“لا يوجد دكاترة عندنا”…
هوية بريس – يونس فنيش
كنت قد طويت صفحة “الفايد” و انتهيت من إبداء الرأي في شأنه، ولكنه مازال يتمادى في غيه و في استفزاز العقلاء، و لذلك لابأس من إضافة مقال آخر أتمنى أن يجعله يستفيق من الضياع الذي انهوى فيه إما نظرا لعناده الشديد أو لأمور أخرى سآتي على ذكرها في ما يلي:
إذا كان لابد من مقدمة، فلنبدأ بعنوان “الفايد” لفيديو مثير على قناة استضافته في اليوتوب لصاحبها سالم المعطاوي: “لا حياة في الكون دون دراسة العلوم الكونية”. خطأ! التسمية غير دقيقة لأن الأمر يتعلق بالعلوم التجريبية فقط دون تضخيم للأمور، تجريبية لأنها ليست مطلقة أو مقدسة كما يقدمها “الفايد” بل هي علوم يا ما أخطأت لأنها تجريبية فقط، هكذا نسميها و ليس “العلوم الكونية” التي يربطها “الفايد” بالكون كله الذي لم يسكتشف إلى حد الساعة البشر منه سوى أدنى من جناح بعوضة، هكذا نتوجه إلى عامة الناس إذا كان الغرض تقريب المفاهيم إليهم و ليس كما يفعل الفايد مستعملا كلام غليظ أكبر منه بكثير من أجل إحداث رعب في أذهان متابعيه من المتفرجين من أجل جعلهم يتقبلون كل ما يأتي بعده من أفكار بلا أساس منطقي سليم. و أما العلماء فهم بكل بساطة من يحملون علما في تخصص مضبوط، بلا هول و لا تهويل، و علماء الشريعة المغاربة خير مثال.
ثم يستهل الفايد كلامه ب: “معكم الفايد الملحد الذي سيدخل النار…” مع أن لا أحد من المثقفين أو من علماء الشريعة المغاربة أو من الدكاترة أو من الأساتذة اتهمه بكذا أشياء، فهذا يعني أن الفايد يمارس الشعبوية التي لا تليق لا بدكتور محترم و لا بمثقف أصيل. فالمعروف أن الحاصل على الدكتوراه يحترم مرتبته كدكتور و لا يستعمل أساليب ديماغوجية أو شعبوية كقوله مستهزءا، و الله أعلم إن كان يستهزئ أم لا… : “معكم الفايد الملحد الذي سيدخل النار…”، هذا كلامه، حرفيا، الذي يشبه، مع كامل الأسف، كلام كل تافه يبحث على البوز أو مزيدا من الشهرة بوسائل رخيصة بعيدا عن أخلاق العلماء و المثقفين و الفقهاء و الأساتذة. طيب.
و يقول نفس الشخص بأن “بلداننا لا تهتم بالبحث العلمي و لذلك فهي بلدان لا تتقدم لأنها بلدان الشيوخ”! يا للهول، هذا يكفي و لا داعي لإكمال مشاهدة هذا الفيديو المخصص لليوتوبرز “الفايد” الذي يدعي امتلاك الحقيقة و علم الكون بأكمله، و يكرر ذلك بعصبية بلا مناسبة في جل خرجاته و كأنه يواجه جيشا عرمرما من المثقفين و الأساتذة و العلماء و الفقهاء، و في الواقع فهو يتوجه لفئة عريضة من بسطاء الناس فقط ليؤثر عليهم شر تأثير، و إن رد عليه البعض من المثقفين القلائل فمن أجل محاولة إنقاذ متابعيه من تجرع مزيد من سمومه الفكرية التي يكررها عبر فلكلور كلامي رديء يجلب الفرجة كما يجلب بعض الفكاهيون و البهلوانات جماهيرهم، و مع ذلك لابد من توضيح الأمور للمتفرجين على عروضه الماكرة، من حين لآخر لتفادي كل فتنة نحن في غنى عنها.
و بين قوسين، لابد من توضيح هام يخص ما كان يقدمه “الفايد” كباحث غير موفق في شؤون التغذية إلا من عدد المتفرجين على قناته، ولكن لا يعتد بعدد المشاهدين مادامت عروض بعض قنوات “روتيني اليومي” تصل إلى 8 ملايين من المشاهدين -فلعله زمن الرويبضة…-، توضيح هام قبل الإفصاح جزئيا عن نواياه الدفينة التي تبقى محتملة لأنه لم يفصح بعد عن بعضها بطريقة مباشرة كبعض من سبقه في هذا الإتجاه :
“الفايد” حتى في تخصصه ليس مفيدا لأنه لا يشرح شيئا و لا يفسر لغزا، بل فقط يحفظ عن ظهر قلب ما يوجد في المجلات العلمية العالمية المتخصصة التي هي رهن إشارة كل من يؤدي ثمن الإشتراك للإطلاع أو لقراءة موادها. و من جهة أخرى، إذا كان فعلا حاصلا على دكتوراه في التغذية أو ما شابه ذلك، فهو ليس بدكتور حقيقي لأن الدكتور الحقيقي في العلوم التجريبة هو الذي يقترح نظرية جديدة في تخصصه و ليس من يكتفي بحفظ بحوث الآخرين و يعيد ترديدها عبر الشاشات بغباء يخفى عن بسطاء الناس الطيبين. و إضافة إلى ذلك، الفايد ليس موهوبا و لا ملهما لأنه لا يستطيع تقديم تحليل يخصه، و لا أدنى فكرة تستبق الأحداث بناء على المنطق السليم. مشكلته أنه يحفظ عن ظهر قلب دون ذكاء و لا فطنة و همه فقط الظهور و الشهرة لإشباع تكبره و أنانيتة المفرطة باستعمال كل الأساليب المتاحة، بما فيها استغلال الدين بطريقة بشعة و في كل الإتجاهات لتحقيق البوز، و أيضا المعلومات المتواجدة في المجلات العلمية العالمية المتخصصة التي ينتجها خبراء و علماء حقيقيون و المتاحة فقط لمن يؤدون ثمن الإشتراك للاستفادة منها، و هو ثمن ليس في متناول الجميع طبعا، و عوض ذكر مصادره فهو يقدم المعلومات على أنها من مجهوده الشخصي. فهو إذا مجرد “يوتوبرز” و ليس دكتورا حقيقيا و لا مثقفا معتبرا. و حتى كيوتوبرز لا يمكن تصنيفه كصانع محتوى علمي لأن عروضه الكلامية لا علاقة لها بأي علم من العلوم، وسيأتي يوم ستنكشف فيه أشياء كثيرة في هذا الخصوص… طيب.
و عودا إلى بدء، إن تكرار “الفايد” أسطوانته المشروخة بأن “سبب تخلفنا الوحيد هم الشيوخ و لا شيء غير الشيوخ”، ففي ذلك و لاشك جبن و استئساد على ما يظن أنهم “حائط قصير”، و هو العطار، كما يسميه بعضهم (-و العطار هو من يحفظ عن ظهر قلب أسماء مختلف الأعشاب-)، الذي يقول بملىء فمه أنه “حامل للقرآن الذي تريده أمريكا و ليس قرآن الشيوخ”، فلا حول و لا قوة إلا بالله، فهل هذا “الفايد” مثقف أو حتى مجرد دكتور يستحق مرتبته؟ أكيد لا مطلقا، لأن المثقف بطبعه موضوعي و متواضع و لا يتزلف لأية جهة من الجهات، و الدكتور الحقيقي مؤدب، و أما هو فمجرد شيخ بلغ من العمر عتيا و أصبح يتزلف لجهة ما بطريقة غريبة في فترة آخر العمر الإنساني، يعني ما بعد السبعين، و هي فترة آخر العمر الذي سينتهي حتما بقدر من الله و لن تنفع معه كل خلطات أعشاب الدنيا بأكملها.
و بعيدا عن شرح مصطلحات “شيوخ” و “فقهاء” و “علماء” و “دعاة” و “مرشدين” شرحا صحيحا، الفايد يقدم المغرب كأنه بلد شبابه لا يتعاطون للعلوم التجريبية في حين أن المغرب قدم و مازال يقدم الكثير من المتخرجين من جامعات العلوم التجريبية، و لذلك يستدرك “الفايد” جازما بأن “أصحاب الشواهد العليا في العلوم التجريبية يفرون كلهم من المغرب و السبب هم الشيوخ و لا شيء غير الشيوخ”، فهل مغاربة العالم المتخصصين في الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و علم الأحياء كلهم علمانيون فكريا، أم أنهم يتأقلمون و يندمجون في المجتمعات التي تستضيفهم خير اندماج مع المحافظة على أصلهم كمغاربة تلقوا تربية الإسلام؟ فهل قام ببحث علمي أو باستطلاع شامل في هذا الشأن، أم أنه لا يحتاج لذلك لأنه دكتور لا يشق له غبار و كلامه المطلق لا يحتاج لأدنى دليل فقط لأنه هو من تفوه به؟ فهو الذي قال بأن “لا يوجد علماء في المغرب” لا شك بتاتا أنه يتألم كثيرا لعدم قدرته على التصريح بأن لا يوجد دكاترة في المغرب سواه طبعا، و إن كان لا يقدم على هذا القول فلأنه يعرف أن لا قبل له بالدكاترة الحقيقيين الذين يخاف منهم، و إن كان يتجرأ على علماء الشريعة فلأنه يعلم أن بعض الظروف الدولية تسمح له بذلك بل تشجعه، إلا أنه مخطؤ في تقديره الجبان لأن المغرب تحكمه إمارة المؤمنين التي تستطيع إنصاف علماء الشريعة و حمايتهم من هجوم “الفايد” الغاشم في إطار التحكيم، و ذلك مهما كانت الظروف، و الحمد لله وحده لا شريك له و الصلاة و السلام على أشرف المخلوقين، إمام النبيئين و خاتم المرسلين.
إما أن الفايد قزم نفسه بنفسه ليصبح مجرد “يوتوبرز” يجادل و يشتم و يتوعد و يستفز فقط من أجل تحقيق “البوز” و رفع عدد المشاهدين على قناته، إما أنه إلتحق بالقافلة المعطوبة التي تتوهم تخريب تماسك المجتمع المغربي عبر التشكيك في عقيدة المغاربة بطريقة أضحت مفضوحة. و لا شك أن الحكماء العقلاء المغاربة سيتابعون هذا الأمر إلى أن يتضح التوجه الحقيقي لهذا اليوتوبرز العشاب قبل الجزم في الرأي النهائي. و كيفما كان الحال، من المؤكد أن أصحاب الأجندات السوداء أينما وجدوا، و الذين لهم مخططات بئيسة تريد شرا بالمغرب و المغاربة، لم و لن يستطعوا توظيف سوى أضعف المتعلمين و أضعف الدكاترة و هذا يعني أنها أجندة ضعيفة مقارنة مع المجتمع المغربي القوي بأصله و جذوره و أخلاقه. و أما التخلف فلا علاقة له لا بالشيوخ و لا بالفقهاء و لا بالعلماء و لا بالدكاترة و لا بالأساتذة، بل إن التخلف سببه أمثال اليوتوبرز “الفايد” الذي يبدو أنه على وشك إعلان إلتحاقه بمن سبقوه في التفاهة و الميوعة الفكرية، كذاك المتخرج من الفصل الثاني أو الثالث ابتدائي الذي تفرغ لانتقاذ علماء الشريعة و الطعن في الدين الحنيف بأسلوب بئيس غبي ساذج.
و هنا أضع حدا لهذه المقدمة التي تخص بضعة دقائق من الشريط الذي عنونه “الفايد” بخزعبلته “الكينونية” تلك، لأن من الصعب على كل مواطن بسيط متابعة حالة دكتور ضعيف التكوين النفسي، و المعرفي، و المنطقي أيضا، مقارنة مع سائر الدكاترة المغاربة الذين يشرفوننا، و أما علماؤنا الأجلاء في الشريعة فلا مجال لمقارنتهم مع العشاب أو العطار المدعو “الفايد”.
“الفايد” يقول بأن المسلمين يؤطرهم الموتى و هل فلاسفة الأنوار أحياء يرزقون؟ و يقول بأن المسلمين ما زالوا يناقشون الأحاديث بلا جدوى، فلماذا يخوض هو باستفاضة مملة في فكرة “المهدي المنتظر” بشراسة قل نظيرها، فهل هذا يساعد على التقدم في العلوم ؟ ما المشكلة في الإعتقاد بحقيقة أو بعدم حقيقة “المهدي المنتظر”؟ أليس في هذا إضرار ب”حرية المعتقد”؟ هل من يعتقد أو لا يعتقد بمجيء “المهدي المنتظر” لا يمكنه أن يكون عالما في الذرة، و كيف يقول بأن علماء الذرة كلهم قتلوا و لا يقول من قتلهم؟ أم أن عناده الأسطوري جعله لا يتخلص من جملة قال بنفسه بأن معلم قالها له في طور الإبتدائي لما كان عمره 11 سنة، فكرس حياته لإثباتها بكل ما أوتي من قوة رغم عدم أهميتها؟ أليس “الفايد” مازال مؤطرا بمعلم يدرس في طور الإبتدائي لا نعلم إن كان مازال حيا يرزق أوفي عداد الموتى؟ فكيف يقول بأن المسلمين يؤطرهم الموتى و بأن ذلك سبب تخلفهم؟ و هل من يؤمن بالإله “ياكوش” مثلا لا يمكنه أن يكون عالما أيضا، أم أن هذا هو الإستثناء الوحيد…؟ ألا يوجد في نازا و في أكبر المختبرات العالمية علماء لهم معتقدات و ديانات مختلفة، سواء كانت صائبة بالنسبة للبعض أو غربية عجيبة بالنسبة للبعض الآخر، دون أن يؤثر ذلك على عطائهم العلمي في كافة التخصصات؟ لن يستطيع “الفايد” الإجابة على هذه الأسئلة لأن حسب ما اتضح من أسلوبه في التعاطي مع كافة المواضيع، يظهر أن ذهنه مجرد محفظة لخردة أفكار بالية لم يستطع التخلص منها، و أسئلة وجودية سرعان ما يتخلص منها الناس بعد فترة المراهقة، و أما هو فلقد بلغ السبعين و مازال يبحث عن إجابات لا تغني و لا تسمن من جوع فكري.
أن يقول “الفايد” بضرورة تدريس الرياضيات و غيرها لطلبة علوم الشريعة فلا بأس و لقد سبقه علماء الحديث و الشريعة في ذلك، ولكن لماذا لا يقول، مثلا، بوجوب شرط حفظ القرآن كاملا للحصول على الإجازة في جميع التخصصات بلا استثناء؟ هذا سؤال محير فعلا في شأن “الفايد”…؟
خلاصة القول، التخلف أسبابه معروفة، و التقدم يحتاج لعدد من الأشياء معلومة، و الشباب يحتاجون لمن ينير طريقهم و يشجعهم و ليس لأمثال “الفايد” الذي يعمل جاهدا لإحباطهم بطرق ملتوية و بأفكاره الفاشلة. لدينا عقلاء فشلوا في مسيرتهم المهنية و غيرها، ولكنهم حولوا في آخر المطاف فشلهم إلى نجاح بتلقين الشباب أسباب الفشل الذي خبروه حتى لا يفشل الشباب بدورهم، و أما “الفايد” فلقد فشل في مسيرته ولكنه لا يرضى أن ينجح غيره، و لهذا فهو يعمل جاهدا لتعميم فشله الذريع. لعله مشكل نفسي.
و في الختام، أتمنى أن يكف “الفايد” هراءه حتى لا يضطر العقلاء من علماء الشريعة، و دكاترة متزنين، و أساتذة، و مثقفون، للعودة لهذا الموضوع بمزيد من التوضيح، لأن صراحة موضوع “الفايد” مضيعة للوقت.
احسنت سيدي فنيش
لقد احطت بكل جوانب معضلة الفايد
اهنءك على مقالك الراءع