاء البقالين الذين مسّتهم الأزمة وتضرر محله التجاري.
يقول إن “جلّ المواد الغذائية ارتفع ثمنها بشكل صاروخي، وهامش ربح التاجر تقلص بشكل كبير، كان البقال يربح 5 دراهم عند بيع 5 لترات من الزيت النباتية حينما كان سعرها 65 درهماً، اليوم يربح 3 دراهم بعدما أصبح ثمنها 83 درهماً”.
ويشرح عبد العزيز أن بعض المواد ارتفع سعرها بحوالي 50%.
يتوقف للحظات عن الكلام ويضيف: “أنا بقال منذ 30 سنة ولم أعاين مثل هذه الزيادات التي طالت أسعار معظم المواد دفعة واحدة، حتى أن المواطنين من ذوي الدخل المحدود لم يعودوا قادرين على اقتناء ما يحتاجونه من مواد غذائية لارتفاع ثمنها”.
ويوضح أن “المواطن الذي كان يخصص مبلغاً معيناً لشراء حاجته للمواد الغذائية لم يعد قادراً على اقتناء كل ما يريده، أصبح يستغني عن بعض المواد ولا يأخذ إلا الضروري وبكمية محدودة، وبسبب هذا الوضع تراجعت مداخيلنا ولم نعد قادرين على تدبر أمور تجارتنا ومعيشتنا”.
وكان عبد العزيز يحصل في اليوم على 5 آلاف درهم (حوالي 500 دولار)، لكنه اليوم لا يستطيع تحصيل سوى 2000 أو 2500 درهم (ما بين 200 و250 دولاراً)، بسبب تضرر القدرة الشرائية للمستهلكين، واستغنائهم عن الكثير من المواد.
غياب آليات رقابة
بالنسبة لرئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك وديع مديح فإن الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات بدأت العام الماضي، مشيراً إلى أن الجامعة التي يترأسها نبهت منذ شهر غشت 2021 عبر بياناتها الحكومة والإعلام إلى أن هذه الزيادات ستضر بالقدرة الشرائية للمواطنين.
يقول مديح إنه بالرغم من توفر المغرب على عدد من القوانين التي تحمي المستهلك إلا أنها غير فعالة.
ويرى المتحدث أن ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأولية في السوق الدولية يؤدي إلى الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات في السوق المحلية والمسّ بالقدرة الشرائية المنهكة للمواطنين.
وأضاف المتحدث أن الحكومات المتعاقبة لم تتحمل مسؤوليتها في حماية المستهلكين، ولم تضع أي إجراءات أو آليات لحماية المواطنين من تقلبات السوق الدولية.
ويضيف أن “المواطن المغربي عانى طيلة عامين من الجائحة، فقد شغله وانخفضت مداخيله وانهارت تجارته، ثم يصطدم بهذه الزيادات الصاروخية في الأسعار، لا يمكن لهذا المواطن أن يتحمل أكثر من طاقته، وعلى الحكومة أن تقوم بواجبها في حمايته”.
وعبر المتحدث عن مخاوفه من المستقبل قائلاً: “نخشى على السلم الاجتماعي، وإذا لم تتدخل الحكومة بصرامة فستشهد البلاد مشاكل هي في غنى عنها”.
ودعت الجامعة الحكومة إلى التدخل الفوري والسريع بتحديد أثمنة بيع المنتجات الأساسية والضرورية وفقاً للضوابط القانونية المخول لها، وتسخير آليات الرقابة والضبط لضمان منافسة شريفة ومحاربة الاحتكار، وضمان الحفاظ على القدرة الشرائية للمستهلك.
دعوة لتفادي الاحتقان
وخرج مواطنون في تظاهرات غاضبة نهاية الأسبوع المنصرم في عدد من المدن بدعوة من نقابة الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل احتجاجاً على الغلاء وارتفاع الأسعار وصمت الحكومة إزاء هذا الوضع.
وانتقل هذا الغضب إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تصدر وسم #اخنوش-ارحل و #لا لغلاء الأسعار هذه المواقع.
وطالب نشطاء في تدوينات وتغريدات رئيس الحكومة عزيز أخنوش بالتفاعل مع الوضع المعيشي الصعب الذي بات يعيشه المواطنون، منتقدين صمته وصمت أعضاء حكومته إزاء الغضب المتزايد لدى الناس جراء المس بقدرتهم الشرائية، وعدم تقديم حلول لإنهاء الاحتقان أو التخفيف من حدته.
وكان رئيس الحكومة قد اعتبر في أول وآخر خروج إعلامي له على التلفزيون الحكومي منذ شهر أن ارتفاع الأسعار في المغرب “ظرفي”، ويأتي في سياق الارتفاع الذي شهدته الأسعار عبر العالم.
أمام هذا الوضع الملتهب وحالة الغضب المستعر لدى شريحة واسعة من المواطنين، دعا حزب التقدم والاشتراكية المعارض، الحكومةَ إلى التحرك في اتجاه ضبط الأسعار، وحماية القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، تفاديا “لأي احتقان اجتماعي مُحتمل”، بحسب وصفه.
ونبه الحزب في بيان أصدره عقب اجتماع مكتبه السياسي الثلاثاء إلى “الارتفاع الصاروخي لأسعار المحروقات، وما يؤدي إليه ذلك من ارتفاع مهول في أسعار معظم المواد الاستهلاكية والخدمات، ومن تفاقم للأوضاع الاجتماعية المتدهورة أصلاً بفعل التداعيات الوخيمة لجائحة كورونا، ومن تأثر سلبي إضافي لقدرات المقاولة الوطنية ولاسيما الصغرى والمتوسطة”.
واعتبرت فرق المعارضة بمجلس النواب الارتفاعات المتتالية لأسعار المحروقات بالسوق الوطنية في الآونة الأخيرة “ضربة للقدرة الشرائية للمواطنين”.
ووجهت 4 فرق طلباً لرئيس لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن بالبرلمان، لعقد اجتماع اللجنة بحضور وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، لمدارسة ارتفاع أسعار المحروقات.
واعتبرت المعارضة أن القدرة الشرائية للمواطنين منهكة أصلاً، بسبب غلاء أسعار المواد الغذائية، وبسبب قلة التساقطات المطرية ومخلفات وباء كوفيد 19، محذرة من أن هذه المعطيات ستنعكس سلباً على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لشريحة كبيرة من المغاربة.
وكان مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، قد أكد الأسبوع المنصرم أن الحكومة “تبذل جهوداً كبيرة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى استقرار الأسعار، لاسيما من خلال صندوق المقاصة الذي يرصد أكثر من 17 ملياراً لدعم المواد الأساسية”.
وأضاف أن ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة يعود إلى انتعاش الاقتصاد العالمي والطلب على المواد الأولية خاصة البترول.