لماذا سمحت الحكومة بتصوير برنامج “الحب خارج الزواج”؟

16 أكتوبر 2025 20:13

لماذا سمحت الحكومة بتصوير برنامج “الحب خارج الزواج”؟

هوية بريس – نبيل بكاني

أثارت النسخة الفرنسية من برنامج المعاشرة والمساكنة العالمي Love Is Blind – France (بالعربية: الحب أعمى)، الذي جرى تصوير حلقات منه داخل منشأة سياحية مغربية، جدلاً واسعاً في التعليقات المنشورة، والذي يجري عرضه رسمياً منذ أيام قليلة على منصة المشاهدة نتفليكس. يأتي هذا الجدل نظراً لمحتوى البرنامج القائم على إقامة علاقات عاطفية وجنسية خارج إطار الزواج، بما في ذلك مشاركة رجال ونساء غرباء غرفاً وأحواض استحمام مشتركة، في مشاهد تتعارض بوضوح مع المنظومة القيمية للمجتمع المغربي، ومع المبادئ التي تؤطر المرافق العمومية والخاصة الخاضعة للقانون المغربي.

الحكومة، من خلال الوزارة الوصية على قطاع التواصل، تتحمل المسؤولية المباشرة في ما يتعلق بمنح تراخيص التصوير، سواء تعلقت بالأفلام السينمائية أو الأعمال السمعية البصرية وفق المراسيم التنظيمية، وتتضاعف هذه المسؤولية بالنظر إلى الظروف الراهنة. وما يثير التساؤل المشروع هو: كيف تم منح ترخيص لتصوير برنامج يقوم على فكرة العلاقات غير الشرعية والمعاشرة دون زواج؟ فالبرنامج، في جوهره، يتبنى نموذجًا غربيًا منحلا ومتحررا من الأخلاق يقوم على ‘التجربة العاطفية الحرة’، أي إقامة علاقة بين رجل وامرأة خارج إطار الزواج لمعرفة مدى التوافق بينهما، وهو ما يُعد، وفق القانون المغربي، فعلاً مجرّمًا بموجب الفصل 490 من مجموعة القانون الجنائي، إلى جانب الفصول 483 و491 و498 التي تجرم الإخلال العلني بالحياء، والعلاقات غير الشرعية، وتشجيع الدعارة أو التوسط فيها، فنحن نتحدث عن برنامج، وفق التقاليد المغربية والنصوص التشريعية، نشاطه يدخل ضمن خانة الوساطة في الدعارة.

قد يقول قائل إن الفنادق المغربية لا تشترط عقد الزواج على الأجانب، لكن وجب التوضيح أن ذلك يعود إلى اختلاف الوثائق والأنظمة المدنية بين الدول، وغياب الاعتراف الدولي ببعض عقود الزواج المحلية للسياح الأجانب وقواعد وطقوس الزواج المختلفة، ما يجعل الأزواج الأجانب يُعاملون بحكم المتزوجين قانونياً داخل المغرب ماداموا لم يصرحوا بعكس ذلك. غير أن برنامج Love Is Blind يقوم على فكرة مناقضة تماماً لذلك، إذ يُبنى منذ الإعلان الرسمي عنه، وضمن شروط التجربة، على مبدأ إقامة علاقات تجريبية قبل الزواج، ليُتخذ القرار بعد ذلك بشأن الارتباط أو الانفصال، ويتم التصريح بذلك في الحلقات والنقاشات العفوية بين المشاركين، ما يجعله يصطدم مباشرة بفصول القانون المغربي وبالقيم الدينية والثقافية الأصيلة.

وطوال فترة التجربة، يُسمح للمشاركين بالتعامل مع بعضهم البعض دون أي قيود أو حواجز، وكأنهم أزواج بالفعل، وذلك لقياس مدى الانسجام بينهم من خلال ممارسة العلاقات الجنسية المشتركة والنوم في غرف واحدة والاستحمام معا. ومن اطلع على الحلقات المصورة في المغرب سيسمع اعترافات صريحة بين المشاركين حول المعاشرة ومدى انسجامهم الجنسي. هذا الأسلوب، الذي يعتمده البرنامج رسميًا، يصطدم مباشرة بالقانون المغربي والفصول الجنائية المتعلقة بالأفعال غير الشرعية والدعارة، كما يتعارض مع القيم الدينية والثقافية للمجتمع المغربي، ويطرح تساؤلات جدية حول مدى مسؤولية الجهات العمومية التي سمحت بتنفيذ هذا التصوير على التراب الوطني.

إن السماح بتصوير مثل هذا البرنامج على التراب الوطني لا يمكن تبريره بحرية الإبداع أو تشجيع الإنتاجات الأجنبية، فحرية الإبداع تتوقف عند حدود احترام القانون والسيادة الأخلاقية للدولة. فالفساد لم يكن يومًا إبداعًا، والمس بالأخلاق والثوابت لم يكن يومًا حرية، فالحرية هي مجموعة حقوق مشروعة يتمتع بها الجميع على حد سواء، وليست امتيازًا يُمنح للبعض وتُعاقب على ارتكابه الأغلبية. كما أن منح الترخيص لمحتوى من هذا النوع يشكل انتهاكًا لمبدأ تخليق المرفق العمومي المنصوص عليه في المادة 34 من القانون 54.19، التي تُلزم الإدارات العمومية بمحاربة الفساد وسوء استعمال السلطة في منح التراخيص، وضمان انسجام أنشطتها مع القيم الدستورية للمملكة.

إن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم:

هل تغافلت الوزارة الوصية وأجهزتها الإدارية المكلفة بتدبير القطاع عن مضامين البرنامج قبل منحه الترخيص؟ أم أن هناك نوعًا من التساهل أو التواطؤ الإداري الذي سمح بتنفيذ محتوى يتناقض بشكل واضح مع القانون والقيم الدينية والثقافية للهوية الوطنية ومع الثوابت؟

في كلتا الحالتين، ما وقع لا يتعلق بعمل فني فحسب، بل بصورة بلد وقيم مجتمع، وبمدى احترام مؤسساته الرسمية لروح القانون ومبادئ الأخلاق العامة التي نص عليها الدستور. ومن ثم، فإن التحقيق في هذه القضية لم يعد مجرد خيارٍ إداري، بل واجب وطني لضمان ألا يتحول الترخيص العمومي إلى غطاءٍ لتطبيع ما يُجرّمه القانون ويُحرّمه الدين والمجتمع.

تماشياً مع الخطاب الملكي السامي ليوم الجمعة الماضية، الذي دعا فيه جلالته إلى تأطير المواطنين وتعريفهم بالقوانين وحقوقهم، ننتظر من الحكومة أن تقدم تفسيراً واضحاً لهذه القضية غير الأخلاقية، وتوضح مدى انسجامها مع القانون وحماية حقوق المغاربة، خصوصاً فيما يتعلق بالبعد القيمي والأخلاقي.

لقد آن الأوان لتفعيل مبدأ المحاسبة والعقاب على أرض الواقع.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة