لماذا لا تكون الجزائر العاصمة “دُبَي” شمال إفريقيا؟
هوية بريس – سعيد الغماز
المتابع لوسائل الإعلام العمومي في الجزائر، يجده يتحدث بإسهاب عن الجزائر العظمى التي أصبحت قوة إقليمية. كما يلاحظ التضخيم المبالغ فيه لموقع الجزائر في المنتظم الدولي وكأنها أصبحت تنتمي لمجموعة العشرين G20، وكذلك الانتصارات الكثيرة التي يحققها النظام الجزائري دون معرفة طبيعتها ولا من هو الطرف المنهزم أمام قوة الجيش الجزائري المزعومة. والغريب في الأمر هو أن هذه القوة الإقليمية الجزائرية لا نجد الحديث عنها إلا في وسائل الإعلام الجزائري، أما الإعلام الدولي فهو يتحدث عن واقع جزائري مغاير لما يُروِّج له النظام في قصر المرادية. فخلال زيارة ماكرون للجزائر تناول الإعلام الدولي قضية الرغبة الجامحة لدى الشباب الجزائري والعاطلين عن العمل في الهجرة للدول الأوروبية. وعرضت إحدى القنوات الدولية تصريحا لجزائري يرحب بزيارة ماكرون لبلده ويدعوه للبقاء فيها ويهاجر هو ليستقر في فرنسا، وجزائري آخر يُعبِّر صراحة عن حلمه بالهجرة لأوروبا لأن في بلاده الجزائر لا يوجد عمل ولا عيش كريم حسب تصريحه.
ومن غريب الصدف أن تتحدث وسائل الإعلام الدولية عن هذا الوضع الداخلي في الجزائر، وفي نفس الوقت تعرض ربورتاجا عن “دُبَي” وما وصلت إليه من رقي وتقدم حتى صارت مدينة عالمية. هذه الصدفة جعلتني أطرح السؤال التالي: لما ذا لا تكون الجزائر هي “دبي” شمال إفريقيا؟ وذلك بحكم أن الجزائر تملك نفس ثروات الإمارات العربية المتحدة المتجلية في الغاز والبيترول.
من الناحيثة النظرية، نقول إن الجزائر تملك نفس الثروات النفطية التي اعتمدت عليها الإمارات العربية المتحدة لتحقيق تقدمها وطفرتها التنموية. فلماذا تتحدث وسائل الإعلام الدولي عن التقدم في الإمارات، وعن حلم الشباب للهجرة السرية في الجزائر ويقولون إنهم ضائعون في بلدهم؟
الجواب ليس صعبا، لأنه يكمن في مقارنة بسيطة بين تصرف الإمارات وكيفية تثمينها لثرواتها النفطية، وبين تصرف الجزائر وكيفية تبذيرها لثرواتها النفطية. ويمكن تلخيص الجواب في ثلاث نقط:
أولا: ساهمت الإمارات العربية المتحدة في بناء مجلس التعاون الخليجي لتقوية موقعها في محيطها الإقليمي والدولي. فرغم وجود منافسين أقوياء في المحيط الجيوستراتيجي لدولة الإمارات كالصين وسنغافورة وماليزيا واليابان، فإن وجود دولة الإمارات العربية المتحدة في تكتل مجلس التعاون الخليجي جعلها أكثر قوة وأكثر قدرة على الدفاع عن مصالحها وحماية ثرواتها.
أما الجزائر فلم تكترث لموقعها الجيوستراتيجي المتمثل أساسا في الإتحاد الأوروبي. وبدل أن تعمل بكل طاقتها من أجل خلق وضع إقليمي يساعدها على حماية مصالحها وثرواتها، كما فعلت الإمارات مع مجلس التعاون الخليجي، قام النظام الجزائري بتوظيف ثروات الجزائر النفطية من أجل إضعاف الإتحاد المغاربي بتقديم المال والسلاح لتقسيم جارتها المملكة المغربية، وهو ما جعل الجزائر بثرواتها فريسة سهلة للدول الأوروبية.
ثانيا: الأزمة الخطيرة مع قطر استفادت منها الإمارات كثيرا، وعرفت كيف تختار بين الخسارة التي ستجنيها من استمرار خلافها مع جارتها قطر، وبين الربح الكبير إن هي انتصرت للوحدة وحسن الجوار عل حساب التفرقة وصراع الأشقاء. حِكْمَة الإمارات جعلتها تطوي ملف صراعها مع قطر في أقل من ثلاث سنين، وتمكنت بذلك من مواصلت مسيرتها التنموية ونهضتها الإقتصادية متجنبة الوقوع فريسة لمحيطها الجيوستراتيجي إن هي ساهمت في إضعاف محيطها الإقليمي المتمثل في مجلس التعاون الخليجي.
أما الجنيرالات الذين يحكمون الجزائر، فعكس ما قامت به الإمارات، اختاروا الاتجاه نحو خراب بلادهم والمنطقة التي ينتمون إليها، بالوقوف أمام أي مبادرة للمصالحة لتسهيل بناء اتحاد المغرب العربي. فإذا كانت الإمارات ساهمت في تأسيس مجلس التعاون الخليجي، وقامت بإطفاء نار الخلاف مع جارتها قطر في أقل من ثلاث سنوات، فإن النظام الجزائري ساهم في إفشال قيام اتحاد المغرب العربي، ولم يَقُم بأي مبادرة من أجل المصالحة في قضية عمَّرَت لحد الآن أكثر من 45 سنة. علما أنها قضية مفتعلة، الهدف منها هو زرع كيان وهمي لتقسيم وطن يشكل العمود الفقري لاتحاد المغرب العربي. بل حتى الحدود المغلقة مع جارته المملكة المغربية لا زالت على حالها منذ عقود، ولا يريد لحد الآن، جنيرالات الجزائر، القيام بأي مبادرة في اتجاه إعادة فتح الحدود. هذا الواقع جعل الجزائر ضعيفة في محيطها الجيوستراتيجا وعاجزة عن حماية ثرواتها.
هذه هي الجزائر التي لم ولن تستطيع بناء “دبي” شمال إفريقيا بنظام عسكري يسير عكس مصالح بلده. لكنها الجزائر التي يتحدث إعلامها عن جزائر كقوة إقليمية، في حين يتحدث الإعلام الدولي عن دبي المتقدمة والراقية وعن جزائر تفتقد للرقي والتقدم ويريد شبابها الهجرة نحو أوروبا.
ثالثا: عرفت الإمارات العربية المتحدة كيف تتعامل مع ثرواتها النفطية، وقامت باستثمارات لتنويع اقتصادها وجعله غير مرتبط بسعر الطاقة في السوق الدولية. وساعدها في نجاح نهضتها التنموية، الحكامة الجيدة التي تتميز بها ديبلوماسيتها الخارجية. أما الجزائر فلا يملك نظامها العسكري أي رؤية تنموية، وعقيدته العسكرية القائمة على أساس إثارة العداء مع الجيران لضمان السلم الداخلي، جعله غير قادر على إقامة مشاريع تنموية وبرامج اقتصادية متنوعة لتقليص اعتماد ميزانية الدولة على مداخيل الغاز والبيترول.
هذه هي الإمارات التي تستثمر في العديد من البلدان العربية، وهذه هي الجزائر التي تُفرِّق المال لشراء المواقف حين يرتفع سعر الطاقة وتنكفئ على الذات حين ينخفض سعرها.
هذه هي الإمارات التي تطمح لمسقبل أكثر تقدما وتطورا، وهذه هي الجزائر الغارقة في مشاكلها الداخلية والداعمة للصراعات الإقليمية لكي لا تشهد بلدا جارا يتقدم ويحقق التنمية لكي لا ينفضح واقعها.
في النهاية هذه هي الإمارات التي تتنافس مع جيرانها في الإقتصاد والتنمية، وهذه هي الجزائر التي تتنافس مع جيراتها في الضعف والتخلف. فعقيدة الجنيرلات الذين يحكمون الجزائر لا يريدون لأي دولة من جيرانها أن تحقق التقدم الإقتصادي أو الطفرة التنموية لكيلا يجدوا أنفسهم في مواجهة شعوبهم، ولكيلا يحاسبهم الشارع الجزائري عن الثروات التي أُهدرت في سبيل خلق دولة وهمية بدعمها بالمال والسلاح. والنتيجة وطن جزائري غارق في مشاكل اقتصادية واجتماعية، وصحراء خاضعة للمملكة المغربية تنعم بمشاريع تنموية يتحدث عنها الإعلام الدولي. وفي المقابل نجد منظمة انفصالية أهدر عليها جنيرالات الجزائر ملايير الدولارات وهي الآن محتجزة في تندوف داخل الأراضي الجزائرية بلا أفق ولا مستقبل.
خلاصة القول: ما دام جنيرالات الجزائر مستمرون في عدائهم لجيرانهم فلن تتحول الجزائر العاصمة ل”دُبَي” شمال إفريقيا، رغم توفرها على نفس ثروات الإمارات العربية المتحدة. وقد صدق الجزائريون الذين زاروا المغرب فوجدوا أن العاصمة الجزائر لا تُقارَن مع عاصمة المملكة المغربية الرباط، وإنما تُقارَن مع مدينة العيون في الصحراء المغربية.