لماذا ترفض الشغيلة التعليمية النظام الأساسي الجديد؟
هوية بريس – عبد القادر بناصر (أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي وباحث في القانون العام – مديرية طنجة أصيلة)
أثار المرسوم الجديد 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية والصادر في 6 اكتوبر 2023 الكثير من الدهشة والاستغراب بل واللَّغَط لدى الشغيلة التعليمية وعموم المهتمين، وأَسالَ الكثير من المداد قبل صدوره ومازال يُسيل، وذلك لاعتبارات شتى، أقلها أنه نظام يحمل في طياته مآسي جديدة والتي ستنضاف للتي خلَّفَتْها ذات الأنظمة سابقا، وهو ما ولَّد رد فعل رافض له، والذي تحول إلى احتجاجات فوقفات ثم إضرابات، نَظير إضراب الشغيلة التعليمية في يومها العالمي 05 اكتوبر 2023، والذي كان مصحوبا بوقفة ممركزة بالعاصمة الرباط، وإضراب يوم الأربعاء 11 اكتوبر 2023 والذي تخللته وقفات تنديدية بالمرسوم أمام المديريات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية.
إن هذا النظام الجديد ينعثه الكثير من نساء ورجال التعليم بنظام المآسي، وذلك لما يتضمنه من ثغرات واختلالات، والتي لم تُضِفْ أعباء جديدة- ليس لها الَبَثَّة أي مردودية على العملية التربوية، فحسب، بل أجهزت على العديد من المكتسبات، وجعلت من العقوبات التأديبية سياجا حاميا لهذا النظام.
ولعل السؤال المُلح والآني والذي يفرض ذاته هو:
لماذا ترفض الشغيلة التعليمية، وبخاصة أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، هذا النظام ومقتضياته؟
سنحاول في هذا المقال الإجابة عن هذا السؤال من خلال الوقوف على بعض الاختلالات المتضمنة في هذا المرسوم، وبشكل أَخَصّ تلك التي لها ارتباط بهيأة التدريس.
أولا: مهام الأستاذ بين النظامين الأساسيين ل: 2003 و2023
النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية الصادر في 10 فبراير 2003، والذي خضع للعديد من التعديلات، تَضَمَّن 118 مادة بغير المكررة، والتي توزعت على تسعة أجزاء، والمثير للانتباه في عناوين هذه االنظام أنها اقتصرت على ذكر هيآت قطاع التربية الوطنية، وخصصت لكل هيأة جزءا، من قبيل تخصيص الجزء الأول مثلا لهيأة التأطير والمراقبة التربوية، والثاني لهيأة التدريس… بينما نجد النظام الأساسي الجديد يقلص عدد مواده إلى 98 مادة، ملغيا بذلك أكثر من عشرين مادة مقارنة بسابقه، ويستبدل العناوين السابقة بأخرى ذات جاذبية (الهيآت والمهام، الترقية والتقييم، التحفيز المهني…) تشي بهندسة جديدة وتراهن من خلالها الجهة الوصية على إثارة الاهتمام وإحداث الانبهار لدى شريحة من المهتمين والمتتبعين، بكون هذا النظام محفز ومُفْضٍ إلى جودة التعلمات، ومسهل لإدماج التلاميذ في سوق الشغل مستقبلا، والمذكرة التقديمية الموجهة من الأمين العام للحكومة إلى الوزراء والوزراء المنتدبين بخصوص مشروع هذا النظام تؤكد هذا المنحى، إذ تقول:
“كما يندرج هذا المشروع في سياق تفعيل التوجهات الواردة في النموذج التنموي الجديد للمملكة، الذي دعا إلى تحقيق نهضة تربوية حقيقية لتحسين جودة التعليم بشكل جوهري وإعادة وضع المدرسة العمومية في صلب المشروع المجتمعي للمغرب، وخاصة من خلال إحداث تغيير نسقي يشمل المحددات الأساسية لجودة التعليم، وكذا الرفع من قدرات النظام التعليمي، عبر الاستثمار في تكوين وتحفيز المدرسين قصد جعلهم الضامنين لنجاح تعلمات التلميذات والتلاميذ”.
فالنظام الأساسي، في نظر واضعيه، ذو نفس تجديدي وتحفيزي للمدرسين، ولا عذر لهم إذن في عدم إنجاحه ضمانا لجودة تعلمات التلميذات والتلاميذ، وهو تحريض غير مباشر للمجتمع على المدرس، وكأن هؤلاء يقولون له، وبشكل ضمني، كل شروط النجاح متوفرة، فإذا ما فشل هذا المشروع فالمسؤول الوحيد عن ذلك هو الأستاذ. فهل فعلا هذا النظام منصف ومحفز؟
فإذا ما رجعنا إلى النظام الأساسي ل2003، نجده يتحدث في جزئه الثاني عن هيأة التدريس، كما أومأنا، والذي خصص لها المواد ( من 13 إلى 33)، وقُسم هذا الجزء إلى أربعة أبواب، فالأول منه لأساتذة التعليم الابتدائي، والثاني للإعدادي، والثالث للتأهيلي، والرابع للمبرزين، وحدد لكل فئة مهامها الخاصة بها ( المواد: 15-21-26-31)، فالمادة 26 مثلا تنص على ما يلي:
“يقوم أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي بمهمة التربية والتدريس بمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي وبمراكز التكوين التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية، وعند الاقتضاء بتدريس نفس المواد بمؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي، مع مراعاة مقتضيات النصوص الجارية على هذه المؤسسات، كما يقومون بتصحيح الامتحانات التعليمية المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية.
كما يمكن تكليفهم بمهام الإدارة التربوية بهذه المؤسسات.
و بالإضافة إلى المهام المشار إليها أعلاه، يمكن تكليف أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي من الدرجة الأولى والممتازة بالتدريس بالأقسام التحضيرية لولوج المعاهد والمدارس العليا وبأقسام تحضير شهادة التقني العالي.
و تحدد مدة التدريس الأسبوعية لأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي بقرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية والسلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية”.
وإذا ما عدنا إلى النظام الأساسي الجديد فإننا نجده قد جمع هذه المواد الأربعة (15-21-26-31 من النظام الأساسي السابق في مادة واحدة، وهي المادة 15، وسنقتصر ها هنا على إيراد الجزء المرتبط بمهام أطر التدريس في هذه المادة.
“تتولى هياة التربية والتعليم (انظر المادة العاشرة من ذات النظام المحددة لهذه الهيأة)، حسب كل إطار القيام بالمهام التالية:
-أطر التدريس
-التربية والتدريس؛
-التقييم والدعم المدرسي والمواكبة التربوية؛
-التعاون والتنسيق ضمن الفريق التربوي؛
-المشاركة في عملية التنمية والتطوير المهني؛
-المشاركة في تنظيم الامتحانات المدرسية والمباريات وامتحانات الكفاءة المهنية؛
-المشاركة في الأنشطة المدرسية والأنشطة الموازية”.
فهذه المادة يلاحَظ أنها أجهزت على مكتسبات سابقة أشارت إليها المادة 26 من النظام الأساسي ل 2003، كالتدريس بمراكز التكوين والأقسام التحضيرية، وأضافت أعباء جديدة كالأنشطة المدرسية والموازية، والتي كانت تطوعية، وجعلت بعض المهام فضفاضة كالمشاركة في عملية التنمية والتطوير المهني، وفضلا عن ذلك تكشف هذه المادة غياب الشفافية والوضوح، فهذه المهام الفضفاضة ذُكِرت على سبيل المثال لا الحصر، و المقام ها هنا يقتضي التوضيح والبيان، وهذا ما عهدناه في النظام السابق، والمادة 26 منه شاهدة على ذلك، وبدل هذا البيان الذي يقتضيه المقام عمدت الوزارة إلى تهريب بعض تفاصيل هذه المادة (15) إلى أبواب ومواد أخرى، وهذه سُبّة أخرى في حق هذا النظام الأساسي الجديد.
فإذا كانت المادة 15 أغفلت قصدا تدقيق هذه المهام فإن واضع هذا النظام دسّ ذلك في المادتين 60 و67، فالمادة 60 (وردت ضمن الباب السابع) وهي تتحدث عن التحفيز والحصول على المنحة المالية، نصت على أن من شروط الحصول عليها “تقديم الدعم التربوي وجوبا خارج الحصص المقررة”، وهو ما لم تشر إليه المادة 15 المحددة للمهام، أما المادة 67 (وردت في الباب العاشر “مقتضيات مشتركة”)، فهي أوضح من أن تُفسَّر، إذ جعلت تدقيق المهام وإضافة أخرى شأنا حصريا لوزارة التربية الوطنية، وهذا نصها:
” يتم تدقيق وتفصيل المهام المنصوص عليها في هذا المرسوم، أو إسناد مهام أخرى للمعنيين بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية”.
ثانيا: التحفيز، الفِرْيَة الكبرى
التحفير، بما هوعملية تحريك للأفراد من خلال دوافع معينة (الحوافز) من أجل تحقيق أهداف مبتغاة، من الأمور المطلوبة والتي أضحت كل المؤسسات والمنظمات توليها أهمية قصوى، والمنظومة التربوية بدورها لم تَشُذَّ عن هذه القاعدة، بل قد أقول إن خصوصية هذه المنظومة والتي تستهدف بناء الإنسان وإعداد الأجيال وما يصاحب هذا الهدف الأسمى من إكراهات وعراقيل، تفرض على القائمين على هذه المنظومة جعل التحفيز من أولى أولوياتهم.
فما هو إذن حظ التحفيز في هذا النظام الأساسي الجديد؟
إن النظام الأساسي الجديد خصص بابه السابع بمواده الثلاث (60-61-62) للتحفيز المهني، بشقيه المادي والمعنوي، ولكن – وكما يقال – تمخض الجبل فولد فأرا، فكيف ذلك؟
فالمادة 60 من هذا النظام تحدثت عن منحة مالية سنوية صافية قدرها عشرة آلاف (10000) درهم تؤدى نهاية كل سنة، ويستفيد منها أعضاء الفريق التربوي بمؤسسات التربية والتعليم العمومي الحاصلة على شارة “مؤسسة الريادة”، بَيْدَ أن هذه المنحة دونها عقبات وقيود توشك أن تجعل منها أمْنِية عَصِيَّة على التحقق.
فأول عقبة وُضعت في وجه هذه المنحة هي قَصْرُها على مؤسسات الريادة، والملَاحظ أن عددها غير معلوم، وعدد المستفيدين كذلك غير محدد، وهذا الأمر موكول، كما تنص على ذلك نفس المادة، إلى وزارتي التربية الوطنية والمالية، فلهما معا مطلق الحرية في تحديد عدد المؤسسات الرائدة وكذا عدد المستفيدين، بل ووضع شروط وقيود أخرى وِفْقَ ذات المادة في بداية فقرتها الثانية، ومعنى ذلك أن الفريق التربوي قد يبذل جهدا خرافيا ولا يحصل على شيء، لأن عدد مؤسسات الريادة والمستفيدين الذين ستحددهم الجهات المعنية قد يكون غير كافٍ وجِدَّ محدود، وبدل أن تعزز الوزارة التحفيز ستصبح بالتالي مُكرسة للإحباط، وهو ما سينعكس سلبا على الفرق التربوية المتنافسة ابتداء؛ وبالتَّبَع على المنظومة التربوية.
وثاني العقبات الموضوعة في وجه هذه المنحة إقصاء غير المرسمين، فهذه المادة (60) وفي فقرتها الأولى تؤكد على أن المنحة مقصود بها المرسمون فقط، ومفاد ذلك أن كل مدرس غير مرسم ملزَم بالمشاركة في الأعباء دون منحة التحفيز، وإلا عوقب وأُدِّب، لأن المادة 15 تلزمه، والمادة 64 تعاقبه، بينما المادة 60 تحرمه، ولعمري هذا عين العبث !!!!
وثالث العقبات تتمثل قي القيود والشروط التي وضعت للاستفادة من هذه المنحة، والتي حددتها نفس المادة في:
-الحصول على إشهاد بالمشاركة في الدورات التكوينية المبرمجة لفائدة العاملين بالمؤسسة التعليمية واستيفاء جميع مراحلها؛
-استثمار وتنزيل المقاربات البيداغوجية موضوع دورات التكوين؛
-تنفيذ مختلف العمليات المرتبطة بالتقويم الموضوعي لإنجازات المتعلم وتتبع الأثر على مستوى تحصيله الدراسي؛
-الإسهام في تفعيل أنشطة الحياة المدرسية،
-تقديم أنشطة الدعم التربوي المبرمج خارج حصص التدريس المعتمدة.
وما يثير الاهتمام في هذه الشروط أن بعضا منها- لا أقول- يصعب تحققها بل يستحيل، نظير الشرط الثالث، وتحديدا الشق المرتبط بتتبع الأثر على مستوى التحصيل الدراسي للمتعلم، فالأثر المتوقع حصوله عند المتعلم لا يتحكم فيه الأستاذ وحده، فهناك أطراف أخرى لها ارتباط وثيق بذلك، كالإدارة التربوية والأسرة وجمعيات الآباء…، بل والوزارة ذاتها.
فكيف يُرجى حصول الأثر الإيجابي والقسم مكتظ بالمتعلمين، والذين قد يصل عددهم أحيانا إلى الخمسين؟ وكيف يرجى ذلك والأسرة قدمت استقالتها من تتبع الشأن التربوي لأولادها؟ وكيف يرجى ذلك والوزارة منشغلة ولا هم لها إلا محاصرة الأستاذ وتكبيله؟ و…
إن حصول الأثر المطلوب وتحقق الجودة المنشودة لها مدخلاتها، وهي شبه غائبة عن منظومتنا التعليمية، والأستاذ حتماغير مسؤول عنها.
وأما المادة 61 فتحدثت عن جائزة الاستحقاق المهني، والتي تُرِكت مبهمة، ولم يتم الإفصاح عن كُنْهِها، وأوكل أمرها إلى نص تنظيمي الذي سيحدد شروط وكيفيات الاستفادة منها، وكان حريا بالوزارة أن تذكر تفاصيلها إن كانت فعلا تتغَيَّى التحفيز الحقيقي لا تسجيل النقاط.
وختاما نعرج على المادة الأخيرة المرتبطة بالتحفيز وهي المادة 62؛ والتي خُصصت للتحفيز المعنوي، والذي حُدد في شواهد تقديرية بدرجات ثلاث، التشجيع؛ التنويه وميزة الشرف، وتُمنح من قبل الوزارة بمقرر للموارد البشرية التي تقوم بمبادرات وممارسات متميزة.
هذه إذن هي مقاربة النظام الأساسي لمسألة التحفيز، والذي عُدَّ محركا مهما سيدفع بالشغيلة التعليمية إلى العطاء وبذل المزيد من الجهد، والواقع أن كل ذلك وهْم وسَراب يحسبه الظمآن ماء.
ثالثا: العقوبات التأديبية بين الظهير والمرسوم
العاملون بقطاع التربية الوطنية شأنهم شأن باقي الموظفين بالقطاع العام يخضعون، فضلا عن نظامهم الأساسي الخاص بهم، إلى الظهير الشريف 1.58.008 بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والصادر بتاريخ 24 فبراير 1958.
هذا النظام الأساسي (89 فصلا) منذ صدوره وإلى غاية 2022 طالته مجموعة من التعديلات، وقد تضمن المبادئ والقواعد المؤسِّسة للوظيفة العمومية النظامية، والضابطة لحقوق الموظف ووواجباتة، والمنظمة لمساره المهني.
ومن مقتضيات هذا النظام والتي تسري على الموظف العمومي العقوبات التأديبية، والتي أطرها الباب الخامس (الفصول: من 65 إلى 75 مكرر)، وذات المحور تضمنه أيضا المرسوم الجديد 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية والصادر في 6 اكتوبر 2023، (الباب التاسع ” العقوبات التأديبية” المادتان: 64-65).
وهنا تثار عديد الأسئلة:
-هل العقوبات التأديبية الواردة في الظهير الشريف غير كافية، وبالتالي نحن بحاجة ماسَّة إلى عقوبات جديدة في نظامنا الأساسي الخاص بنا؟
-هل يحق لوزراة التربية الوطنية أن تُشَرِّع عقوبات تأديبية جديدة غير تلك التي حددها الظهير الشريف؟
-ما موقع اللجان الثنائية المتساوية الأعضاء في هذا المرسوم، والتي عدَّها الظهير الشريف مجلسا تأديبيا؟
-إذا كان الظهير الشريف قد ضمن شروط “المحاكمة العادلة”، فهل المرسوم اقتفى أثره؟
-ألا يعد غياب ضمانات توفير “المحاكمة العادلة” للأساتذة في المرسوم ضربا للمقتضيات الدستورية القاضية بوجوب توفرها؟
-هذا غيض من فيض الأسئلة التي يمكن أن تتناسل.
وبالرجوع إلى العقوبات التأديبية في الظهير الشريف فإننا نجد الفصل 66 ينص على التالي: “تشتمل العقوبات التأديبية المطبقة على الموظفين على ما يأتي، وهي مرتبة حسب تزايد الخطورة :
الإنذار – التوبيخ – الحذف من لائحة الترقي – الانحدار من الطبقة – القهقرة من الرتبة – العزل من غير توقيف حق التقاعد – العزل المصحوب بتوقيف حق التقاعد.
وهناك عقوبتان تكتسيان صبغة خصوصية؛ وهما الحرمان المؤقت من كل أجرة باستثناء التعويضات العائلية وذلك لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، والإحالة الحتمية على التقاعد، ولا يمكن إصدار هذه العقوبة الأخيرة إلا إذا كان الموظف مستوفيا للشروط المقررة في تشريع التقاعد”.
فهذا الفصل يحدد وبشكل دقيق العقوبات التأديبية التي تلحق الموظف العمومي، وضمنه الاستاذ، وقد جُعلت تِسْعاً، والملاحظ أن هذا الظهير كان حريصا على تجنب الشطط في استعمال السلطة وضمان شروط “المحاكمة العادلة” للموظف، ومن ذلك مثلا:
-مطالبة الجهة المُصْدِرة لعقوبتي الإنذار والتوبيخ بالتعليل، ووجوب استشارة المجلس التأديبي قبل اتخاذ بقية العقوبات (الفصل 66)؛
-ضمان حق الموظف المتهم في الاطلاع على ملفه الشخصي بعد إقامة دعوى التأديب عليه، وتقديم ملاحظاته إلى المجلس التأديبي وإحضار الشهود ( الفصل 67)؛
-عدم السماح بإصدار العقوبة القصوى بأكثر مما حددها المجلس التأديبي (الفصل 71)…
وغيرها من الضمانات والتي تعد مصدر اطمئنان لعدم إيقاع الظلم على الموظف العمومي، وفي خضم ذلك الشغيلة التعليمية.
وعلى خلاف ذلك فالمرسوم وفي مادته 64، والتي تعتبر بالمناسبة أطول مادة في المرسوم (34 سطرا) وفي ذلك فيه ما فيه من الإيحاءات، سَنَّ العديد من العقوبات الجديدة، بل وجعلهاعلى أربعة مراتب، فمن عقوباته الجديدة: الحرمان من المشاركة في الحركة الانتقالية، وامتحانات الكفاءة المهنية لسنة واحدة (عقوبات الدرجة الثانية)، والخصم من الراتب، والحرمان من المنحة السنوية حالة استحقاقها لمدة ثلاث سنوان متتالية (عقوبات الدرجة الثالثة)، العزل والاعفاء (عقوبات الدرجة الثالثة).
وفضلا عن هذه العقوبات الجديدة، فإن المرسوم لم يشر إلى أي ضمانات للمحاكمة العادلة، إذ أقصى، وهو يوقع عقوباته، المجلس التأديبي (اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء تتحول إلى مجلس تأديبي طبقا لمقتضيات الفصل 65 من الظهير الآنف الذكر) وهو بذلك يناقض الظهير الشريف، والذي وضع قيودا عدة تَجَنُّبا لايقاع الظلم بالموظف ولشطط الإدارة في استعمال السلطة.
بل إن المرسوم فيه ضرب صريح وتطاول واضح على المقتضيات الدستورية القاضية بضرورة التمتع بالمحاكمة العادلة، فالفصل 120 من دستور 2011 وفي فقرته الأولى يؤكد على ما يلي: “لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول “.
وبذلك يكون المرسوم متجاوزا للظهير في عقوباته ومهملا له وللدستور في ضماناتهما للمحاكمة العادلة، وكان جديرا بواضع المرسوم أن يحترم هرمية القوانين، ويحرص على انسجام مرسومه هذا الأدنى مرتبة مع القوانين التي تسمو عليه.
خاتمة
هذه بعض العيوب والمثالب التي جعلت الشغيلة التعليمية ترفع عقيرتها رفضا لهذا المرسوم وتنديدا به، ولم تكتف بذلك بل انتقلت إلى الوقفات الإنذارية ثم الإضرابات، وقد صاحب ذلك تنصل للنقابات من هذا المولود الجديد، رغم إصرار الحكومة على أن مولودها هذا حظي بمباركتها، وهو ما حذا ببعض النقابات إلى تجديد نفيها ورفضها، مؤكدة أنها وافقت على الخطوط العريضة لهذا النظام (المولود) لا على تفاصيله، وهذا ما جعل هذا النظام الأساسي يولد ميتا، رغم مسارعة الحكومة إلى إنعاشه عبر نشره في الجريدة الرسمية.
إن الإصلاح الحقيقي ،دائما وأبدا، لا يمكن فرضه بالترهيب والتهديد، وإنما ينبغي أن يُبنى على التوافق، لأن نجاحه رهين بالانخراط الطوعي والقائم على الرضى، وغير ذلك مضيعة للجهد وهدر للزمن التربوي والتنموي، فهل من حكماء ليُصْغوا إلى نبض الأساتذة والأستاذات ويجنبوا بلدنا مطبات نحن في غنى عنها.
بنموسى أثبت للجميع أنه سياسي فاشل بامتياز. كان فاشلا كوزير للداخلية و فاشل أوس اثنين كوزير للتعليم.
فعلا هو كذلك، وللأسف فنحن ابتلينا بوزراء فشلوا في الداخلية، رغم قيامها على مبدأ الطاعة التراتبية، واعطوا قطاع التربية الوطنية، المعروف بحيويته واختلاف مشاربه، ليسيروا به إلى بر الأمان. فكيف يفلح من فشل في تسيير قطاع قائم على الطاعة العمياء، في تسيير قطاع حيوي ويتنفس الكرامة والحرية، كقطاع التعليم ، والسير به قدما نحو الأمام؟
أغلب المغاربة إن لم أقل كلهم عانوا ويعانون مع أبنائهم من فشل التعليم الذي لم ولن يختلف فيه إثنان ، وقد أكانت كل التجارب أن إصلاح التعليم أو المنظومة التعليمية يبدأ أساسا بإصلاح العاملين فيه إبتداء من الأساتذة مرورا بالإدارة ووصولا إلى الأطر المشرفة في الأكاديمية والوزارة وموازاة مع هدا يجب إصلاح البرامج ، ولن يتاتى هذا كله إلى بسلطة القانون الذي يفرض الإنتماء على الفرد كما على المؤسسة والجماعة ،ومن دون إنتماء لن نكون وطنيين ،وإذا ثبتت عدم وطنيتنا وعدم الإنتماء للوطن فما علينا إلا أن نختار نكون مغاربة او لا نكون ، فإن كنا مغاربة علينا أن نساهم في تنمية الوطن وأبنائه وبناء وتكوين شباب اليوم ليكون رجال الغد ،وإن لم نكن مغاربة فما علينا إلا أن نختار وجهة أخرى ….