لماذا فرحوا بعبارة الجابري “من يتدين لوحده فهو يمارس الدين ومن ينادي الآخرين ليتدينوا فهو يمارس السياسة”؟
هوية بريس – عابد عبد المنعم
بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة محمد عابد الجابري، الذي وافته المنية في 03 ماي 2010، تداول بعض النشطاء اليساريين والعلمانيين عبارة له دون عزوها لأحد مؤلفاته.
العبارة جاء فيها: “عندما يتدين المرء لوحده فهو يمارس الدين، وعندما ينادي الآخرين ليتدينوا معه فهو يمارس السياسة”.
بمعنى أن التدين، وفق عبارة الجابري، سلوك فردي، والدين إن بشر به صار حركة سياسية توظف للوصول إلى السلطة، وبغض النظر عن مخالفة هذا الكلام لصريح القرآن الكريم الذي أمر المومنين فقال {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.. {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا}..
بغض النظر عن الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهل توجد على الأرض عقيدة أو قناعة أو فكرة لا يدو إليها من يؤمن بها؟
هذا كلام غريب أن يصدر عمن نذر حياته لدراسة ونقد العقل العربي.
وفي هذا الصدد كتب المفكر المغربي إدريس الكنبوري تعليقا على المنشور المذكور “تم تداول عبارة في وجدت هذا الملصق ينشره بعض الزوار مبتهجين به لأن في أسفله إسم الجابري.
الحقيقة ما رأيت تهافتا مثل هذا بل أربأ بالجابري رحمه الله أن يكون صاحب هذا اللغو. ما معنى تمارس الدين وحدك والسياسة مع الجماعة؟ هل هذا كلام يقوله مفكر؟ أم كلام لا يقوله إلا سياسي؟ ألم نقل لكم إن الجابري رحمه الله كان “مثقفا عضويا” في خدمة الحزب، يدور معه حيث دار؟ كيف يسمح مفكر “متمرس” في التراث لنفسه بقول كلام خفيف مثل هذا؟ صدق رسول الله: رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه”.
وعلى عادته حاول “الناشط” عصيد استغلال هذه العبارة لخدمة قناعاته و”التبشير” بها، وهذه طبعا ليست حركة سياسية.. لا يجب أن شنك في ذلك! فنشر هو الآخر عبارة الجابري على صفحته بالفيسبوك، غير أن بعض المعلقين كانوا يقظين، وأعربوا عن مخالفتهم لهذه الفكرة جملة وتفصيلا، فكتب بعضهم:
– لم يأت الجابري بجديد يا عصيد، هذه قولة الكفار في قريش إذ قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: اعتزلنا وما تدعوا إليه. نحن نعلم ما تقولون، فقد أخبرنا الله بما قاله أجدادكم.
– يقول عز وجل في محكم آياته: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). اليس هذا قرآنا فيه دعوة الى طريق الحق بالدليل الحكيم، او نؤمن ببعض ونكفر ببعض، أظن ان سي محمد رحمه الله كان يقصد ان تنادي للإصلاح من داخل موقع سياسي باسم الدين، أما ان تدعو للدين من أجل التنوير والموعظة الحسنة فهي ليست سياسة، بل تسابق للخيرات، (ولتنظر نفس ما قدمت لغد..).
– الدعوة اشرف مهنة على الأرض، فهي مهنة الأنبياء والرسل والسلف والخلف الصالح وهي امتداد لصلاح الإنسان ونجاته من الامتحان الدنيوي عبر جسر الموعظة الحسنة وبالتي هي أحسن. هذه الدنيا الفانية لا تحتاج لهذا العناد، فللنظر من حولنا، أين الأمم التي سبقنا ؟
– عندما يلحد المرء لوحده فهو يمارس السياسة من أجل المصلحة الذاتية وعندما يدعو الناس لعدم التدين والإيمان بالله عز وجل فهو يمارس الذيوتية والكفر.اهـ
تجدر الإشارة إلى أن من نشر العبارة وطار بها فرحا فعل ذلك لأنها تؤكد لب الفكرة العلمانية اللادينية التي تقول بأن التدين سلوك فردي لا دخل له بمختلف مجالات الحياة، السياسية الاقتصادية الاجتماعية… وهذا التصور يمكن القول به في ديانات سابقة محرفة، أما الإسلام فلا يقبل بذلك تشريعا وتطبيقا وتاريخا وواقعا.
عباقرة !
من ينادي الآخرين ليتدينوا فهو يمارس السياسة !!
والذي ينادي الآخرين ليلحدوا ؟ هل هو يمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الذي يدعو للدين فهو يمارس الدعوة، وما تدعون إليه من العلمانية والالحاد فهي دعوة ماذا يا فضيلة الأستاذ؟!