لأول مرة في تاريخه.. المجلس الأعلى للحسابات ينتقد وزارة الأوقاف
هوية بريس – متابعات
كشف تقرير صادر عن المجلس الأعلى للحسابات عن وجود ضعف كبير في منظومة التعليم العتيق منذ أكثر من 20 عامًا، بسبب الاختلالات الإدارية وضعف التدبير والتسيير، وغياب استراتيجية موحدة وأهداف محددة للوصول إلى تعليم يرقى إلى طموحات التلاميذ والأساتذة ويحسن الوضعية الاجتماعية والمهنية للأطر التربوية التي تعمل في هذا المجال.
ويطالب التقرير بتحديث الإطار الاستراتيجي لتأهيل منظومة التعليم العتيق وفق رؤية متكاملة تقوم على تحديد دقيق للأهداف المراد تحقيقها في هذا القطاع، مع الاعتماد على مؤشرات أداء تتيح إجراء تقييم دوري لجميع مراحل التخطيط وتنفيذ مشاريع التأهيل. كما يدعو التقرير أيضًا إلى تفعيل آليات التنسيق والتعاون والشراكة المنصوص عليها في القانون 13.01 فيما يتعلق بالتعليم العتيق مع جميع الفاعلين الأساسيين، وخاصة قطاعي التربية الوطنية والتعليم العالي، من أجل تحسين المنظومة التربوية للتعليم العتيق.
ورصد التقرير تأخر تنزيل آليات التنسيق بين قطاعات التربية والتكوين والتعليم العتيق، وهو ما فوت على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فرصة الاستفادة من خبراء قطاعي التربية الوطنية والتعليم العالي في مجال التربية والتكوين، ذلك أن إبرام اتفاقية إطار الشراكة لتفعيل المشاريع الاستراتيجية لتنزيل أحكام القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بالمنظومة التربية والتكوين، لم يتم إلا بتاريخ 14 يونيو 2021، حيث حددت هذه الاتفاقية الإطار العام للشراكة والتعاون بين الطرفين، مبرزا أن اللجان الوطنية والجهوية التي تضم ممثلي التربية الوطنية والتعليم العالي والمجالس العلمية، المكلفة بتتبع وضعية التعليم العتيق، لا تعقد اجتماعاتها إلا مرة واحدة في السنة، كما أن اللجنة الوطنية للتعليم العتيق لا تقوم بتنشيط أعمال هذه اللجان وتنسيق وتتبع أنشطتها كما هو منصوص عليه في المادتين 18 و19 من القانون 13.01 بشأن التعليم العتيق.
وسجل المجلس غياب الخريطة المدرسية التي تعد أداة أساسية لأجرأة الإصلاحات والمخططات التربوية، وتحقيق الأهداف المرسومة، من خلال تشخيص الواقع وامتداده المستقبلي، مع الأخذ بعين الاعتبار المعطيات الديمغرافية والتربوية والجغرافية والاقتصادية، منتقدا عدم قيام مديرية التعليم العتيق ومحو الأمية – منذ إحداثها سنة 2004 – بإعداد هذه الخريطة المدرسية الوطنية لمؤسسات التعليم العتيق، إلى جانب عدم قيام الخلية المكلفة ومندوبي الوزارة، طبقا لمهامهم ومسؤولياتهم، بإعداد مشروع الخريطة على المستوى الإقليمي والجهوي بمنطقة تدبيرهم، وتحيينه وتتبع إنجازه، وأيضا تخطيط الحاجيات المستقبلية للمؤسسات التعليمية العتيقة، حيث أن غياب الخريطة يؤدي إلى عدم معرفة مسبقة للحاجيات والخصائص الخاصة بالمناطق التي يتم فيها إنشاء مدارس نموذجية، ومعرفة فرص استقطاب التلاميذ.
واعتبر التقرير أن المناهج التربوية والبرامج الدراسية المعتمدة في التعليم العتيق، لا تأخذ بعين الاعتبار تجانس الفئات العمرية للمتمدرسين، ولا تعرف أي تغيير، وهو ما يؤثر على جودة التعليمات وعلى اختيار المقاربة البيداغوجية الملائمة، إذ أن اختلاف الفئات العمرية لتلاميذ التعليم العتيق يخص أيضا التركيبة العمرية للتلاميذ داخل الفصل الواحد، حيث تضم بعض الفصول الدراسية تلاميذ تتراوح أعمارهم بين أقل من 9 سنوات إلى ما فوق 26 سنة، الشيء الذي يصعب معه بسط عملية التدريس في ظل عدم تجانس المتمدرسين.
وكشف مجلس الحسابات مجموعة من الملاحظات تتعلق بإحصاء وتصنيف مؤسسات التعليم العتيق، والعلاقة بين الكتاتيب القرآنية التقليدية والمدارس العتيقة، وتدبير مسار التلميذ داخل منظومة التعليم العتيق، من أبرزها الحاجة إلى ضبط إحصائيات مؤسسات التعليم العتيق، إذ تبين أن الإحصاء الميداني الذي يقوم به المراقبون الإداريون للمدارس العتيقة ومراقبو الكتاتيب القرآنية، لا يوفر معلومات كاملة، كما أن المعطيات الإحصائية تشوبها بعض النقائص من حيث شموليتها وجودتها، نظرا لكثرتها وللصعوبات المرتبطة بتوفرها، نتيجة صعوبة التواصل مع بعض المكلفين بتحفيظ القرآن الكريم، بالإضافة لغياب تعريف دقيق لمفهوم الكتاب القرآني.
وحسب التقرير، فإن منظومة التعليم العتيق تواجه صعوبات في عملية ضبط حركية التلاميذ بين مختلف المدارس العتيقة، وذلك بسبب غياب رقم وطني خاص بكل متمدرس، كما هو الحال بالنسبة لمؤسسات التربية الوطنية، كما لوحظ أن عملية تتبع مسار تلاميذ المدارس العتيقة تعتريها عدة صعوبات مرتبطة على سبيل المثال، بتشابه الأسماء، خصوصا في الوسط القروي، مع العلم أن المتمدرسين يمكنهم الالتحاق بأي مدرسة للتعليم العتيق دون قيود، وهذه الوضعية تشجع على زيادة حركية التلاميذ من مدرسة إلى أخرى، وربما لمرات متتالية خلال نفس الموسم الدراسي، وهو ما من شأنه التأثير على تحصيلهم الدراسي وعلى ضبط الإحصائيات المتعلقة بهذه المؤسسات، وفي نفس السياق يصعب تتبع مسار التلاميذ الملتحقين بالمدرسة العمومية أو بالجامعات، أو المنقطعين عن الدراسة في غياب رقم وطني للتلميذ، خصوصا في ظل الأفواج الكبيرة للتلاميذ الذين يغادرون سنويا نظام التعليم العتيق، سواء في سلك التعليم الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي.
وقد لاحظ مجلس العدوي، غياب إطار تعاقدي بين الوزارة الوصية ومؤسسات التعليم العتيق يوضح الأهداف والآليات الكفيلة بتأطير استعمال الدعم الممنوح لهذه المؤسسات، لاسيما من خلال الاتفاق على الالتزامات والواجبات المتعلقة بكل طرف، وأداء هذه المؤسسات، وضبط معايير تسييرها وجودة تعليمها، مع العمل على إرساء برامج عمل على كافة المستويات للنهوض بمنظومة التعليم العتيق، ودعا إلى تأطير الدعم والامتيازات والمساعدات الممنوحة لمؤسسات العليم العتيق وللجمعيات المدبرة لها، من خلال إبرام اتفاقيات شراكة معها، وعلى أساس دفاتر تحملات تتضمن أهدافا واضحة وقابلة للقياس وتحدد الالتزامات والواجبات المتعلقة بكل طرف.
كما كشف التقرير مجموعة من الاختلالات حول النظام المعلوماتي الخاص بالتعليم العتيق، من أبرزها غياب رمز خاص بمسار التلاميذ والطلبة كما هو معمول به في وزارة التربية الوطنية، وذلك من أجل الرفع من مستوى الخدمات التعليمية وتمكين التلاميذ من الولوج إليها، وكذا عدم إلزام مستعملي المنصة من تعبئة جميع البيانات والمعلومات المتعلقة بتلاميذ التعليم العتيق، إذ يمكن الاكتفاء بإدخال المعلومات المتعلقة بالاسم وتاريخ الازدياد فقط وترك باقي الخانات فارغة، ولا يسمح الرابط للتلميذ الموجود لدى المؤسسة العتيقة بالتعرف على مساره الدراسي، والاطلاع على كشف النقط الخاص بكل تلميذ، كما لا تمكن المنصة من استخراج شهادة المغادرة والانقطاع والشهادة المدرسية، على الرغم من أن جميع المعلومات مخزنة بها، ثم عدم إدراج المعطيات المتعلقة بمسار تكوين الأساتذة.
ويضيف التقرير أن المردودية التربوية للمدارس العتيقة في حاجة للتطوير والتحسين، إذ أن نسب النجاح بطيئة في كافة المستويات الدراسية، سواء بالنسبة للتلاميذ الذين انخرطوا في هذا النمط من التعليم منذ المستوى الأول أو الثاني أو الثالث ابتدائي، وفي هذا الإطار، تبين أنه من أصل 2521 تلميذا مسجلا بالمستوى الابتدائي برسم الموسم الدراسي 2015/2016، تمكن 939 منهم فقط من بلوغ المستوى السادس خلال موسم 2020/2021، و240 تلميذا فقط حصلوا على الشهادة الابتدائية، ومن بين 1638 تلميذا مسجلا لأول مرة في المستوى الثاني ابتدائي عن موسم 2016/2017، تمكن 619 منهم من الوصول إلى المستوى السادس، ومن أصل 115 تلميذا مسجلين في موسم 2017/2018 تمكن 531 منهم من بلوغ المستوى السادس، فيما حصل 201 منهم على الشهادة الابتدائية في سنة 2021، ونفس الأمر ينطبق على الأفواج المسجلة برسم المواسم الدراسية السابقة.
ووفق التقرير يغادر بعض الأساتذة التعليم العتيق بحثا عن الاستقرار المهني، ثم يلتحق أساتذة جدد لتبدأ مراحل التكوين من جديد، وهو ما ينعكس على مردودية وفعالية نظام التعليم العتيق، إذ وصل عدد الأساتذة المغادرين خلال الفترة ما بين 2014 و2022، حوالي 1504 أستاذا، مشيرا إلى أن عدد الأطر الإدارية والتربوية العاملة بمؤسسات التعليم العتيق حوالي 7150 إطارا، من بينهم 4201 أستاذا وأستاذة و985 إطارا إداريا و1964 مستخدما، يشتغل 80 في المائة من هؤلاء الأطر بناء على طلبات التكليف يتم تجديدها سنويا، مقابل الاستفادة من مكافأة جزافية شهرية، ولا يشترط في الأساتذة المكلفين بموجب عقود التكليف التوفر على تجربة ميدانية بيداغوجية، حيث تتكفل مديرية التعليم العتيق ومحو الأمية في المساجد بتوفير تكوين تخصصي مستمر لهم.
وغف “الأسبوع” فقد أشار التقرير إلى ارتفاع في عدد المفتشين التربويين الذين يغادرون سنويا نظام التعليم العتيق، حيث بلغ عدد المغادرين 64 مفتشا تربويا منذ الموسم الدراسي 2011/2012، من بينهم 53 في المائة غادروا لأسباب شخصية، فيما تم إعفاء الباقين لضعف كفاءتهم ومردوديتهم، حيث أظهرت دراسة توزيع المفتشين التربويين، غياب التخصص في بعض المواد، مثل مواد العلوم الشرعية واللغة العربية على مستوى بعض المناطق والجهات، مثل جهة بني ملال خنيفرة وجهة الدار البيضاء سطات، كما رصد التقرير أن عدد المراقبين الإداريين لا يتناسب مع عدد مؤسسات التعليم العتيق لكون عددهم لا يتجاوز 40 مراقبا إداريا لتغطية 292 مؤسسة تعليمية على الصعيد الوطني، ونفس الأمر ينطبق على عدد مراقبي الكتاتيب القرآنية الذي يناهز 300 مراقب لمراقبة 12 ألفا و943 كتابا قرآنيا.