“لا أزوّجها قبل أن تتخرج”!

13 سبتمبر 2024 01:41

هوية بريس – تسنيم راجح

“ابنتي ذكية ومجتهدة، لن أدعها تضيع عليها طموحاتها، الزواج يأتي فيما بعد، لكن المهم أن تؤمّن شهادتها الآن”!

عباراتٌ متكررةٌ خطيرة تنبئك بآلاف المشاكل والأمراض الاجتماعية والتربوية والنفسية التي يتم انتاجها في المجتمع..
من الذي وضع هذه الأهمية والأولوية والقيمة للـ”تعليم” الجامعي؟ هل غالب هذا “التعليم” نافع؟ هل “أمّن غالب خريجيه على نفوسهم؟

من الذي قال أن ترتيب الحياة يجب أن يسير بهذه الحيثية المصنَعية التي تستهلك عمر الفرد في الدراسة والقدرة على تحصيل مهنة وبدء “كارير” وألقاب قبل اسمه قبل أن نسمح للإنسان أن يكون إنساناً وقبل أن يبدأ استثمار عمره والنظر في أهدافه وغاية وجوده؟

من الذي قال أن الأنثى يجب أن تحصّل شهادتها و”تؤمن” وظيفتها واستقلالها المالي قبل أن تبدأ النظر في حاجاتها النفسية والفطرية وقبل أن تعترف أصلاً بأنها أنثى رقيقة تحتاج زوجاً وتحب أن تبني أسرةً وتستمر في طلب العلم النافع مع ذلك؟

لماذا نلقي بفتياتنا (وشبابنا) إلى أجواء الاختلاط غير المنضبط والتعليم العالماني الذي غالبه غير نافع وحتى مفسدٌ ونحن نحرمهم إشباع حاجاتهم بالحلال الذي يسره الله ونعيب عليهم حتى الاعتراف بتلك الحاجات؟

لماذا نزرع في فتياتنا ونكرّس في مجتمعاتنا هذا الخوف من أن يتخلى عن الأنثى زوجها وأولادها ونتخلّى نحن عنها وتحتاج لمكابدة أصعب الظروف والتيارات لوحدها؟ أليس هذا تبريراً لضعفنا نحن وبعدنا عن الدين؟ أليس هذا ظلماً للفتاة التي يتم توجيهها لأنها “بلا شكٍ” ستحتاج العمل والاعتماد على نفسها أو أن عليها أن تخجل إن أنفق الزوج أو الأب أو الأخ عليها؟

صحيحٌ أن بعض الفتيات يتأخر زواجهنّ بدون تدخل الأهل، وصحيحٌ أن هناك من الفتيات من تستفيد فعلاً من الجامعة وتتمكن من اتقاء شرورها، وأن منهنّ من تحتاج العمل الوظيفي فعلاً..

لكننا أمام تعسير للحلال وتأخيره لما بعد سنواتٍ طويلة قد تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراة (أو دراسة الطب وتخصصاته المتتالية وسنين خبرته!)..

إننا أمام تعامل مع دراسة ودوام تستهلك جلّ الطاقة إلى فرض عينٍ على كل شباب وفتيات الأمة..

فرض عينٍ يضحي المرء في سبيله بصلة رحمه وبره بوالديه وسؤاله عن جيرانه وطلبة للعلم النافع الحقيقي وتحصيله للمهارات النفسية والاجتماعية والتربوية (والمالية) في كثيرٍ من الأحيان..

وتلك إشكالية وأزمةٌ كبرى تكرّسها عبارةٌ كالتي بدأنا بها وتكرّسها النظرة الاجتماعية للمرأة التي “لا ترضى الزواج قبل تحصيل الشهادة” مقارنة بالنظرة للتي “ليست طموحة”! و”زوّجها أهلها صغيرة”!

إنها أزمةٌ مدمّرةٌ ترفع سنّ الزواج وتصغّر قيمة الأسرة وأولوية التربية والبيت الذي “سيأتي فيما بعد” (فما احتمال أن تحبّ تلك المرأة ذات المهنة التي ضحت من أجلها أن تتركها بعد الزواج والإنجاب لتتفرغ للإنجاب والرعاية ولما تم إقناعها بأنه هامشي وثانوي؟ ما احتمال أن ترضى الدوام الجزئي الذي يقلل راتبها ويؤخر “تقدمها الوظيفي”؟ ما احتمال أن تحبّ تقلل سنين خبرتها أو تصنع الفراغ في سيرتها الذاتية بالجلوس في البيت لسنوات؟؟)، وتلك النظرة تُغرَس في الذكور والإناث بالمناسبة..

وهي أزمةٌ تترك الفطرة البشرية تغلي في صمتٍ وحرمانٍ أو حرامٍ لسنوات…

وتصنع من أبنائنا أفراداً ضائعين مستَهلكين مأسورين لأسلوب حياةٍ فُرِض عليهم ولا يستطيعون رفع رؤوسهم ليجدوا التوازن في حياتهم ويسمعوا أسئلة نفوسهم الوجودية الكبرى ومن ثم يربوا أبناءهم وبناتهم أحراراً أقوياء فخورين بدينهم وهويتهم..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M