للمعجبين بالسيطرة الإمبريالية الغربية على العالم.. ندعوكم لتأمل نتائجها!
هوية بريس- محمد زاوي
تدبير العلاقة بالولايات المتحدة الأمريكية حسب ما يفرضه ميزان القوى الدولي أمر متفهم.. أما التعلق السيكولوجي بسيطرتها الناعمة، بل والخشنة، فهذا أمر غير مقبول نهائيا.. ليس بمرجعية يسارية أو قومية أو إسلامية فحسب، وإنما بمرجعية العلاقات الدولية.. فقد رأينا الذي حصل في عالم سيطر عليه الرأسمال الغربي منذ سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي..
فلنتكلم الآن عن هذا “العالم الجميل” الذي أفرزته الأحادية القطبية:
-“الإرهاب المتأسلم” في دول آسيا وإفريقيا والمغرب العربي، بعد سنوات من الصناعة والتأطير، وبدعم وتمويل كان غرضه في البداية إضعاف الاتحاد السوفييتي وإخراجه من أفغانستان.. لتنتقل بعد العدوى بعد ذلك إلى عقر دار الوطن العربي.. تستفيد منها الإمبريالية الغربية من جهتين.. إرباك المنطقة من جهة، وتبرير التدخل في شؤون الدول ذات السيادة من جهة ثانية.
-غزو العراق وإسقاط بغداد واستهداف أحد أهم الزعماء القوميين العرب، صدام حسين.. ومن ثم الإجهاز على حق دولة العراق في تطوير قوى إنتاجها وتأمين مواردها والحفاظ على سيادتها.. ومن خلالها ترهيب كافة الدول العربية الأخرى من الخليج إلى الأطلنتي، حتى لا تفكر نهارا جهارا كما فكر صدام.
-استهداف الدول والمجتمعات بتصدير الأزمات الأخلاقية والفكرية.. وجعلها معيارا للتقدم والاقتراب من الحداثة والحضارة.. فكان ذلك مدخلا لتفكيك الثقافة الوطنية وتعويضها بأخرى “عولمية” لا ترى العالم إلا بعين الإمبريالية الغربية.. وقد أشرفت على هذا المشروع جمعيات ومنظمات وأفراد تلقوا تكوينات (“تدريبات”) وتمويلات للدفاع عن “المثلية” والإلحاد واستهداف الأسر وكل ما من شأنه أن يحافظ على تماسك المجتمع.
-فرض نموذج من الديمقراطية وحقوق الإنسان لا يتلاءم وشروط مجتمعات الجنوب، خاصة العربية والآسيوية (الصين وكوريا).. و”جُنّدت” لأجل ذلك أصوات لا تعرف من الديمقراطية إلا تلك التي يسوق لها الغرب، وهي عنده مجرد “إنجاز للبروباغندا” بتعبير نعوم تشومسكي (“صناعة الإعلام”).. أما الجمعيات التي تتبنى الخطاب الحقوقي والديمقراطي العولمي، فكثير منها تلقت تمويلات من منظمات “غير حكومية” غربية.. فماذا كانت النتيجة؟ فتنة “الربيع” التي كادت أن تعصف بعدد من العواصم العربية، بل عصفت ببعضها كما هو حال ليبيا إلى اليوم، وكما كاد أن يقع في سوريا وتونس واليمن لولا موجة “الاستئناف”.. تلك التي يسميها الإعلام الإمبريالي “ثورة مضادة”.. وهي كذلك ليس لمصالح الوطن العربي، ولكن لمصالح الاستعمار الغربي في المنطقة..
-فرض الخطة الاقتصادية ل”توافق واشنطن” على دول الجنوب، بعدة وسائل، لعل أبرزها: صندوق النقد الدولي، والبنك العالمي، ومنظمة التجارة العالمية والشركات متعددة الجنسيات والعملة وفرض العقوبات الاقتصادية.. وأحيانا بتدبير الانقلابات ووسائل أخرى.. ما أدى إلى تحرير الاقتصادات الوطنية من قبضة الدول، وتحرير المبادلات التجارية، ورفع القيود على الرأسمال.. فماذا كانت النتيجة؟ إخضاع العالم لقبضة المركز الرأسمالي الغربي، وما نتج عنه من تفاقم الأزمات الاقتصادية للدول بسبب القروض وإملاءاتها.. وكان من شأن هذا الارتباط بالرأسمال المركزي في الغرب أن يجعل دول الجنوب في “مهب العواصف والأزمات الاقتصادية”.. لا مناعة لديها ضد التضخم والكساد العالميين..
كم هي حضارية هذه القيادة الإمبريالية للعالم! وكم هي راقية بنموذجها الرأسمالي في السياسة والاقتصاد والثقافة! إن بشاعة هذه “القيادة” لا تراها عين “الرأسمال”.. الذي يراها هو العامل يرزح تحت وطأة الاستغلال، الدول تزاحمها الإمبريالية سيادتها في الداخل والخارج، العالم يفقد توازنه ويصبح خاضعا لنوع بشع من السيطرة، السلام لا يعرف استقرارا يضمنه “الردع والقوة ضد القوة”، الرأسمال إذا كان وطنيا يرى سوقه الداخلية منتهكة وحظوظه في الخارج منحسرة..
بكل هذه المعايير لا نجد مسوغا للإعجاب ب”السيطرة الإمبريالية الغربية على العالم”!