لماذا غاب فقهاء الدولة عن قضايا الشأن العام؟

لماذا غاب فقهاء الدولة عن قضايا الشأن العام؟
هوية بريس – متابعات
في تدوينة تحليلية اتسمت بنبرة نقدية مباشرة، قدّم الدكتور محمد عوام، الباحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة، قراءة في واقع حضور فقهاء وعلماء الدولة في النقاش العمومي، معتبرا أن دورهم بات محدودا أو منعدما في القضايا المجتمعية والتشريعية ذات الصلة بالمرجعية الدينية، وهو ما دفعه إلى مساءلة أسباب هذا الغياب وسياقاته السياسية والمؤسساتية.
واعتبر عوام أن هذا الغياب ليس عفويا، بل يجد تفسيره في ما سبق أن صرّح به أحمد التوفيق حين أكد، في مناسبات رسمية، أن أعضاء المجالس العلمية ملزمون بوظائفهم التأطيرية ولا يحق لهم الخوض في القضايا العامة، حتى إن تعارضت مع أحكام الشرع، وهو ما يراه الباحث تكريسا لفصل عملي بين المؤسسة الدينية والنقاش العمومي، ووضعا أقرب إلى “علمانية وظيفية” داخل الحقل الديني الرسمي.
وفي سياق متصل، وجّه الدكتور عوام نقدا لاذعا إلى عبد اللطيف وهبي، متسائلا عن أسباب ما وصفه بـ”توجسه وقلقه” من العلماء، في الوقت الذي يرى فيه أنهم لا يشكلون أي ضغط أو إزعاج، بل يعيشون، وفق تعبيره، “سباتا عميقا” ما لم تصدر إليهم إشارات من الجهات العليا. وذهب إلى أن تخوف وهبي من العلماء لا يستقيم، مادام هؤلاء لا يحملون مشروعا إصلاحيا ولا ينخرطون في مواجهة تشريعية أو فكرية مع السلطة التنفيذية.
وسجّل الباحث تذكيرا بتصريحات سابقة لوزير العدل، اعتبرها مسيئة للحديث النبوي الشريف، خاصة ما ارتبط بسخريته من حديث “ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما”، معتبرا أن الدعوة إلى ما يسمى “العلاقات الرضائية” أي الزنا، تمثل تناقضا صريحا مع المرجعية الدينية التي يُفترض أن تشكل أحد أسس التشريع في مجتمع مسلم.
وخلص الدكتور عوام إلى أن الساحة باتت خالصة للتيارات العلمانية واللادينية، في ظل انسحاب العلماء من النقاش العام، معتبرا أن هؤلاء يبررون صمتهم بحديث “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”، رغم أن القضايا المطروحة تمس صلب الدين والمجتمع، ولا يمكن اعتبارها من سفاسف الأمور.
وتأتي هذه التدوينة في سياق نقاش مجتمعي محتدم حول دور المؤسسة الدينية، وحدود تدخل العلماء في القضايا التشريعية والأخلاقية، خاصة مع تزايد التصريحات السياسية المثيرة للجدل، ما يعيد إلى الواجهة سؤال العلاقة بين الديني والسياسي، وحدود الصمت والوظيفة داخل الدولة.



