لا عارف حقا إلا الرسول ﷺ
هوية بريس – د.رشيد بن كيران
◆ “يذكر أن رجلا يعدّ نفسه ومَن حوله أنه من العارفين بالله، وأنه من أصحاب الشهود، وأنه.. وأنه..، في يوم من الأيام مات له ولد فجعل يضحك.
فقيل له: أتضحك في هذه الحالة؟
قال العارف: إن الله تعالى قضى بقضاء، فأحببت أن أرضى بقضائه.
فأشكل حال هذا الرجل على جماعة من أهل العلم، فقالوا:
كيف يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم وهو أرضى الخلق عن الله، ويبلغ الرضى بهذا العارف إلى أن يضحك !!؟
فأجاب أحد العلماء ممن فتح الله بصيرته:
هدي نبينا صلى الله عليه وسلم كان أكمل من هدي هذا العارف، فإنه أعطى العبودية حقها؛ فاتسع قلبه للرضى عن الله، ولرحمة الولد والرقة عليه، فحمد الله ورضي عنه في قضائه، وبكى رحمة ورأفة، فحملته الرأفة على البكاء، وعبوديته لله ومحبته له على الرضى والحمد. وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين، ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما، فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة والرأفة”. (من كتاب “زاد المعاد” لابن القيم بتصرف يسير).
◆ قلت:
إذا أردت أن تكون من العارفين بالله حقا، ومن أولياء الله صدقا، فما عليك إلا أن تقتفي أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ظاهرا وباطنا، في السر والعلن؛ فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو أكمل الهدي وأتمه، لأنه جمع بين كمال العبودية لله وإتمام منازلها.
وأما من يدّعي المعرفة بالله ثم يسلك طريقا يخالف طريقه صلى الله عليه وسلم، فحالهم لا يعدو أن يكون نقصا في عرفانهم بالله وإن حسنت النية والقصد، كما يظهر في موقف ذلك الرجل الذي جعل يضحك عند وفاة ولده، ظنا منه أن هذا الفعل دليل على تمام الرضى وكماله.
لكن هدي النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن العبودية الحقة لله تتسع للجمع بين التعبير عن الرضى بقضاء الله وإظهار الرحمة والشفقة، كما فعل صلى الله عليه وسلم حين بكى رحمة على ولده إبراهيم، مع تمام رضاه بقضاء الله وقدره، فلم يمنعه تحقيق منزلة الرضا بقضاء الله من تحقيق منزلة الرأفة والرحمة.
◆ فلا تغترّ أيها المريد بمن يدّعي المعرفة بالله وهو يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أحسن أحوالهم أن يكون عرفانهم بالله ناقصا، وقلوبهم قاصرة عن الجمع بين المقامات التي جمعها أكمل الخلق وأعلمهم بالله. ومن ضاق قلبه عن هذا الجمع، فقد ضاق عن كمال العبودية لله.
فاتبع سبيل من هدى الله قلبه، واستن بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، فهي السبيل الأمثل للمعرفة بالله والولاية له سبحانه وتعالى.