لا حضارة إلا بترك الأنانية البغيضة
امحمد الخوجة*
هوية بريس – الثلاثاء 15 مارس 2016
حينما نلقي نظرة فاحصة ومتأنية، نجد أن الكون يخضع باستمرار لتغيرات تطال جميع المجالات، من صناعة وتعليم وصحة وسياسة… ومجموع التغيرات التي تطرأ على تلك المجالات هي التي تسمى حضارة، ومما لاشك فيه أن تلك التغيرات جلبت فوائد مهمة للإنسان، مع استثناء بعض المضار التي أسهمت في ظهور بعض المشاكل كتلك المتعلقة بالذبذبات ما فوق صوتية، والغازات المتنوعة السامة، التي تفرز نتيجة الصناعات التحويلية…
وعموما فإن آثار تلكم التغيرات، أنتجت لنا إنسانا يؤمن بالتحضر، لأنه بكل بساطة أسلوب يقوم على تبسيط الحياة وجعلها تنعم بسلاسة مطردة، ولا غر وأن نقول: إن الإنسان منذ القدم كان يسعى جاهدا إلى تحقيق الأفضل، وهو بذلك ميال بطبعه إلى التجديد والاكتشاف، وهو ما جعل الأفراد ينصهرون في المجتمعات التي تتبنى التغيير المستمر، لاسيما ونحن نعلم أن التحضر له علاقة وطيدة بسريان التغير على مستوى حق الإنسان في الحياة الكريمة بدرجة أولى، والغاية المثلى من ذلك التغيير، هو محاولة التأقلم مع الظروف والأوضاع بشكل مرن، يضمن للإنسان حياة مطمئنة برهة من الزمن، ثم يترك الأخذ بناصية التغيير المستمر للأجيال المتعاقبة، منتجة حضارة لم يعرف السابقون لها مثيل، إلا أن التغير إلى الأفضل يتطلب تنازلات وتضحيات من طرف المجتمعات والأفراد -وقلما يقع هذا- كحال بعض الأمراء المسلمين وخصوصا الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، الذين تواترت الأخبار عنهم أنهم كانوا يحاولون تغيير حال الرعية، مضحين بالغالي والنفيس، وفي الغالب الأعم كان ذلك يقع على حساب راحتهم، وكل ذلك من أجل إرساء حقوق الفرد والجماعة، ومهما يكن، فإن التاريخ يشهد على أن الأمم السالفة، إذا استثنينا الأمة الإسلامية إبان عزها، لم تستطع أن تتصف بمواصفات الحضارة، مهما بلغت من اكتشافات ومهما حققت من إنجازات، لأن تحضر المجتمعات، لا يقاس بكثرة الإنتاج وجودته، ولا بغزارة تفكير مفكريها…، وإنما تقاس بمدى تكريس العدالة الاجتماعية، محترمة بذلك حقوق الإنسان وكرامته ومنه نخلص إلى أن الدول الاستعمارية، لم تقدر أن تمسك بتلابيب الحضارة لأنها اتصفت بالأنانية البغيضة، حينما فكرت بتغيير حالها على حساب الدول الفقيرة والبئيسة، بل إن هذه الأنانية الغائية التي أرادت أن تغير الحال إلى الأفضل، هي التي حملت دولا قوية عل خلق ذرائع وحيلا، لتدمير وإبادة شعوب تحوي نساء وشيوخا وأطفالا…وما ينطبق على الدول والجماعات، ينطبق على الأفراد تماما، كحال الذين “يتعطشون” للقيادة مدعين الإصلاح والتغيير والتعلق بأهذاب الحضارة عبر الديموقراطية “المخلصة للشعوب” -وهذا على حد زعمهم- فما أن يتمكنوا ليقودوا ويسودوا، حتى تراهم جاثمين أمام تلك الأنانية البغيضة التي تحملهم على تحقيق مصالحهم ومصالح ذويهم وأتباعهم، ضاربين حقوق الآخرين بعرض الحائط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث: حاصل على ماستر متخصص في “تدريس العلوم الشرعية”