لماذا قياديو العدالة والتنمية متخوفون من حكومة يرأسونها؟؟؟
هوية بريس – إبراهيم الطالب
كثرت التصريحات من قياديي حزب المصباح المنذرة بالمرحلة العصيبة التي تنتظر حزبهم؛ مرحلة تتراءى ظلالها القاتمة كغيوم لا يدرى هل هي ممطرة بالرحمة أم بالعذاب؟؟
فعندما يصرح بعض قياديي حزب العدالة والتنمية قائلا: «بغض النظر عن التفاصيل النهائية للحكومة المنتظرة فالأكيد أنه يتوجب العمل على وضع مسافة معها من طرف الحزب والاشتغال على الحد من الخسائر والتحضير الجيد للمرحلة المقبلة». (عبد الصمد السكال على حائطه).
نكون عندها نتحدث عن أبهى صور التحكم والاستبداد؛ بل نكون أمام حقيقة تعلن بوضوح أن صناديق الاقتراع عند الدولة لا تشبه سوى صناديق البطاطس والطماطم؛ وأن كل تعويل من طرف المصلحين عليها هو نوع من الرهان الفاشل في ظل عدم توفر الضمانات والشروط لممارسة سياسة يُؤمَّل الإصلاح من خلالها.
فالسياسة في أحد تعريفاتها هي فن الممكن؛ والممكن عندنا هو ما تسمح به القوة؛ قوة المال والسلطة؛ لا قوة الشعبية وقوة الإقناع.
نستخلص من كلمة القيادي السكال ملامح المشهد السياسي المفلس:
1- حزبٌ فائزٌ يشكل الحكومة.
2- قياديو الحزب الفائز يطالبون بوضع مسافة بين الحزب المشكّل للحكومة وبين الحكومة التي يرأسها الحزب.
3- حزبٌ فائزٌ يتحدث قياديوه عن الحد من الخسائر حتى قبل الإعلان عن الحكومة.
ثلاث نقاط تلخص أزمة المغرب وليس أزمة العدالة والتنمية؛ فحزب العدالة والتنمية وإن كان مهما في المشهد إلا أن الأهم هو المغرب، هو هذا الشعب الذي تدحرج من فتنة إلى فتنة، ومن شلالات الدماء بعيد الاستقلال وقبله إلى سنوات الرصاص فحكومة التناوب ثم حكومة الربيع العربي؛ تدحرج في مسيرة عبر عقود ما بعد الاستقلال يبحث عن قاعدة وأساس ينظم علاقاته بمراكز تدبير السلطة؛ آمِلا في الإصلاح.
شعب عاش تَكسُّر عظام أحزاب عتيدة على صخرة الفساد؛ أحزاب ملأت سمع الزمان وبصره؛ كلها تكسرت قرونها القوية على جدار النواة الصلبة للنظام؛ ثم بعد كل ذلك اليأس انبثقت آمال الإصلاح مع صعود هذا الحزب الفتي؛ وتبلورت طموحات الشباب في التغيير مع صموده طيلة خمس سنوات، وانتشت مع قهقهات بنكيران وهو «يمرمد» ممثلي الاستبداد والفساد؛ بكل بساطته وتلقائيته وشفافيته.
ثم فجأة انقلب الفرح بانتخابات جديدة إلى حزن وارتياب.
فما الذي يجعل قياديي العدالة والتنمية متخوِّفين من حكومة يرأسونها؟؟؟
لماذا يطالبون بمسافة بين حزبهم والحكومة؟؟
لماذا يعتبرون تشكيلهم للحكومة خسارة؟؟
لن نكرر الكلام حول البلوكاج ولا إعفاء السيد بنكيران؛ ولن نتحدث عن الأوامر السيادية التي فَرضت العثماني ثم فرضت التنازلات؛ فكل هذا مكشوف معروف متداول الآن؛ لكن هذا المعروف صار يشكل المنحدر المخيف الذي ارتأى بعض قياديي الحزب أن يتحدثوا عنه خارج المؤسسات المغلقة؛ قرروا أن يتحدثوا عنه في المنابر العامة حتى يفهم المواطن الذي وثق في العدالة والتنمية أن شيئا ما هنالك على ما لا يرام، يعترض مصير إرادته التي عبر عنها في الاستحقاقات الانتخابية؛ وأن خطرا ما يحدث للذين رفعوا شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد في ظل الاستقرار.
المسافة التي يطالب بها قياديو الحزب مع الحكومة؛ تعني أن هذه الحكومة لا تمثل الحزب ولا طموحات مناضليه، وأنها حكومة ممنوحة مفروضة بالقوة؛ وأن المشاركة فيها ستعرض الحزب لخسارات متتالية تفتت قوته؛ وتفرق شمله؛ وتشتت الداعمين له في مختلف الأوساط الشعبية، الأمر الذي سيعود عليه بالاضمحلال والضمور فيستحيل صفرا مركونا مصطفا بجانب أصفار حزبية يؤمها رقم «صعب» من فصيلة التراكتور أو الحمام أو الحصان «الطوكار»؛ لتأدية صلاة الشكر في محراب الفساد والاستبداد.
هذا التخوف من تداعيات استكمال التجربة الحكومية في ظل تحكم القرارات السيادية، هو ما دفع قياديا مثل عبد العلي حامي الدين إلى الاعتراف كاتبا على حائطه: «اسمحوا لي أن أقول بأن حكومتنا -التي نتمنى لها كامل التوفيق والنجاح- ليست نتيجة لتحالفات سياسية بين أحزاب سياسية حرة، وليست تتويجا لتوافقات سياسية عميقة، ولا حتى نتيجة «مساومات إرادية» بين الفرقاء السياسيين، ولكنها تعبير عن إرادة الأقوياء المفروضة على أحزاب مسلوبة الإرادة».
إن المسافة التي طالب بعض قياديي الحزب بوضعها بين حزبهم والحكومة التي يرأسها هي مسافة الأمان؛ الأمان المطلوب عندما تحس بأنفاس التماسيح الساخنة تداعب وجنتيك المحمرتين من مَس العفاريت.
لقد أصبح معلوما أن كل الأحزاب التي تؤثث المشهد السياسي المغربي مسلوبة الإرادة وأن حزب العدالة والتنمية اليوم هو وحيد بين فكّي التمساح؛ فَكٌ يمثله أقطاب المال والفك الثاني أقطاب الحكم؛ فهو ليس حرا في اختيار ما يشاء من وزراء؛ وليست له القوة لا الانتخابية لفرض تصوره وخطته للعمل الحكومي، ولا القوة الجماهرية التعبوية التي يستطيع أن يترجمها إلى قوة ضاغطة في ردهات المفاوضات تقيه عواقب قول: لا للقرارات السيادية.
فحُق إذًا لقيادييه أن يتخوفوا من التمساح، الذي ظل بنكيران يندد بشراسته وبمحاولة عبثه بمكتسبات الربيع العربي البائد، هم متخوِّفون من أن يبتلع حزبهم فيصبح هو أيضا مسلوب الإرادة؛ فيلتحق بمآل الوردة الذابلة في يد صاحب الغاز والبقر والشجر والحجر يعبث بها كيف يشاء.
صحيح أن الإصلاح مساره طويل وطريقه كلها حفرٌ تتطلب مهارة في القفز، وذكاء في الالتفاف؛ ومنعرجاتٌ تفرض عليك خفض السرعة حتى يبدو للناس كأنك جامد لا تتحرك؛ ورياحٌ عاتية تجعل مركبتك القصديرية مثل لعبة بين يدي طفل عابث؛ فطبيعي إذًا أن نسمع ضجيج الركاب وصياح الراكبات.
إن ما يتعرض له حزب العدالة والتنمية في المجال السياسي اليوم كان معلوما منذ البداية؛ والذين أجروا معه اتفاق «الإصلاح في ظل الاستقرار»؛ كانوا يعلمون أنه حزب المرحلة؛ لكن هل كان يعلم قادة الحزب أنها مجرد مرحلة فقط وستنتهي؛ وأن الاتفاق ليس مفتوحا دون سقف، وأن الثابت في الاتفاق سيكون هو الاستقرار في حين سيكون المتغير هو الإصلاح.
إن التحدي اليوم أمام حزب العدالة والتنمية هو أن يبقى متماسكا؛ أن يحافظ على شمله؛ أن يدير المرحلة بالحكمة والصبر؛ لكن مع الحذر الشديد؛ فإن كثيرا من الحكمة المتوهمة هي خضوع واستكانة؛ وكثيرٌ من الصبر هو استضعاف وإهانة.
فكيف سيدير الحزب حكومة سيرأسها؛ بوزير مالية يمثل مصالحه الشخصية ومصالح الباطرونا -الذي هو من أهم عناصرها- أكثر من تمثيله للسياسة العامة للحكومة؛ وبوزير للتعليم كان وزيرا للداخلية في أوج قوة العدالة والتنمية ومع ذلك عمل ليل نهار على تضيق دائرة التواجد الإسلامي في الحياة الجمعوية والتربوية والإدارية والتعليمية، فهل قلد قطاع التعليم لاستكمال ما بدأه في الداخلية.
وزارة الداخلية التي يتداول الفاعلون أنها ستُقلَّد للوالي لفتيت الذي تخصص في ملاحقة التواجد الحزبي للعدالة والتنمية طيلة مدة عمله.
إن حزب العدالة اليوم هو في مفترق الطرق؛ ولعل المطالب بعقد مجلس وطني استثنائي جديرة بالدراسة والاستجابة؛ شريطة القدرة على رتق الخرق؛ لا إحداث خروق أخرى في قاع السفينة؛ فالذين يفرضون الحكومة ووزراءها يضعون كذلك عناصر المعارضة ويهيئونها؛ فما يحدث في حزب الاستقلال من انقلاب على شباط من طرف ولد الرشيد هو إعداد لمعارضة وظيفية ستلعب دور الفاضح للفساد الحكومي الذي سيُرتَكب في الوزارات التي سيقودها خصوم العدالة والتنمية في حكومة يرأسها بإذعان دون سلطة؛ لكنه سيتحمل تبعاتها شاء أم أبى.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم