لا تقل «المبادئ قبل المصالح» بل قل «المبادئ والمصالح»
هوية بريس – نورالدين قوطيط
في العلاقات الدولية وموازين القوة، إذا تعاملت بـ«المبادئ قبل المصالح» ستكون أنت الخاسر أبدا، لأنك لا تدير العالم كما تريد، ولا يمكن أن تتفرد بالقرار فيه.
في العالم الكثير من العقائد والإيديولوجيات والأديان والمذاهب، وأتباع كثير منها لديهم من أسباب القوة ما يجعلك مرغما على عدم تجاوزها أثناء النظر إلى موقعك في خارطة العالم.
فإذا جئت ترفع راية المبادئ متجاهلا المصالح فهذا يعني أنك تعلن الحرب على الجميع، وهذا يستحيل عليك الوفاء به، لأن معناه أنك تحكم على نفسك بالفناء بعد إغراء الجميع ضدك!
أما عندما تتعامل ب «المبادئ والمصالح» ستكون قادرا على إدارة مختلف التحالفات وتوجيه موازين القوة لصالح قضاياك الخاصة، دون أن تتنازل عن أصول مبادئك ولا التفريط في استغلال الظروف لجلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها.
ولهذا تجد الإمبراطوريات الكبرى تتوسل بالكثير من التحالفات هنا وهناك، وبالكثير من أساليب إدارة موازين القوة لكي تحافظ على وجودها ومكانتها، رغم ثبات خط مبادئ إيديولوجيتها، لكنها تتعامل مع الآخرين لتقوية مصالحها وتقليل نقاط ضعفها.
النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعامل بمنطق «مبادئ ومصالح»، فقد كان واضحا في أصول مبادئه، وفي نفس الوقت كان ينشئ تحالفات هنا وهناك ويدير خارطة موازين القوة بينه وبين قريش وباقي القبائل والقوى الفاعلة في الجزيرة العربية.
في صلح الحديبية، تنازل عن شرط كتابة (محمد رسول الله) لأن قريشا أصرت على حذف وصف الرسالة. وأيضا، وافق على رد كل مسلم فر من مكة إلى المدينة، ولا ترد قريشا من فر من المدينة إلى مكة. فهذه المواقف وغيرها في السيرة تبرهن على أن منطلق النبي صلى الله عليه وسلم كان هو «مبادئ ومصالح»، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يفكر فقط في “أنا صاحب عقيدة الحق”، بل أيضا كان مجتمع المسلمين والأمة الإسلامية الصاعدة حاضرة في وعيه، ولا يفكر فقط في اللحظة الراهنة بل في المستقبل، وهذه هي العقلية الاستراتيجية التي تجمع بين المبادئ والمصالح وبين الحاضر والمستقبل، وبهذا استطاع صلى الله عليه وسلم أن يفرق بعض القبائل عن قريش، ويقرب إليه أخرى رغم بقائها في الكفر.
والله أعلى وأعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم وبارك.
